الباحث القرآني
﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ فَإيّايَ فاعْبُدُونِ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ وقَعَ اعْتِراضًا بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ المُتَعاطِفَتَيْنِ: جُمْلَةِ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِالباطِلِ وكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٢] وجُمْلَةِ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهم مِنَ الجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨] الآيَةَ. وهَذا أمْرٌ بِالهِجْرَةِ مِن دارِ الكُفْرِ. ومُناسَبَتُهُ لِما قَبْلَهُ أنَّ اللَّهَ لَمّا ذَكَرَ عِنادَ المُشْرِكِينَ في تَصْدِيقِ القُرْآنِ وذِكْرِ إيمانِ أهْلِ الكِتابِ بِهِ آذَنَ المُؤْمِنِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ أنْ يَخْرُجُوا مِن دارِ المُكَذِّبِينَ إلى دارِ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِالقُرْآنِ وهم أهْلُ المَدِينَةِ، فَإنَّهم يَوْمَئِذٍ ما بَيْنَ مُسْلِمِينَ وبَيْنَ يَهُودٍ، فَيَكُونُ المُؤْمِنُونَ في جِوارِهِمْ آمَنِينَ مِنَ الفِتَنِ يَعْبُدُونَ رَبَّهم غَيْرَ مَفْتُونِينَ. وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِن أهْلِ مَكَّةَ مُسْتَضْعَفِينَ قَدْ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ ولَمْ يَسْتَطِيعُوا إظْهارَ إيمانِهِمْ خَوْفًا مِنَ المُشْرِكِينَ مِثْلَ الحارِثِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الأسْوَدِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: ١٠] في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، وكانَ لَهُمُ العُذْرُ حِينَ كانُوا لا يَجِدُونَ مَلْجَأً سالِمًا مِن أهْلِ الشِّرْكِ، وكانَ فَرِيقٌ مِنَ المُسْلِمِينَ اسْتَطاعُوا الهِجْرَةَ إلى الحَبَشَةِ مِن قَبْلُ، فَلَمّا أسَلَمَ أهْلُ المَدِينَةِ زالَ عُذْرُ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ؛ إذْ أصْبَحَ في اسْتِطاعَتِهِمْ أنْ يُهاجِرُوا إلى المَدِينَةِ؛ فَلِذَلِكَ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ فَإيّايَ فاعْبُدُونِ﴾ .
فَقَوْلُهُ: ﴿إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ﴾ كَلامٌ مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا مُرَكَّبًا في التَّذْكِيرِ بِأنَّ في الأرْضِ بِلادًا يَسْتَطِيعُ المُسْلِمُ أنْ يَقْطُنَها آمِنًا، فَهو كَقَوْلِ إياسِ بْنِ قَبِيصَةَ الطّائِيِّ:
؎ألَمْ تَرَ أنَّ الأرْضَ رَحْبٌ فَسِـيحَةٌ فَهَلْ تُعْجِزَنِّي بُقْعَةٌ مِن بِقاعِها
ألا تَراهُ كَيْفَ فَرَّعَ عَلى كَوْنِها رَحْبًا قَوْلَهُ: فَهَلْ تُعْجِزَنِّي بُقْعَةٌ، وكَذَلِكَ في الآيَةِ فَرَّعَ عَلى كَوْنِها واسِعَةً الأمْرَ بِعِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ لِلْخُرُوجِ مِمّا كانَ يُفْتَنُ بِهِ المُسْتَضْعَفُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، إذْ يُكْرَهُونَ عَلى عِبادَةِ الأصْنامِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلّا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ﴾ [النحل: ١٠٦] .
(p-٢٢)فالمَعْنى: أنَّ أرْضِي الَّتِي تَأْمَنُونَ فِيها مِن أهْلِ الشِّرْكِ واسِعَةٌ، وهي المَدِينَةُ والقُرى المُجاوِرَةُ لَها مِثْلَ خَيْبَرَ والنَّضِيرِ وقُرَيْظَةَ وقَيْنُقاعَ، وما صارَتْ كُلُّها مَأْمَنًا إلّا بَعْدَ أنْ أسْلَمَ أهْلُ المَدِينَةِ؛ لِأنَّ تِلْكَ القُرى أحْلافٌ لِأهْلِ المَدِينَةِ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ.
وأشْعَرَ قَوْلُهُ: ﴿فَإيّايَ فاعْبُدُونِ﴾ أنَّ عِلَّةَ الأمْرِ لَهم بِالهِجْرَةِ هي تَمْكِينُهم مِن إظْهارِ التَّوْحِيدِ وإقامَةِ الدِّينِ. وهَذا هو المِعْيارُ في وُجُوبِ الهِجْرَةِ مِنَ البَلَدِ الَّذِي يُفْتَنُ فِيهِ المُسْلِمُ في دِينِهِ وتَجْرِي عَلَيْهِ فِيهِ أحْكامٌ غَيْرُ إسْلامِيَّةٍ.
والنِّداءُ بِعُنْوانِ التَّعْرِيفِ بِالإضافَةِ لِتَشْرِيفِ المُضافِ. ومُصْطَلَحُ القُرْآنِ أنَّ (عِبادَ) إذا أُضِيفَ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ فالمُرادُ بِهِمُ المُؤْمِنُونَ غالِبًا، إلّا إذا قامَتْ قَرِينَةٌ كَقَوْلِهِ: ﴿أأنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبادِي هَؤُلاءِ﴾ [الفرقان: ١٧]، وعَلَيْهِ فَلا وصْفَ بِـ الَّذِينَ آمَنُوا لِما في المَوْصُولِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى أنَّهم آمَنُوا بِاللَّهِ حَقًّا، ولَكِنَّهم فُتِنُوا إلى حَدِّ الإكْراهِ عَلى إظْهارِ الكُفْرِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ: فَإيّايَ فاءُ التَّفْرِيعِ، والفاءُ في قَوْلِهِ: فاعْبُدُونِ إمّا مُؤَكِّدَةٌ لِلْفاءِ الأُولى لِلدَّلالَةِ عَلى تَحْقِيقِ التَّفْرِيعِ في الفِعْلِ وفي مَعْمُولِهِ، أيْ فَلا تَعْبُدُوا غَيْرِي فاعْبُدُونِ؛ وإمّا مُؤْذِنَةٌ بِمَحْذُوفٍ هو ناصِبُ ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ تَأْكِيدًا لِلْعِبادَةِ، والتَّقْدِيرُ: وإيّايَ اعْبُدُوا فاعْبُدُونِ. وهو أنْسَبُ بِدَلالَةِ التَّقْدِيمِ عَلى الِاخْتِصاصِ؛ لِأنَّهُ لَمّا أفادَ الأمْرَ بِتَخْصِيصِهِ بِالعِبادَةِ كانَ ذِكْرُ الفاءِ عَلامَةَ تَقْدِيرٍ عَلى تَقْدِيرِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ قُصِدَ مِن تَقْدِيرِهِ التَّأْكِيدُ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإيّايَ فارْهَبُونِ﴾ [البقرة: ٤٠] في أوائِلِ سُورَةِ البَقَرَةِ.
وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ بَعْدَ نُونِ الوِقايَةِ تَخْفِيفًا، ولِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ، ونَظائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
{"ayah":"یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ أَرۡضِی وَ ٰسِعَةࣱ فَإِیَّـٰیَ فَٱعۡبُدُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











