الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ .
كَلامٌ أُلْقِيَ إلَيْهِمْ بِإجْمالٍ بالِغٍ غايَةَ الإيجازِ، لِيَكُونَ جامِعًا بَيْنَ المَوْعِظَةِ، والمَعْذِرَةِ، والمَلامِ. والواوُ عاطِفَةٌ أوْ حالِيَّةٌ.
والخِطابُ لِلْأحْياءِ، لا مَحالَةَ، الَّذِينَ لَمْ يَذُوقُوا المَوْتَ، ولَمْ يَنالُوا الشَّهادَةَ، والَّذِينَ كانَ حَظُّهم في ذَلِكَ اليَوْمِ هو الهَزِيمَةُ، فَقَوْلُهُ ﴿كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ﴾ أُرِيدَ بِهِ تَمَنِّي لِقاءَ العَدُوِّ يَوْمَ أُحُدٍ، وعَدَمُ رِضاهم بِأنْ يَتَحَصَّنُوا بِالمَدِينَةِ، ويَقِفُوا مَوْقِفَ الدِّفاعِ، كَما أشارَ بِهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ولَكِنَّهم أظْهَرُوا الشُّجاعَةَ وحُبَّ اللِّقاءِ، ولَوْ كانَ فِيهِ المَوْتُ، نَظَرًا لِقُوَّةِ العَدُوِّ وكَثْرَتِهِ، (p-١٠٨)فالتَّمَنِّي هو تَمَنِّي اللِّقاءِ ونَصْرُ الدِّينِ بِأقْصى جُهْدِهِمْ، ولَمّا كانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ اكْتِراثِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم بِتَلَفِ نَفْسِهِ في الدِّفاعِ، رَجاءَ أنْ يَكُونَ قَبْلَ هَلاكِهِ قَدْ أبْلى في العَدُوِّ، وهَيَّأ النَّصْرَ لِمَن بَقِيَ بَعْدَهُ، جَعَلَ تَمَنِّيَهُمُ اللِّقاءَ كَأنَّهُ تَمَنِّي المَوْتِ مِن أوَّلِ الأمْرِ، تَنْزِيلًا لِغايَةِ التَّمَنِّي مَنزِلَةَ مَبْدَئِهِ.
وقَوْلُهُ ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ﴾ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم تَمَنَّوْا أمْرًا مَعَ الإغْضاءِ عَنْ شِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ، فَتَمَنِّيهِمْ إيّاهُ كَتَمَنِّي شَيْءٍ قَدْ جَهِلُوا ما فِيهِ مِنَ المَصائِبِ.
وقَوْلُهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ أيْ رَأيْتُمُ المَوْتَ، ومَعْنى رُؤْيَتِهِ مُشاهَدَةُ أسْبابِهِ المُحَقَّقَةِ، الَّتِي رُؤْيَتُها كَمُشاهَدَةِ المَوْتِ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ تَمْثِيلًا، ويَجُوزُ أنْ تُطْلَقَ الرُّؤْيَةُ عَلى شِدَّةِ التَّوَقُّعِ، كَإطْلاقِ الشَّمِّ عَلى ذَلِكَ في قَوْلِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ المَخْزُومِيِّ:
؎وشَمَمْتُ رِيحَ المَوْتِ مِن تِلْقائِهِمْ في مَأْزِقٍ والخَيْلُ لَمْ تَتَبَدَّدِ
وكَإطْلاقِهِ في قَوْلِ ابْنِ مَعْدِي كَرِبَ يَوْمَ القادِسِيَّةِ: فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجَدْتُ مِنها رِيحَ المَوْتِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ﴾ فاءُ الفَصِيحَةِ عَنْ قَوْلِهِ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ والتَّقْدِيرُ: وأُجِبْتُمْ إلى ما تَمَنَّيْتُمْ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ، والمَعْنى: فَأيْنَ بَلاءُ مَن يَتَمَنّى المَوْتَ، كَقَوْلِ عَبّاسِ بْنِ الأحْنَفِ:
؎قالُوا خُراسانُ أقْصى ما يُرادُ بِنا ∗∗∗ ثُمَّ القُفُولُ فَقَدْ جِئْنا خُراسانا
ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكم بِما تَقُولُونَ﴾ [الفرقان: ١٩] وقَوْلُهُ في سُورَةِ الرُّومِ ﴿فَهَذا يَوْمُ البَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦] .
وجُمْلَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنى رَأيْتُمُوهُ، أوْ هو تَفْرِيعٌ أيْ: رَأيْتُمُ المَوْتَ وكانَ حَظُّكم مِن ذَلِكَ النَّظَرَ، دُونَ الغَناءِ في وقْتِ الخَطَرِ، فَأنْتُمْ (p-١٠٩)مَبْهُوتُونَ. ومَحَلُّ المَوْعِظَةِ مِنَ الآيَةِ: أنَّ المَرْءَ لا يَطْلُبُ أمْرًا حَتّى يُفَكِّرَ في عَواقِبِهِ، ويَسْبُرَ مِقْدارَ تَحَمُّلِهِ لِمَصائِبِهِ، ومَحَلُّ المَعْذِرَةِ في قَوْلِهِ ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ﴾ وقَوْلِهِ ﴿فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ﴾ ومَحَلُّ المُلامِ في قَوْلِهِ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿تَمَنَّوْنَ المَوْتَ﴾ بِمَعْنى تَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ الشَّهادَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ رَأيْتُمْ مُشارَفَةَ المَوْتِ إيّاكم، وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ مَن ماتَ مِن إخْوانِكم، أيْ فَكَيْفَ وجَدْتُمْ أنْفُسَكم حِينَ رَأيْتُمُ المَوْتَ، وكَأنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأنَّهم لَيْسُوا بِمَقامِ مَن يَتَمَنّى الشَّهادَةَ. إذْ قَدْ جَبُنُوا وقْتَ الحاجَةِ، وخَفُّوا إلى الغَنِيمَةِ، فالكَلامُ مَلامٌ مَحْضٌ عَلى هَذا، ولَيْسَ تَمَنِّي الشَّهادَةِ بِمَلُومٍ عَلَيْهِ، ولَكِنَّ اللَّوْمَ عَلى تَمَنِّي مالا يَسْتَطِيعُ كَما قِيلَ
؎إذْا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ
. كَيْفَ وقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «ولَوَدِدْتُ أنِّي أُقْتَلُ في سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أحْيا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أحْيا، ثُمَّ أُقْتَلُ» . وقالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ شَهادَةً في سَبِيلِكَ وقالَ ابْنُ رَواحَةَ:
؎لَكِنَّنِي أسْألُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ∗∗∗ وضَرْبَةً ذاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدا
؎حَتّى يَقُولُوا إذا مَرُّوا عَلى جَدَثِي ∗∗∗ أرْشَدَكَ اللَّهُ مِن غازٍ وقَدْ رَشَدا
وعَلى هَذا الِاحْتِمالِ فالضَّمِيرُ راجِعٌ إلى المَوْتِ، بِمَعْنى أسْبابِهِ، تَنْزِيلًا لِرُؤْيَةِ أسْبابِهِ مَنزِلَةَ رُؤْيَتِهِ، وهو كالِاسْتِخْدامِ، وعِنْدِي أنَّهُ أقْرَبُ مِنَ الِاسْتِخْدامِ لِأنَّهُ عادَ إلى أسْبابِ المَوْتِ بِاعْتِبارِ تَنْزِيلِها مَنزِلَةَ المَوْتِ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَیۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق