الباحث القرآني
(p-١٠)﴿وما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذًا لارْتابَ المُبْطِلُونَ﴾
هَذا اسْتِدْلالٌ بِصِفَةِ الأُمِّيَّةِ المَعْرُوفِ بِها الرَّسُولُ ﷺ ودَلالَتُها عَلى أنَّهُ مُوحًى إلَيْهِ مِنَ اللَّهِ أعْظَمُ دَلالَةٍ، وقَدْ ورَدَ الِاسْتِدْلالُ بِها في القُرْآنِ في مَواضِعَ كَقَوْلِهِ: ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾ [الشورى: ٥٢] وقَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكم عُمُرًا مِن قَبْلِهِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٦] .
ومَعْنى ﴿ما كُنْتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ﴾ أنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَقْرَأُ كِتابًا حَتّى يَقُولَ أحَدٌ: هَذا القُرْآنُ الَّذِي جاءَ بِهِ هو مِمّا كانَ يَتْلُوهُ مِن قَبْلُ.
﴿ولا تَخُطُّهُ﴾ أيْ لا تَكْتُبُ كِتابًا ولَوْ كُنْتَ لا تَتْلُوهُ، فالمَقْصُودُ نَفْيُ حالَتَيِ التَّعَلُّمِ، وهَما التَّعَلُّمُ بِالقِراءَةِ والتَّعَلُّمُ بِالكِتابَةِ اسْتِقْصاءً في تَحْقِيقِ وصْفِ الأُمِّيَّةِ، فَإنَّ الَّذِي يَحْفَظُ كِتابًا ولا يَعْرِفُ يَكْتُبُ لا يُعَدُّ أُمِّيًّا كالعُلَماءِ العُمْيِ، والَّذِي يَسْتَطِيعُ أنْ يَكْتُبَ ما يُلْقى إلَيْهِ ولا يَحْفَظُ عِلْمًا لا يُعَدُّ أُمِّيًّا مِثْلَ النُّسّاخِ، فَبِانْتِفاءِ التِّلاوَةِ والخَطِّ تَحَقَّقَ وصْفُ الأُمِّيَّةِ.
و”إذَنْ“ جَوابٌ وجَزاءٌ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ بِـ ”لَوْ“؛ لِأنَّهُ مَفْرُوضٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وما كُنْتَ تَتْلُو﴾، ﴿ولا تَخُطُّهُ﴾، والتَّقْدِيرُ: لَوْ كُنْتَ تَتْلُو قَبْلَهُ كِتابًا أوْ تَخُطُّهُ لارْتابَ المُبْطِلُونَ. ومَجِيءُ جَوابِ ”إذَنْ“ مُقْتَرِنًا بِاللّامِ الَّتِي يَغْلِبُ اقْتِرانُ جَوابِ ”لَوْ“ بِها دَلِيلٌ عَلى أنَّ المُقَدَّرَ شَرْطٌ بِـ ”لَوْ“ كَما في قَوْلِ قُرَيْطٍ العَنْبَرِيِّ:
؎لَوْ كُنْتُ مِن مازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إبِلِي بَنُو اللَّقِيطَةِ مَن ذُهْلِ ابْنِ شَيْبانا
؎إذَنْ لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ∗∗∗ عِنْدَ الحَفِيظَةِ إنْ ذُو لُوثَةٍ لانَـا
قالَ المَرْزُوقِيُّ في ”شَرْحِ الحَماسَةِ“: ”وفائِدَةُ“ إذَنْ ”هو أنَّهُ أخْرَجَ البَيْتَ الثّانِيَ مَخْرَجَ جَوابِ قائِلٍ قالَ لَهُ: ولَوِ اسْتَباحُوا إبِلَكَ ماذا كانَ يَفْعَلُ بَنُو مازِنٍ ؟ فَقالَ:
؎إذَنْ لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ أيْضًا“ إذَنْ لَقامَ ”جَوابَ“ لَوْ ”، كَأنَّهُ أُجِيبَ بِجَوابَيْنِ. وهَذا كَما (p-١١)تَقُولُ: لَوْ كُنْتَ حُرًّا لاسْتَقْبَحْتَ ما يَفْعَلُهُ العَبِيدُ، إذَنْ لاسْتَحْسَنْتَ ما يَفْعَلُهُ الأحْرارُ“ اهــ. يَعْنِي يَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ”إذَنْ لَقامَ“ بَدَلًا مِن جُمْلَةِ ”لَمْ تَسْتَبِحْ“ .
وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن ولَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ﴾ [المؤمنون: ٩١] في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ. والِارْتِيابُ: حُصُولُ الرَّيْبِ في النَّفْسِ وهو الشَّكُّ.
ووَجْهُ التَّلازُمِ بَيْنَ التِّلاوَةِ والكِتابَةِ المُتَقَدِّمَيْنِ عَلى نُزُولِ القُرْآنِ وبَيْنَ حُصُولِ الشَّكِّ في نُفُوسِ المُشْرِكِينَ أنَّهُ لَوْ كانَ ذَلِكَ واقِعًا لاحْتَمَلَ عِنْدَهم أنْ يَكُونَ القُرْآنُ مِن جِنْسِ ما كانَ يَتْلُوهُ مِن قَبْلُ مِن كُتُبٍ سالِفَةٍ، وأنْ يَكُونَ مِمّا خَطَّهُ مِن قَبْلُ مِن كَلامٍ تَلَقّاهُ فَقامَ اليَوْمَ بِنَشْرِهِ ويَدْعُو بِهِ.
وإنَّما جَعَلَ ذَلِكَ مُوجِبَ رَيْبٍ دُونَ أنْ يَكُونَ مُوجِبَ جَزْمٍ بِالتَّكْذِيبِ؛ لِأنَّ نَظْمَ القُرْآنِ وبَلاغَتَهُ وما احْتَوى عَلَيْهِ مِنَ المَعانِي يُبْطِلُ أنْ يَكُونَ مِن نَوْعِ ما سَبَقَ مِنَ الكُتُبِ والقَصَصِ والخُطَبِ والشِّعْرِ، ولَكِنَّ ذَلِكَ لَمّا كانَ مُسْتَدْعِيًا تَأمُّلًا لَمْ يَمْنَعْ مِن خُطُورِ خاطِرِ الِارْتِيابِ عَلى الإجْمالِ قَبْلَ إتْمامِ النَّظَرِ والتَّأمُّلِ بِحَيْثُ يَكُونُ دَوامُ الِارْتِيابِ بُهْتانًا ومُكابَرَةً.
وتَقْيِيدُ ﴿تَخُطُّهُ﴾ بِقَيْدِ بِيَمِينِكَ لِلتَّأْكِيدِ؛ لِأنَّ الخَطَّ لا يَكُونُ إلّا بِاليَمِينِ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨] .
ووَصْفُ المُكَذِّبِينَ بِالمُبْطِلِينَ مَنظُورٌ فِيهِ لِحالِهِمْ في الواقِعِ؛ لِأنَّهم كَذَّبُوا مَعَ انْتِفاءِ شُبْهَةِ الكَذِبِ، فَكانَ تَكْذِيبُهُمُ الآنَ باطِلًا، فَهم مُبْطِلُونَ مُتَوَغِّلُونَ في الباطِلِ؛ فالقَوْلُ في وصْفِهِمْ بِالمُبْطِلِينَ كالقَوْلِ في وصْفِهِمْ بِالكافِرِينَ.
{"ayah":"وَمَا كُنتَ تَتۡلُوا۟ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَـٰبࣲ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِیَمِینِكَۖ إِذࣰا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











