الباحث القرآني
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ وإنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكم يَوْمَ القِيامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا مَتاعُ الغُرُورِ﴾ .
هَذِهِ الآيَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِأصْلِ الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ، وهو تَسْلِيَةُ المُؤْمِنِينَ عَلى ما أصابَهم يَوْمَ أُحُدٍ، وتَفْنِيدُ المُنافِقِينَ في مَزاعِمِهِمْ أنَّ النّاسَ لَوِ اسْتَشارُوهم في القِتالِ لَأشارُوا بِما فِيهِ سَلامَتُهم فَلا يَهْلِكُوا، فَبَعْدَ أنْ بَيَّنَ لَهم ما يَدْفَعُ تَوَهُّمَهم أنَّ الِانْهِزامَ كانَ خِذْلانًا مِنَ اللَّهِ وتَعَجُّبَهم مِنهُ كَيْفَ يَلْحَقُ قَوْمًا خَرَجُوا لِنَصْرِ الدِّينِ وأنْ لا سَبَبَ لِلْهَزِيمَةِ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ﴾ [آل عمران: ١٥٥] ثُمَّ بَيَّنَ لَهم أنَّ في تِلْكَ الرَّزِيَّةِ فَوائِدَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعالى ﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] وقَوْلِهِ ﴿ولِيَعْلَمَ المُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٦]، ثُمَّ أمَرَهم بِالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ في كُلِّ حالٍ فَقالَ ﴿وما أصابَكم يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ فَبِإذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٦] وقالَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كالَّذِينَ كَفَرُوا وقالُوا لِإخْوانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] الآيَةَ. وبَيَّنَ لَهم أنَّ قَتْلى المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ حَزِنُوا لَهم إنَّما هم أحْياءٌ، وأنَّ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ لا يُضَيِّعُ اللَّهُ أجَرَهم ولا فَضْلَ ثَباتِهِمْ، وبَيَّنَ لَهم أنَّ سَلامَةَ الكُفّارِ لا يَنْبَغِي أنْ تُحْزِنَ المُؤْمِنِينَ ولا أنْ (p-١٨٨)تَسُرَّ الكافِرِينَ، وأبْطَلَ في خِلالِ ذَلِكَ مَقالَ المُنافِقِينَ بِقَوْلِهِ ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ في بُيُوتِكم لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إلى مَضاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤] وبِقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ قالُوا لِإخْوانِهِمْ وقَعَدُوا﴾ [آل عمران: ١٦٨] إلى قَوْلِهِ ﴿قُلْ فادْرَءُوا عَنْ أنْفُسِكُمُ المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٨] خَتَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِما هو جامِعٌ لِلْغَرَضَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ وإنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكم يَوْمَ القِيامَةِ﴾ لِأنَّ المُصِيبَةَ والحُزْنَ إنَّما نَشَآ عَلى مَوْتِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِن خِيرَةِ المُؤْمِنِينَ، يَعْنِي أنَّ المَوْتَ لَمّا كانَ غايَةَ كُلِّ حَيٍّ فَلَوْ لَمْ يَمُوتُوا اليَوْمَ لَماتُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلا تَأْسَفُوا عَلى مَوْتِ قَتْلاكم في سَبِيلِ اللَّهِ، ولا يَفْتِنْكُمُ المُنافِقُونَ بِذَلِكَ، ويَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿وإنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكم يَوْمَ القِيامَةِ﴾ قَصْرَ قَلْبٍ لِتَنْزِيلِ المُؤْمِنِينَ - فِيما أصابَهم مِنَ الحُزْنِ عَلى قَتْلاهم وعَلى هَزِيمَتِهِمْ - مَنزِلَةَ مَن لا يَتَرَقَّبُ مِن عَمَلِهِ إلّا مَنافِعَ الدُّنْيا وهو النَّصْرُ والغَنِيمَةُ، مَعَ أنَّ نِهايَةَ الأجْرِ في نَعِيمِ الآخِرَةِ، ولِذَلِكَ قالَ ﴿تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ﴾ أيْ تُكْمَلُ لَكم، وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم قَدْ حَصَلَتْ لَهم أُجُورٌ عَظِيمَةٌ في الدُّنْيا عَلى تَأْيِيدِهِمْ لِلدِّينِ: مِنها النَّصْرُ يَوْمَ بَدْرٍ، ومِنها كَفُّ أيْدِي المُشْرِكِينَ عَنْهم في أيّامِ مَقامِهِمْ بِمَكَّةَ إلى أنْ تَمَكَّنُوا مِنَ الهِجْرَةِ.
والذَّوْقُ هُنا أُطْلِقَ عَلى وِجْدانِ المَوْتِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ اسْتِعْمالِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا ﴿ونَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ [آل عمران: ١٨١] وشاعَ إطْلاقُهُ عَلى حُصُولِ المَوْتِ، قالَ تَعالى ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ﴾ [الدخان: ٥٦] ويُقالُ: ذاقَ طَعْمَ المَوْتِ.
والتَّوْفِيَةُ: إعْطاءُ الشَّيْءِ وافِيًا. ويُطْلِقُها الفُقَهاءُ عَلى مُطْلَقِ الإعْطاءِ والتَّسْلِيمِ، والأُجُورُ جَمْعُ الأجْرِ بِمَعْنى الثَّوابِ، ووَجْهُ جَمْعِهِ مُراعاةُ أنْواعِ الأعْمالِ. ويَوْمُ القِيامَةِ: يَوْمُ الحَشْرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّهُ يَقُومُ فِيهِ النّاسُ مِن خُمُودِ المَوْتِ إلى نُهُوضِ الحَياةِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَمَن زُحْزِحَ﴾ لِلتَّفْرِيعِ عَلى ﴿تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ﴾ ومَعْنى زُحْزِحَ أُبْعِدَ. وحَقِيقَةُ فِعْلِ زُحْزِحَ أنَّها جَذْبٌ بِسُرْعَةٍ، وهو مُضاعَفُ زَحَّهُ عَنِ المَكانِ إذا جَذَبَهُ بِعَجَلَةٍ.
وإنَّما جُمِعَ بَيْنَ ﴿زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّةَ﴾، مَعَ أنَّ في الثّانِي غُنْيَةً عَنِ (p-١٨٩)الأوَّلِ، لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ دُخُولَ الجَنَّةِ يَشْتَمِلُ عَلى نِعْمَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ: النَّجاةُ مِنَ النّارِ، ونَعِيمُ الجَنَّةِ.
ومَعْنى ﴿فَقَدْ فازَ﴾ نالَ مُبْتَغاهُ مِنَ الخَيْرِ لِأنَّ تَرَتُّبَ الفَوْزِ عَلى دُخُولِ الجَنَّةِ والزَّحْزَحَةِ عَنِ النّارِ مَعْلُومٌ فَلا فائِدَةَ في ذِكْرِ الشَّرْطِ إلّا لِهَذا. والعَرَبُ تَعْتَمِدُ في هَذا عَلى القَرائِنِ، فَقَدْ يَكُونُ الجَوابُ عَيْنَ الشَّرْطِ لِبَيانِ التَّحْقِيقِ، نَحْوَ قَوْلِ القائِلِ: مَن عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وقَدْ يَكُونُ عَيَّنَهُ بِزِيادَةِ قَيْدٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] وقَدْ يَكُونُ عَلى مَعْنى بُلُوغِ أقْصى غاياتِ نَوْعِ الجَوابِ والشَّرْطِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، وقَوْلِهِ ﴿رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] عَلى أحَدِ وجْهَيْنِ، وقَوْلِ العَرَبِ: ”مَن أدْرَكَ مَرْعى الصَّمّانِ فَقَدْ أدْرَكَ“ . وجَمِيعُ ما قُرِّرَ في الجَوابِ يَأْتِي مِثْلُهُ في الصِّفَةِ ونَحْوِها كَقَوْلِهِ ﴿رَبَّنا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أغْوَيْنا أغْوَيْناهم كَما غَوَيْنا﴾ [القصص: ٦٣] .
{"ayah":"كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلۡغُرُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق