الباحث القرآني
﴿ومَن جاهَدَ فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾
أيْ ومَن جاهَدَ مِمَّنْ يَرْجُونَ لِقاءَ اللَّهِ، فَلَيْسَتِ الواوُ لِلتَّقْسِيمِ، ولَيْسَ مَن (p-٢١٠)جاهَدَ بِقَسِيمٍ لِمَن كانُوا يَرْجُونَ لِقاءَ اللَّهِ، بَلِ الجِهادُ مِن عَوارِضِ مَن كانُوا يَرْجُونَ لِقاءَ اللَّهِ.
والجِهادُ: مُبالَغَةٌ في الجَهْدِ الَّذِي هو مَصْدَرُ جَهَدَ كَمَنَعَ: إذا جَدَّ في عَمَلِهِ وتَكَلَّفَ فِيهِ تَعَبًا؛ ولِذَلِكَ شاعَ إطْلاقُهُ عَلى القِتالِ في نَصْرِ الإسْلامِ، وهو هُنا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الصَّبْرَ عَلى المَشاقِّ والأذى اللّاحِقَةِ بِالمُسْلِمِينَ لِأجْلِ دُخُولِهِمْ في الإسْلامِ ونَبْذِ دِينِ الشِّرْكِ حَيْثُ تَصَدّى المُشْرِكُونَ لِأذاهم. فَإطْلاقُ الجِهادِ هُنا هو مِثْلُ إطْلاقِهِ في قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ هَذا: ﴿وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي﴾ [العنكبوت: ٨]، ومِثْلُ إطْلاقِهِ في قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ وقَدْ قَفَلَ مِن إحْدى غَزَواتِهِ: «رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ» .
وهَذا المَحَلُّ هو المُتَبادِرُ في هَذِهِ السُّورَةِ بِناءً عَلى أنَّها كُلُّها مَكِّيَّةٌ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ جِهادُ القِتالِ في مَكَّةَ.
ومَعْنى ﴿فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ عَلى هَذا المَحْمِلِ: أنَّ ما يُلاقِيهِ مِنَ المَشاقِّ لِفائِدَةِ نَفْسِهِ، لِيَتَأتّى لَهُ الثَّباتُ عَلى الإيمانِ الَّذِي بِهِ يَنْجُو مِنَ العَذابِ في الآخِرَةِ.
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالجِهادِ المَعْنى المَنقُولُ إلَيْهِ في اصْطِلاحِ الشَّرِيعَةِ، وهو قِتالُ الكُفّارِ لِأجْلِ نَصْرِ الإسْلامِ والذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ، ويَكُونُ ذِكْرُهُ هُنا إعْدادَ نُفُوسِ المُسْلِمِينَ لِما سَيَلْجَئُونَ إلَيْهِ مِن قِتالِ المُشْرِكِينَ قَبْلَ أنْ يَضْطَرُّوا إلَيْهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهم أوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] ومُناسِبَةُ التَّعْرِيضِ لَهُ عَلى هَذا المَحْمِلِ هو أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت: ٥] تَضَمَّنَ تَرَقُّبًا لِوَعْدِ نَصْرِهِمْ عَلى عَدُوِّهِمْ، فَقَدَّمَ إلَيْهِمْ أنَّ ذَلِكَ بَعْدَ جِهادٍ شَدِيدٍ وهو ما وقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ.
ومَعْنى ﴿فَإنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ عَلى هَذا المَحْمِلِ هو مَعْناهُ في المَحْمِلِ الأوَّلِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الجِهادَ يُدافِعُ صَدَّ المُشْرِكِينَ إيّاهم عَنِ الإسْلامِ، فَكانَ الدَّوامُ عَلى الإسْلامِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وزِيادَةُ مَعْنًى آخَرَ وهو أنَّ ذَلِكَ الجِهادَ وإنْ كانَ في ظاهِرِ الأمْرِ دِفاعًا عَنْ دِينِ اللَّهِ فَهو أيْضًا بِهِ نَصْرُهم وسَلامَةُ حَياةِ الأحْياءِ مِنهم وأهْلِهِمْ وأبْنائِهِمْ وأساسُ سُلْطانِهِمْ في الأرْضِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم (p-٢١١)وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهم ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا﴾ [النور: ٥٥] . وقالَ عَلْقَمَةُ بْنُ شَيْبانَ التَّمِيمِيُّ:
؎ونُقاتِلُ الأعْداءَ عَنْ أبْنَـائِنَـا وعَلى بَصائِرِنا وإنْ لَمْ نُبْصِرْ
والأوْفَقُ بِبَلاغَةِ القُرْآنِ أنْ يَكُونَ المَحْمِلانِ مُرادَيْنِ كَما قَدَّمْنا في المُقَدِّمَةِ التّاسِعَةِ مِن مُقَدِّماتِ هَذا التَّفْسِيرِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن ”إنَّما“ هو قَصْرُ الجِهادِ عَلى الكَوْنِ لِنَفْسِ المُجاهِدِ، أيِ الصّالِحِ نَفْسِهِ؛ إذِ العِلَّةُ لا تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ بَلْ بِأحْوالِها، أيْ جِهادٍ لِفائِدَةِ نَفْسِهِ لا لِنَفْعٍ يَنْجَرُّ إلى اللَّهِ تَعالى، فالقَصْرُ الحاصِلُ بِأداةٍ إنَّما قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ لِلتَّنْبِيهِ إلى ما يَغْفُلُونَ عَنْهُ - حِينَ يُجاهِدُونَ الجِهادَ بِمَعْنَيَيْهِ - مِنَ الفَوائِدِ المُنْجَرَّةِ إلى أنْفُسِ المُجاهِدِينَ؛ ولِذَلِكَ عُقِّبَ الرَّدُّ المُسْتَفادُ مِنَ القَصْرِ بِتَعْلِيلِهِ بِأنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ، فَلا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الجِهادِ لِلَّهِ تَعالى، ولَكِنَّ نَفْعَهُ لِلْأُمَّةِ.
فَمَوْقِعُ حَرْفِ التَّأْكِيدِ هُنا هو مَوْقِعُ فاءِ التَّفْرِيعِ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ صاحِبُ ”دَلائِلِ الإعْجازِ“ وتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
{"ayah":"وَمَن جَـٰهَدَ فَإِنَّمَا یُجَـٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق