الباحث القرآني
(p-٣٢)﴿فَإذا رَكِبُوا في الفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يُشْرِكُونَ﴾ ﴿لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهم ولْيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾
أفادَتِ الفاءُ تَفْرِيعَ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، والمُفَرَّعُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ لَيْسَ هو واحِدًا مِنَ الأخْبارِ المُتَقَدِّمَةِ بِخُصُوصِهِ، ولَكِنَّهُ مَجْمُوعُ ما تَدُلُّ عَلَيْهِ قُوَّةُ الحَدِيثِ عَنْهم وما تَقْتَضِيهِ الفاءُ، والتَّقْدِيرُ: هم ”أيِ المُشْرِكُونَ“ عَلى ما وُصِفُوا بِهِ مِنَ الغَفْلَةِ عَنْ دَلائِلِ الوَحْدانِيَّةِ وإلْغائِهِمْ ما في أحْوالِهِمْ مِن دَلائِلِ الِاعْتِرافِ لِلَّهِ بِها - لا يَضْرَعُونَ إلّا إلى اللَّهِ، فَإذا رَكِبُوا في الفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ، فَضَمائِرُ جَمْعِ الغائِبِينَ عائِدَةٌ إلى المُشْرِكِينَ.
وهَذا انْتِقالٌ إلى إلْزامِهِمْ بِما يَقْتَضِيهِ دُعاؤُهم حِينَ لا يُشْرِكُونَ فِيهِ إلَهًا آخَرَ مَعَ اللَّهِ بَعْدَ إلْزامِهِمْ بِمُوجِباتِ اعْتِرافاتِهِمْ، فَإنَّهم يَدْعُونَ أصْنامَهم في شُئُونٍ مِن أحْوالِهِمْ ويَسْتَنْصِرُونَهم، ولَكِنَّهم إذا أصابَهم هَوْلٌ تَوَجَّهُوا بِتَضَرُّعِهِمْ إلى اللَّهِ.
وإنَّما خَصَّ بِالذِّكْرِ حالَ خَوْفِهِمْ مِن هَوْلِ البَحْرِ في هَذِهِ الآيَةِ وفي آياتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ ما في سُورَةِ يُونُسَ وما في سُورَةِ الإسْراءِ لِأنَّ أسْفارَهم في البَرِّ كانُوا لا يَعْتَرِيهِمْ فِيها خَوْفٌ يَعُمُّ جَمِيعَ السَّفَرِ؛ لِأنَّهم كانُوا يُسافِرُونَ قَوافِلَ، مَعَهم سِلاحُهم، ويَمُرُّونَ بِسُبُلٍ يَأْلَفُونَها فَلا يَعْتَرِضُهم خَوْفٌ عامٌّ، فَأمّا سَفَرُهم في البَحْرِ فَإنَّهم يَفْرَقُونَ مِن هَوْلِهِ ولا يَدْفَعُهُ عَنْهم وفْرَةُ عَدَدٍ ولا قُوَّةُ عُدَدٍ، فَهم يَضْرَعُونَ إلى اللَّهِ بِطَلَبِ النَّجاةِ، ولَعَلَّهم لا يَدْعُونَ أصْنامَهم حِينَئِذٍ.
فَأمّا تَسْخِيرُ المَخْلُوقاتِ فَما كانُوا يَطْمَعُونَ بِهِ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى، وأيْضًا كانَ يُخامِرُهُمُ الخَوْفُ عِنْدَ رُكُوبِهِمْ في البَحْرِ لِقِلَّةِ الفَهْمِ بِرُكُوبِهِ؛ إذْ كانَ مُعْظَمُ أسْفارِهِمْ في البَرارِي.
وقَدْ تَقَدَّمَ تَعْدِيَةُ الرُّكُوبِ بِحَرْفِ ”في“ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وقالَ ارْكَبُوا فِيها﴾ [هود: ٤١] في سُورَةِ هُودٍ. والإخْلاصُ: التَّمْحِيضُ والإفْرادُ.
والدِّينُ: المُعامَلَةُ. والمُرادُ بِهِ هُنا الدُّعاءُ، أيْ دَعَوُا اللَّهَ غَيْرَ مُشْرِكِينَ مَعَهُ أصْنامُهم. ويُفَسِّرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يُشْرِكُونَ﴾ .
(p-٣٣)فَجِيءَ بِحَرْفِ المُفاجَأةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُمُ ابْتَدَرُوا إلى الإشْراكِ في حِينِ حُصُولِهِمْ في البَرِّ، أيْ أسْرَعُوا إلى ما اعْتادُوهُ مِن زِيارَةِ أصْنامِهِمْ والذَّبْحِ لَها. والمُفاجَأةُ عُرْفِيَّةٌ بِحَسَبِ ما يَقْتَضِيهِ الإرْساءُ في البَرِّ والوُصُولُ إلى مَواطِنِهِمْ، فَكانُوا يُبادِرُونَ بِإطْعامِ الطَّعامِ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنَ السَّفَرِ.
واللّامُ في ”لِيَكْفُرُوا“ لامُ التَّعْلِيلِ وهي لامُ كَيْ، وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ يُشْرِكُونَ، والكُفْرُ هُنا لَيْسَ هو الشِّرْكُ، ولَكِنَّهُ كُفْرانُ النِّعْمَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِما آتَيْناهُمْ﴾ فَإنَّ الإيتاءَ بِمَعْنى الإنْعامِ، وبِقَرِينَةِ تَفْرِيعِهِ عَلى ”يُشْرِكُونَ“، فالعِلَّةُ مُغايِرَةٌ لِلْمَعْلُولِ، وكُفْرانُ النِّعْمَةِ مُسَبَّبٌ عَنِ الإشْراكِ؛ لِأنَّهم لَمّا بادَرُوا إلى شُئُونِ الإشْراكِ فَقَدْ أخَذُوا يَكْفُرُونَ النِّعْمَةَ، فاللّامُ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ؛ شَبَّهَ المُسَبَّبَ بِالعِلَّةِ الباعِثَةِ فاسْتُعِيرَ لَهُ حَرْفُ التَّعْلِيلِ عِوَضًا عَنْ فاءِ التَّفْرِيعِ.
وأمّا اللّامُ في قَوْلِهِ: ولِيَتَمَتَّعُوا بِكَسْرِ اللّامِ عَلى أنَّها لامُ التَّعْلِيلِ في قِراءَةِ ورْشٍ عَنْ نافِعٍ، وأبِي عَمْرٍو، وابْنِ عامِرٍ، وعاصِمٍ، وأبِي جَعْفَرٍ، ويَعْقُوبَ. وقَرَأهُ قالُونُ عَنْ نافِعٍ، وابْنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ بِسُكُونِها، فَهي لامُ الأمْرِ، وهي بَعْدَ حَرْفِ العَطْفِ تُسَكَّنُ وتُكْسَرُ، وعَلَيْهِ فالأمْرُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهْدِيدِ نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] وهو عَطْفُ جُمْلَةِ التَّهْدِيدِ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ﴾ إلَخْ. . . نَظِيرَ قَوْلِهِ في سُورَةِ الرُّومِ: ”﴿لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهم فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٤]“ .
والتَّمَتُّعُ: الِانْتِفاعُ القَصِيرُ زَمَنُهُ.
وجُمْلَةُ ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى التَّهْدِيدِ بِالوَعِيدِ.
{"ayahs_start":65,"ayahs":["فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِی ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ یُشۡرِكُونَ","لِیَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُمۡ وَلِیَتَمَتَّعُوا۟ۚ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِی ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ یُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق