الباحث القرآني
(p-٢٤٢)﴿ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بِالبُشْرى قالُوا إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ ﴿قالَ إنَّ فِيها لُوطًا قالُوا نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وأهْلَهُ إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾
لَمّا أداةٌ تَدُلُّ عَلى التَّوْقِيتِ، والأصْلُ أنَّها ظَرْفٌ مُلازِمٌ الإضافَةَ إلى جُمْلَةٍ. ومَدْلُولُها وُجُودٌ لِوُجُودٍ، أيْ وُجُودُ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ الَّتِي تُضافُ إلَيْها عِنْدَ وُجُودِ الجُمْلَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِها، فَهي تَسْتَلْزِمُ جُمْلَتَيْنِ: أُولاهُما فِعْلِيَّةٌ ماضَوِيَّةٌ وتُضافُ إلَيْها ”لَمّا“، والثّانِيَةُ فِعْلِيَّةٌ أوِ اسْمِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلى ما يَصْلُحُ لِأنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الظَّرْفُ مِن فِعْلٍ أوِ اسْمٍ مُشْتَقٍّ، ويُطْلَقُ عَلى الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ الواقِعَةِ بَعْدَ ”لَمّا“ اسْمُ الجَزاءِ تَسامُحًا.
ولَمّا كانَتْ ”لَمّا“ ظَرْفًا مُبْهَمًا تَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ الَّتِي تُضافُ إلَيْها ”لَمّا“ مَعْلُومًا لِلسّامِعِ، إذِ التَّوْقِيتُ الإعْلامُ بِمُقارَنَةِ زَمَنٍ مَجْهُولٍ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ. فَوُجُودُ ”لَمّا“ هُنا يَقْتَضِي أنَّ مَجِيءَ المَلائِكَةِ بِالبُشْرى أمْرٌ مَعْلُومٌ لِلسّامِعِ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرٌ لِلْبُشْرى، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ في البُشْرى تَعْرِيفُ العَهْدِ لِاقْتِضاءِ ”لَمّا“ أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً، فالبُشْرى هي ما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى آنِفًا: ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ.
والبُشْرى: اسْمٌ لِلْبِشارَةِ وهي الإخْبارُ بِما فِيهِ مَسَرَّةٌ لِلْمُخْبَرِ - بِفَتْحِ الباءِ - وتَقَدَّمَ ذِكْرُ البِشارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا أرْسَلْناكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ومِن لُطْفِ اللَّهِ بِإبْراهِيمَ أنْ قَدَّمَ لَهُ البُشْرى قَبْلَ إعْلامِهِ بِإهْلاكِ قَوْمِ لُوطٍ؛ لِعِلْمِهِ تَعالى بِحِلْمِ إبْراهِيمَ. والمَعْنى: قالُوا لِإبْراهِيمَ إنّا مُهْلِكُو أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ. . إلَخْ.
والقَرْيَةُ هي ”سَدُومُ“ قَرْيَةُ قَوْمِ لُوطٍ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُها في سُورَةِ الأعْرافِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْإهْلاكِ، وقُصِدَ بِهِ اسْتِئْناسُ إبْراهِيمَ لِقَبُولِ هَذا الخَبَرِ المُحْزِنِ، وأيْضًا لِأنَّ العَدْلَ يَقْتَضِي أنْ لا يَكُونَ العِقابُ إلّا عَلى ذَنْبٍ يَقْتَضِيهِ.
(p-٢٤٣)والظُّلْمُ: ظُلْمُهم أنْفُسَهم بِالكُفْرِ والفَواحِشِ، وظُلْمُهُمُ النّاسَ بِالغَصْبِ عَلى الفَواحِشِ والتَّدَرُّبِ بِها.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ فِيها لُوطًا﴾ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّذْكِيرِ بِسُنَّةِ اللَّهِ مَعَ رُسُلِهِ مِنَ الإنْجاءِ مِنَ العَذابِ الَّذِي يَحِلُّ بِأقْوامِهِمْ. فَهو مِنَ التَّعْرِيضِ لِلْمَلائِكَةِ بِتَخْصِيصِ لُوطٍ مِمَّنْ شَمِلَتْهُمُ القَرْيَةُ في حُكْمِ الإهْلاكِ، ولُوطٌ وإنْ لَمْ يَكُنْ مِن أهْلِ القَرْيَةِ بِالأصالَةِ إلّا أنَّ كَوْنَهُ بَيْنَهم يَقْتَضِي الخَشْيَةَ عَلَيْهِ مِن أنْ يَشْمَلَهُ الإهْلاكُ؛ ولِهَذا قالَ: ﴿إنَّ فِيها لُوطًا﴾ بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ ولَمْ يَقِلْ: إنَّ مِنها.
وجَوابُ المَلائِكَةِ إبْراهِيمَ بِأنَّهم أعْلَمُ بِمَن فِيها يُرِيدُونَ أنَّهم أعْلَمُ مِنهُ بِأحْوالِ مَن في القَرْيَةِ، فَهو جَوابٌ عَمّا اقْتَضاهُ تَعْرِيضُهُ بِالتَّذْكِيرِ بِإنْجاءِ لُوطٍ، أيْ نَحْنُ أعْلَمُ مِنكَ بِاسْتِحْقاقِ لُوطٍ النَّجاةَ عِنْدَ اللَّهِ واسْتِحْقاقِ غَيْرِهِ العَذابَ، فَإنَّ المَلائِكَةَ لا يَسْبِقُونَ اللَّهَ بِالقَوْلِ وهم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ، وكانَ جَوابُهم مُطَمْئِنًا إبْراهِيمَ. فالمُرادُ مِن عِلْمِهِمْ بِمَن في القَرْيَةِ عِلْمُهم بِاخْتِلافِ أحْوالِ أهْلِها المُرَتَّبِ عَلَيْها اسْتِحْقاقُ العَذابِ أوِ الكَرامَةِ بِالنَّجاةِ.
وإنَّما كانَ المَلائِكَةُ أعْلَمَ مِن إبْراهِيمَ بِذَلِكَ؛ لِأنَّ عِلْمَهم سابِقٌ عَلى عِلْمِهِ؛ ولِأنَّهُ عِلْمُ يَقِينٍ مُلْقًى مِن وحْيِ اللَّهِ فِيما سَخَّرَ لَهُ أُولَئِكَ المَلائِكَةَ، إذْ كانَ إبْراهِيمُ لَمْ يُوحِ اللَّهُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ في ذَلِكَ؛ ولِأنَّهُ عِلْمٌ تَفْصِيلِيٌّ لا إجْمالِيٌّ وعُمُومِيٌّ لا خُصُوصِيٌّ، فَلِأجْلِ هَذا الأخِيرِ أجابُوا بِـ ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها﴾ . ولَمْ يَقُولُوا: نَحْنُ أعْلَمُ بِلُوطٍ، وكَوْنُهم أعْلَمَ مِن إبْراهِيمَ في هَذا الشَّأْنِ لا يَقْتَضِي أنَّهم أعْلَمُ مِن إبْراهِيمَ في غَيْرِهِ، فَإنَّ لِإبْراهِيمَ عِلْمَ النُّبُوءَةِ والشَّرِيعَةِ وسِياسَةِ الأُمَّةِ، والمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ولا يَشْتَغِلُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلّا مَتى سَخَّرَهُمُ اللَّهُ لِعَمَلٍ. وبِالأوْلى لا يَقْتَضِي كَوْنُهم أعْلَمُ بِهَذا مِنهُ أنْ يَكُونُوا أفْضَلَ مِن إبْراهِيمَ، فَإنَّ قَوْلَ أهْلِ الحَقِّ: إنَّ الرُّسُلَ أفْضَلُ مِنَ المَلائِكَةِ، والمَزِيَّةُ لا تَقْتَضِي الأفْضَلِيَّةَ، ولِكُلِّ فَرِيقٍ عِلْمٌ أطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وخَصَّهُ بِهِ كَما خَصَّ الخَضِرَ بِما لَمْ يَعْلَمْهُ مُوسى، وخَصَّ مُوسى بِما لا يَعْلَمُهُ الخَضِرُ؛ ولِذَلِكَ عَتَبَ اللَّهُ عَلى مُوسى لَمّا سُئِلَ: هَلْ يُوجَدُ أعْلَمُ مِنكَ ؟ فَقالَ: لا؛ لِأنَّهُ كانَ حَقُّ الجَوابِ أنْ يُفَكِّكَ في أنْواعِ العِلْمِ.
(p-٢٤٤)وجُمْلَةُ ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ وأهْلَهُ إلّا امْرَأتَهُ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِمَن فِيها﴾؛ فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفُ عَلَيْها وفُصِّلَتْ، فَقَدْ عَلِمُوا بِإذْنِ اللَّهِ أنْ لا يَنْجُوَ إلّا لُوطٌ وأهْلُهُ، أيْ بِنْتاهُ لا غَيْرَ، ويَهْلِكُ الباقُونَ حَتّى امْرَأةُ لُوطٍ.
وفِعْلُ كانَتْ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنى تَكُونُ، فَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الماضِي تَشْبِيهًا لِلْفِعْلِ المُحَقَّقِ وُقُوعِهِ بِالفِعْلِ الَّذِي مَضى مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١]، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادًا بِهِ الكَوْنُ في عِلْمِ اللَّهِ وتَقْدِيرِهِ، كَما في آيَةِ الحِجْرِ ﴿قَدَّرْناها مِنَ الغابِرِينَ﴾ [النمل: ٥٧] فَتَكُونُ صِيغَةُ الماضِي حَقِيقَةً.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظِيرِ قَوْلِهِ: ﴿إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ في سُورَةِ النَّمْلِ.
{"ayahs_start":31,"ayahs":["وَلَمَّا جَاۤءَتۡ رُسُلُنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوۤا۟ إِنَّا مُهۡلِكُوۤا۟ أَهۡلِ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُوا۟ ظَـٰلِمِینَ","قَالَ إِنَّ فِیهَا لُوطࣰاۚ قَالُوا۟ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِیهَاۖ لَنُنَجِّیَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ"],"ayah":"قَالَ إِنَّ فِیهَا لُوطࣰاۚ قَالُوا۟ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِیهَاۖ لَنُنَجِّیَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق