الباحث القرآني
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أيْنَ ما ثُقِفُوا إلّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النّاسِ وباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ﴾ .
يَعُودُ ضَمِيرُ عَلَيْهِمْ إلى ﴿وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ١١٠] وهو خاصٌّ بِاليَهُودِ لا مَحالَةَ، وهو كالبَيانِ لِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١] .
والجُمْلَةُ بَيانِيَّةٌ لِذِكْرِ حالٍ شَدِيدٍ مِن شَقائِهِمْ في الدُّنْيا.
ومَعْنى ضَرْبِ الذِّلَّةِ اتِّصالُها بِهِمْ وإحاطَتُها، فَفِيهِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ وتَبَعِيَّةٌ شُبِّهَتِ الذِّلَّةُ، وهي أمْرٌ مَعْقُولٌ، بِقُبَّةٍ أوْ خَيْمَةٍ شَمِلَتْهم وشُبِّهَ اتِّصالُها وثَباتُها بِضَرْبِ القُبَّةِ وشَدِّ أطْنابِها، وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في البَقَرَةِ.
وثُقِفُوا في الأصْلِ أُخِذُوا في الحَرْبِ ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ﴾ [الأنفال: ٥٧] وهَذِهِ المادَّةُ تَدُلُّ عَلى تَمَكُّنٍ مِن أخْذِ الشَّيْءِ، وتَصَرُّفٍ فِيهِ بِشِدَّةٍ، ومِنها سُمِّيَ الأسْرُ ثِقافًا. والثِّقافُ آلَةٌ كالكَلُّوبِ تُكْسَرُ بِهِ أنابِيبُ قَنا الرِّماحِ. قالَ النّابِغَةُ:
؎عَضَّ الثِّقافِ عَلى صُمِّ الأنابِيبِ
والمَعْنى هُنا: أيْنَما عُثِرَ عَلَيْهِمْ، أوْ أيْنَما وُجِدُوا، أيْ هم لا يُوجَدُونَ إلّا مَحْكُومِينَ، شَبَّهَ حالَ مُلاقاتِهِمْ في غَيْرِ الحَرْبِ بِحالِ أخْذِ الأسِيرِ لِشِدَّةِ ذُلِّهِمْ.
(p-٥٦)وقَوْلُهُ ﴿إلّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النّاسِ﴾ الحَبَلُ مُسْتَعارٌ لِلْعَهْدِ، وتَقَدَّمَ ما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى﴾ [البقرة: ٢٥٦] - في سُورَةِ البَقَرَةِ - وعَهْدُ اللَّهِ ذِمَّتُهُ، وعَهْدُ النّاسِ حِلْفُهم، ونَصْرُهم، والِاسْتِثْناءُ مِن عُمُومِ الأحْوالِ وهي أحْوالٌ دَلَّتْ عَلَيْها الباءُ الَّتِي لِلْمُصاحَبَةِ. والتَّقْدِيرُ: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ مُتَلَبِّسِينَ بِكُلِّ حالٍ إلّا مُتَلَبِّسِينَ بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ وعَهْدٍ مِنَ النّاسِ، فالتَّقْدِيرُ: فَذَهَبُوا بِذِلَّةٍ إلّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ.
والمَعْنى لا يَسْلَمُونَ مِنَ الذِّلَّةِ إلّا إذا تَلَبَّسُوا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ، أيْ ذِمَّةِ الإسْلامِ، أوْ إذا اسْتَنْصَرُوا بِقَبائِلَ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وأمّا هم في أنْفُسِهِمْ فَلا نَصْرَ لَهم. وهَذا مِن دَلائِلِ النُّبُوَّةِ فَإنَّ اليَهُودَ كانُوا أعِزَّةً بِيَثْرِبَ وخَيْبَرَ والنَّضِيرِ وقُرَيْظَةَ، فَأصْبَحُوا أذِلَّةً وعَمَّتْهُمُ المَذَلَّةُ في سائِرِ أقْطارِ الدُّنْيا.
﴿وباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ رَجَعُوا وهو مَجازٌ لِمَعْنى صارُوا إذْ لا رُجُوعَ هُنا.
والمَسْكَنَةُ الفَقْرُ الشَّدِيدُ مُشْتَقَّةٌ مِنِ اسْمِ المِسْكِينِ وهو الفَقِيرُ، ولَعَلَّ اشْتِقاقَهُ مِنَ السُّكُونِ وهو سُكُونٌ خَيالِيٌّ أُطْلِقَ عَلى قِلَّةِ الحِيلَةِ في العَيْشِ. والمُرادُ بِضَرْبِ المَسْكَنَةِ عَلَيْهِمْ تَقْدِيرُها لَهم وهو إخْبارٌ بِمُغَيَّبٍ لِأنَّ اليَهُودَ المُخْبِرَ عَنْهم قَدْ أصابَهُمُ الفَقْرُ حِينَ أُخِذَتْ مَنازِلُهم في خَيْبَرَ والنَّضِيرِ وقَيْنُقاعَ وقُرَيْظَةَ، ثُمَّ بِإجْلائِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ في زَمَنِ عُمَرَ.
* * *
﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ الأنْبِئاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ .
الإشارَةُ إلى ضَرْبِ الذِّلَّةِ المَأْخُوذِ مِن ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ . ومَعْنى ﴿يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ الأنْبِئاءَ﴾ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٢١] أوائِلَ هَذِهِ السُّورَةِ.
(p-٥٧)وقَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى كُفْرِهِمْ وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فالباءُ سَبَبُ السَّبَبِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إشارَةً ثانِيَةً إلى ضَرْبِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ فَيَكُونُ سَبَبًا ثانِيًا. و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ أيْ بِسَبَبِ عِصْيانِهِمْ واعْتِدائِهِمْ، وهَذا نَشْرٌ عَلى تَرْتِيبِ اللَّفِّ فَكُفْرُهم بِالآياتِ سَبَبُهُ العِصْيانُ، وقَتْلُهُمُ الأنْبِياءَ سَبَبُهُ الِاعْتِداءُ.
{"ayah":"ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق