الباحث القرآني
﴿فَمَن حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكم ونِساءَنا ونِساءَكم وأنْفُسَنا وأنْفُسَكم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلى الكاذِبِينَ﴾ .
تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ المُمْتَرِينَ﴾ [آل عمران: ٦٠] لِما فِيهِ مِن إيماءٍ إلى أنَّ وفْدَ نَجْرانَ مُمْتَرُونَ في هَذا الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ لَهم في هَذِهِ الآياتِ: أيْ فَإنِ اسْتَمَرُّوا عَلى مُحاجَّتِهِمْ إيّاكَ مُكابَرَةً في هَذا الحَقِّ أوْ في شَأْنِ عِيسى فادْعُهم إلى المُباهَلَةِ والمُلاعَنَةِ. ذَلِكَ أنَّ تَصْمِيمَهم عَلى مُعْتَقَدِهِمْ بَعْدَ هَذا البَيانِ مُكابَرَةٌ مَحْضَةٌ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنِ العِلْمِ وبَيَّنْتَ لَهم، فَلَمْ يَبْقَ أوْضَحُ مِمّا حاجَجْتَهم بِهِ فَعَلِمْتَ أنَّهم إنَّما يُحاجُّونَكَ عَنْ مُكابَرَةٍ، وقِلَّةِ يَقِينٍ، فادْعُهم إلى المُباهَلَةِ بِالمُلاعَنَةِ المَوْصُوفَةِ هُنا.
و”تَعالَوْا“ اسْمُ فِعْلٍ لِطَلَبِ القُدُومِ، وهو في الأصْلِ أمْرٌ مِن تَعالى يَتَعالى إذا قَصَدَ العُلُوَّ، فَكَأنَّهم أرادُوا في الأصْلِ أمْرًا بِالصُّعُودِ إلى مَكانٍ عالٍ تَشْرِيفًا لِلْمَدْعُوِّ، ثُمَّ شاعَ (p-٢٦٥)حَتّى صارَ لِمُطْلَقِ الأمْرِ بِالقُدُومِ أوِ الحُضُورِ، وأُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أحْوالُ اسْمِ الفِعْلِ فَهو مَبْنِيٌّ عَلى فَتْحِ آخِرِهِ، وأمّا قَوْلُ أبِي فِراسٍ الحَمْدانِيِّ:
؎أيا جارَتا ما أنْصَفَ الدَّهْرُ بَيْنَنا تَعالَيْ أُقاسِمْكِ الهُمُومَ تَعالِي
فَقَدْ لَحَّنُوهُ فِيهِ.
ومَعْنى ﴿تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ﴾ ائْتُوا وادْعُوا أبْناءَكم ونَحْنُ نَدْعُو أبْناءَنا إلى آخِرِهِ، والمَقْصُودُ هو قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ إلى آخِرِهِ.
و”ثُمَّ“ هُنا لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ.
والِابْتِهالُ مُشْتَقٌّ مِنَ البَهْلِ وهو الدُّعاءُ بِاللَّعْنِ ويُطْلَقُ عَلى الِاجْتِهادِ في الدُّعاءِ مُطْلَقًا لِأنَّ الدّاعِيَ بِاللَّعْنِ يَجْتَهِدُ في دُعائِهِ، والمُرادُ في الآيَةِ المَعْنى الأوَّلُ.
ومَعْنى ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ﴾ فَنَدْعُ بِإيقاعِ اللَّعْنَةِ عَلى الكاذِبِينَ. وهَذا الدُّعاءُ إلى المُباهَلَةِ إلْجاءٌ لَهم إلى أنْ يَعْتَرِفُوا بِالحَقِّ أوْ يَكُفُّوا. رَوى المُفَسِّرُونَ وأهْلُ السِّيرَةِ أنَّ وفْدَ نَجْرانَ لَمّا دَعاهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المُلاعَنَةِ قالَ لَهُمُ العاقِبُ: لا نُلاعِنُهُ، فَواللَّهِ لَئِنْ كانَ نَبِيئًا فَلاعَنَنا لا نُفْلِحُ أبَدًا ولا عَقِبُنا مِن بَعْدِنا. فَلَمْ يُجِيبُوا إلى المُباهَلَةِ وعَدَلُوا إلى المُصالَحَةِ كَما سَيَأْتِي.
وهَذِهِ المُباهَلَةُ لَعَلَّها مِن طُرُقِ التَّناصُفِ عِنْدَ النَّصارى فَدَعاهم إلَيْها النَّبِيءُ ﷺ لِإقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
وإنَّما جَمَعَ في المُلاعَنَةِ الأبْناءَ والنِّساءَ: لِأنَّهُ لَمّا ظَهَرَتْ مُكابَرَتُهم في الحَقِّ وحُبُّ الدُّنْيا، عُلِمَ أنَّ مَن هَذِهِ صِفَتُهُ يَكُونُ أهْلُهُ ونِساؤُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الحَقِّ كَما قالَ شُعَيْبٌ: ﴿أرَهْطِي أعَزُّ عَلَيْكم مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٩٢] وأنَّهُ يَخْشى سُوءَ العَيْشِ وفُقْدانَ الأهْلِ، ولا يَخْشى عَذابَ الآخِرَةِ.
والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ المُشارَكِ أنَّهُ عائِدٌ إلى النَّبِيءِ ﷺ ومَن مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، والَّذِينَ يَحْضُرُهم لِذَلِكَ وأبْناءُ أهْلِ الوَفْدِ ونِساؤُهُمُ اللّائِي كُنَّ مَعَهم.
(p-٢٦٦)والنِّساءُ: الأزْواجُ لا مَحالَةَ، وهو إطْلاقٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ العَرَبِ إذا أُضِيفَ لَفْظُ النِّساءِ إلى واحِدٍ أوْ جَماعَةٍ دُونَ ما إذا ورَدَ غَيْرَ مُضافٍ، قالَ تَعالى: ﴿يا نِساءَ النَّبِيءِ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] وقالَ: ونِساءِ المُؤْمِنِينَ، وقالَ النّابِغَةُ:
؎حِذارًا عَلى أنْ لا تُنالَ مَقادَتِي ∗∗∗ ولا نِسْوَتِي حَتّى يَمُتْنَ حَرائِرا
والأنْفُسُ أنْفُسُ المُتَكَلِّمِينَ وأنْفُسُ المُخاطَبِينَ أيْ وإيّانا وإيّاكم، وأمّا الأبْناءُ فَيُحْتَمَلُ أنَّ المُرادَ شُبّانُهم، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ يَشْمَلُ الصِّبْيانَ، والمَقْصُودُ أنْ تَعُودَ عَلَيْهِمْ آثارُ المُلاعَنَةِ.
والِابْتِهالُ افْتِعالٌ مِنَ البَهْلِ، وهو اللَّعْنُ، يُقالُ: بَهَلَهُ اللَّهُ بِمَعْنى لَعَنَهُ واللَّعْنَةُ بَهْلَةٌ وبُهْلَةٌ بِالضَّمِّ والفَتْحِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ الِابْتِهالُ مَجازًا مَشْهُورًا في مُطْلَقِ الدُّعاءِ، قالَ الأعْشى:
؎لا تَقْعُدَنَّ وقَدْ أكَّلْتَها حَطَبًـا ∗∗∗ تَعُوذُ مِن شَرِّها يَوْمًا وتَبْتَهِلُ
وهُوَ المُرادُ هُنا بِدَلِيلِ أنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلى الكاذِبِينَ﴾ .
وهَذِهِ دَعْوَةُ إنْصافٍ لا يَدْعُو لَها إلّا واثِقٌ بِأنَّهُ عَلى الحَقِّ. وهَذِهِ المُباهَلَةُ لَمْ تَقَعْ لِأنَّ نَصارى نَجْرانَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا إلَيْها. وقَدْ رَوى أبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ أنَّ النَّبِيءَ هَيَّأ عَلِيًّا وفاطِمَةَ وحَسَنًا وحُسَيْنًا لِيَصْحَبَهم مَعَهُ لِلْمُباهَلَةِ. ولَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ إحْضارَ نِسائِهِ ولا إحْضارَ بَعْضِ المُسْلِمِينَ.
{"ayah":"فَمَنۡ حَاۤجَّكَ فِیهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡا۟ نَدۡعُ أَبۡنَاۤءَنَا وَأَبۡنَاۤءَكُمۡ وَنِسَاۤءَنَا وَنِسَاۤءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَـٰذِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق