الباحث القرآني
﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ولْنَحْمِلْ خَطاياكم وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾
هَذا غَرَضٌ آخَرُ مِن أغْراضِ مُخالَطَةِ المُشْرِكِينَ مَعَ المُؤْمِنِينَ، وهو مُحاوَلَةُ المُشْرِكِينَ ارْتِدادَ المُسْلِمِينَ بِمُحاوَلاتِ فِتْنَةٍ بِالشَّكِّ والمُغالَطَةِ لِلَّذِينَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلى فِتْنَتِهِمْ بِالأذى والعَذابِ، إمّا لِعِزَّتِهِمْ وخَشْيَةِ بَأْسِهِمْ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، فَقَدْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ المَقالَةَ قِيلَتْ لَهُ، وإمّا لِكَثْرَتِهِمْ حِينَ كَثُرَ المُسْلِمُونَ وأعْيَتِ المُشْرِكِينَ حِيَلُ الصَّدِّ عَنِ الإسْلامِ.
والمُرادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا طائِفَةٌ مِنهم وهم أبُو جَهْلٍ، والوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، وأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وأبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ - قَبْلَ أنْ يُسْلِمَ - قالُوا لِلْمُسْلِمِينَ ومِنهم عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: لا نُبْعَثُ نَحْنُ ولا أنْتُمْ، فَإنْ عَسى كانَ ذَلِكَ فَإنّا نَحْمِلُ عَنْكم آثامَكم. وإنَّما قالُوا ذَلِكَ جَهْلًا وغُرُورًا حاوَلُوا بِهِما أنْ يَحِجُّوا المُسْلِمِينَ في إيمانِهِمْ بِالبَعْثِ تَوَهُّمًا مِنهم بِأنَّهم إنْ كانَ البَعْثُ واقِعًا فَسَيَكُونُونَ في الحَياةِ الآخِرَةِ كَما كانُوا في الدُّنْيا أهْلَ ذِمامٍ وحَمالَةٍ ونَقْضٍ وإبْرامٍ شَأْنَ سادَةِ العَرَبِ أنَّهم إذا شَفَعُوا شُفِّعُوا، وإنْ تَحَمَّلُوا حُمِّلُوا.
وهَذا كَقَوْلِ العاصِي بْنِ وائِلٍ لِخَبّابِ بْنِ الأرَتِّ: لَئِنْ بَعَثَنِي اللَّهُ لِيَكُونَنَّ لِي مالٌ فَأقْضِيَكَ دَيْنَكَ، وهو الَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا ووَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] . وكُلُّ هَذا مِنَ الجِدالِ بِالباطِلِ، وهو طَرِيقَةٌ جَدَلِيَّةٌ، إنْ بُنِيَتْ عَلى الحَقِّ، كَما يُنْسَبُ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في ضِدِّ هَذا:
؎زَعَمَ المُنَجِّمُ والطَّبِيبُ كِلاهُمَـا لا تُحْشَرُ الأجْسادُ قُلْتُ إلَيْكُما
؎إنْ صَحَّ قَوْلُكُما فَلَسْتُ بِخاسِرٍ ∗∗∗ أوْ صَحَّ قَوْلِي فالخَسارُ عَلَيْكُما
وحَكى اللَّهُ عَنْهم قَوْلَهم ﴿ولْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ بِصِيغَةِ الأمْرِ بِلامِ الأمْرِ؛ إمّا لِأنَّهم نَطَقُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ لِبَلاغَتِهِمْ، وإمّا لِإفادَةِ ما تَضَمَّنَتْهُ مَقالَتُهم مِن تَأْكِيدِ تَحَمُّلِهِمْ (p-٢٢٠)بِذَلِكَ. فَصِيغَةُ أمْرِهِمْ أنْفُسَهم بِالحَمْلِ آكَدُ مِنَ الخَبَرِ عَنْ أنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ، ومِنَ الشَّرْطِ وما في مَعْناهُ؛ لِأنَّ الأمْرَ يَسْتَدْعِي الِامْتِثالَ، فَكانَتْ صِيغَةُ الأمْرِ دالَّةً عَلى تَحْقِيقِ الوَفاءِ بِالحَمالَةِ.
وواوُ العَطْفِ لِجُمْلَةِ ولْنَحْمِلْ عَلى جُمْلَةِ ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنا﴾ مُرادٌ مِنها المَعِيَّةُ بَيْنَ مَضْمُونِ الجُمْلَتَيْنِ في الأمْرِ، ولَيْسَ المُرادُ مِنهُ الجَمْعَ في الحُصُولِ، فالجُمْلَتانِ في قُوَّةِ جُمْلَتَيْ شَرْطٍ وجَزاءٍ، والتَّعْوِيلُ عَلى القَرِينَةِ.
فَكانَ هَذا القَوْلُ أدَلُّ عَلى تَأْكِيدِ الِالتِزامِ بِالحالَةِ إنِ اتَّبَعَ المُسْلِمُونَ سَبِيلَ المُشْرِكِينَ، مِن أنْ يُقالَ: إنْ تَتَّبِعُوا سَبِيلَنا نَحْمِلْ خَطاياكم، بِصِيغَةِ الشَّرْطِ، أوْ أنْ يُقالَ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا فَنَحْمِلُ خَطاياكم، بِفاءِ السَّبَبِيَّةِ.
والحَمْلُ: مَجازٌ تَمْثِيلِيٌّ لِحالِ المُلْتَزِمِ بِمَشَقَّةِ غَيْرِهِ بِحالِ مَن يَحْمِلُ مَتاعَ غَيْرِهِ، فَيَئُولُ إلى مَعْنى الحَمالَةِ والضَّمانِ.
ودَلَّ قَوْلُهُ: خَطاياكم عَلى العُمُومِ؛ لِأنَّهُ جَمْعٌ مُضافٌ، وهو مِن صِيَغِ العُمُومِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ﴾ إبْطالٌ لِقَوْلِهِمْ: ﴿ولْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾، نَقْضُ العُمُومِ في الإثْباتِ بِعُمُومٍ في النَّفْيِ؛ لِأنَّ شَيْءٍ في سِياقِ النَّفْيِ يُفِيدُ العُمُومَ؛ لِأنَّهُ نَكِرَةٌ، وزِيادَةُ حَرْفُ ”مِن“ تَنْصِيصٌ عَلى العُمُومِ.
والحَمْلُ المَنفِيُّ هو ما كانَ المَقْصُودُ مِنهُ دَفْعَ التَّبِعَةِ عَنِ الغَيْرِ وتَبْرِئَتَهُ مِن جِناياتِهِ، فَلا يُنافِيهِ إثْباتُ حَمْلٍ آخَرَ عَلَيْهِمْ هو حَمْلُ المُؤاخَذَةِ عَلى التَّضْلِيلِ في قَوْلِهِ: ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] .
والكَذِبُ المُخْبَرُ بِهِ عَنْهم هو الكَذِبُ فِيما اقْتَضاهُ أمْرُهم أنْفُسَهم بِأنْ يَحْمِلُوا عَنِ المُسْلِمِينَ خَطاياهم حَسَبَ زَعْمِهِمْ، والوَفاءِ بِذَلِكَ كَما كانُوا في الدُّنْيا، فَهو كَذِبٌ لا شَكَّ فِيهِ؛ لِأنَّهُ مُخالِفٌ لِلْواقِعِ ولِاعْتِقادِهِمْ.
ولِذَلِكَ فَجُمْلَةُ ﴿إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ؛﴾ لِأنَّ جُمْلَةَ ﴿وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ﴾ تَضَمَّنَتْ عُرُوَّ قَوْلِهِمْ: ﴿ولْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ عَنْ مُطابَقَتِهِ لِلْواقِعِ في شَيْءٍ، وذَلِكَ (p-٢٢١)يَشْتَمِلُ عَلى أنَّ مَضْمُونَها كَذِبٌ صَرِيحٌ، فَكانَ مَضْمُونُ جُمْلَةِ ﴿إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ مِمّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَضْمُونُ جُمْلَةِ ﴿وما هم بِحامِلِينَ﴾ . ولَيْسَ مَضْمُونُ الثّانِيَةِ عَيْنَ مَضْمُونِ الأُولى، بَلِ الثّانِيةُ أوْفى بِالدَّلالَةِ عَلى أنَّ كَذِبَهم مُحَقَّقٌ وأنَّهُ صِفَةٌ لَهم في خَبَرِهم هَذا في غَيْرِهِ، ووِزانُ هَذِهِ الجُمْلَةِ وِزانُ بَيْتِ عِلْمِ المَعانِي:
؎أقُولُ لَهُ ارْحَلْ لا تُقِيمَنَّ عِنْدَنا
إذْ جَعَلَ الأيِمَّةُ جُمْلَةَ ”لا تُقِيمَنَّ عِنْدَنا“ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ”ارْحَلْ“؛ لِأنَّ جُمْلَةَ ”لا تُقِيمَنَّ“ أوْفى بِالدَّلالَةِ عَلى كَراهِيَتِهِ وطَلَبِ ارْتِحالِهِ؛ ولِهَذا لَمْ تُعْطَفْ جُمْلَةُ ﴿إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ لِكَمالِ الِاتِّصالِ بَيْنَها وبَيْنَ ﴿وما هم بِحامِلِينَ مِن خَطاياهم مِن شَيْءٍ﴾ .
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبِعُوا۟ سَبِیلَنَا وَلۡنَحۡمِلۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِینَ مِنۡ خَطَـٰیَـٰهُم مِّن شَیۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق