الباحث القرآني
(p-١٨٩)﴿تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ ولا فَسادًا والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
انْتَهَتْ قِصَّةُ قارُونَ بِما فِيها مِنَ العِبَرِ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، فَأُعْقِبَتْ بِاسْتِئْنافِ كَلامٍ عَنِ الجَزاءِ عَلى الخَيْرِ وضِدِّهِ في الحَياةِ الأبَدِيَّةِ وأنَّها مُعَدَّةٌ لِلَّذِينَ حالُهم بِضِدِّ حالِ قارُونَ، مَعَ مُناسَبَةِ ذِكْرِ الجَنَّةِ بِعُنْوانِ الدّارِ لِذِكْرِ الخَسْفِ بِدارِ قارُونَ لِلْمُقابَلَةِ بَيْنَ دارٍ زائِلَةٍ ودارٍ خالِدَةٍ.
وابْتُدِئَ الكَلامُ بِابْتِداءٍ مُشَوِّقٍ وهو اسْمُ الإشارَةِ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ مِن قَبْلُ؛ لِيَسْتَشْرِفَ السّامِعُ إلى مَعْرِفَةِ المُشارِ إلَيْهِ فَيَعْقُبَهُ بَيانُهُ بِالِاسْمِ المُعَرَّفِ بِاللّامِ الواقِعِ بَيانًا أوْ بَدَلًا مِنِ اسْمِ الإشارَةِ كَما في قَوْلِ عَبِيدِ بْنِ الأبْرَصِ:
؎تِلْكَ عِرْسِي غَضْبى تُرِيدُ زِيالِي ألِبَيْنٍ تُرِيدُ أمْ لِدَلالِ
الأبْياتِ.
وجُمْلَةُ ﴿نَجْعَلُها﴾ هو خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وكافُ الخِطابِ الَّذِي في اسْمِ الإشارَةِ غَيْرُ مُرادٍ بِهِ مُخاطَبٌ مُعَيَّنٌ - مُوَجَّهٌ إلى كُلِّ سامِعٍ مِن قُرّاءِ القُرْآنِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلنَّبِيءِ ﷺ والمَقْصُودُ تَبْلِيغُهُ إلى الأُمَّةِ شَأْنَ جَمِيعِ آيِ القُرْآنِ.
والدّارُ: مَحَلُّ السُّكْنى، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهم دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢٧] في الأنْعامِ. وأمّا إطْلاقُ الدّارِ عَلى جَهَنَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأحَلُّوا قَوْمَهم دارَ البَوارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨] فَهو تَهَكُّمٌ كَقَوْلِ أبِي الغُولِ الطُّهَوِيِّ:
؎ولا يَرْعَوْنَ أكْنافَ الهُوَيْنَـا ∗∗∗ إذا نَزَلُوا ولا رَوْضَ الهُدُونِ
فاسْتِعْمالُ الرَّوْضِ لِلْهُدُونِ تَهَكُّمٌ؛ لِأنَّ المَقامَ مَقامُ تَعْرِيضٍ.
والآخِرَةُ: مُرادٌ بِهِ الدّائِمَةُ، أيِ الَّتِي لا دارَ بَعْدَها، فاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ في صَرِيحِ مَعْناهُ وكِنايَتِهِ.
ومَعْنى جَعْلِها لَهم: أنَّها مُحْضَرَةٌ لِأجْلِهِمْ لَيْسَ لَهم غَيْرُها. وأمّا مَن عَداهم فَلَهم أحْوالٌ ذاتُ مَراتِبَ أفْصَحَتْ عَنْها آياتٌ أُخْرى وأخْبارٌ نَبَوِيَّةٌ، فَإنَّ أحْكامَ الدِّينِ لا يُقْتَصَرُ في اسْتِنْباطِها عَلى لَوْكِ كَلِمَةٍ واحِدَةٍ.
(p-١٩٠)وعَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ أنَّهُ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قالَ: ذَهَبَتِ الأمانِيُّ هاهُنا، أيْ أمانِيُّ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهُ لا يَضُرُّ مَعَ الإيمانِ شَيْءٌ، وأنَّ المُؤْمِنِينَ كُلَّهم ناجُونَ مِنَ العِقابِ، وهَذا قَوْلُ المُرْجِئَةِ، قالَ قائِلُهم:
؎كُنْ مُسْلِمًا ومِنَ الذُّنُوبِ فَلا تَخَفْ ∗∗∗ حاشا المُهَيْمِنَ أنْ يُرِي تَنْكِـيدا
؎لَوْ شاءَ أنْ يُصْلِيَكَ نارَ جَهَنَّمٍ ∗∗∗ ما كانَ ألْهَمَ قَلْبَكَ الـتَّوْحِـيدا
ومَعْنى لا يُرِيدُونَ كِنايَةٌ عَنْ: لا يَفْعَلُونَ؛ لِأنَّ مَن لا يُرِيدُ الفِعْلَ لا يَفْعَلُهُ إلّا مُكْرَهًا. وهَذا مِن بابِ ﴿ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ﴾ [القصص: ٥] كَما تَقَدَّمَ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
والعُلُوُّ: التَّكَبُّرُ عَنِ الحَقِّ وعَلى الخَلْقِ، والطُّغْيانُ في الأعْمالِ، والفَسادُ: ضِدُّ الصَّلاحِ، وهو كُلُّ فِعْلٍ مَذْمُومٍ في الشَّرِيعَةِ أوْ لَدى أهْلِ العُقُولِ الرّاجِحَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ تَذْيِيلٌ وهو مَعْطُوفٌ عَلى جُمْلَةِ ”تِلْكَ الدّارُ“، وبِهِ صارَتْ جُمْلَةُ ﴿تِلْكَ الدّارُ﴾ كُلُّها تَذْيِيلًا؛ لِما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِن إثْباتِ الحُكَمِ لِلْعامِّ بِالمَوْصُولِ مِن قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأرْضِ﴾ والمُعَرَّفِ بِلامِ الِاسْتِغْراقِ.
والعاقِبَةُ: وصْفٌ عُومِلَ مُعامَلَةَ الأسْماءِ؛ لِكَثْرَةِ الوَصْفِ بِهِ وهي الحالَةُ الآخِرَةُ بَعْدَ حالَةٍ سابِقَةٍ، وغَلَبَ إطْلاقُها عَلى عاقِبَةِ الخَيْرِ. وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: ١١] في أوَّلِ الأنْعامِ.
{"ayah":"تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق