الباحث القرآني
﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا إنَّ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ﴾ الِالتِقاطُ افْتِعالٌ مِنَ اللَّقْطِ، وهو تَناوُلُ الشَّيْءِ المُلْقى في الأرْضِ ونَحْوِها بِقَصْدٍ أوْ ذُهُولٍ. أسْنَدَ الِالتِقاطَ إلى آلِ فِرْعَوْنَ؛ لِأنَّ اسْتِخْراجَ تابُوتِ مُوسى مِنَ النَّهْرِ كانَ مِن إحْدى النِّساءِ الحافّاتِ بِابْنَةِ فِرْعَوْنَ حِينَ كانَتْ مَعَ أتْرابِها وداياتِها عَلى ساحِلِ النِّيلِ كَما جاءَ في الإصْحاحِ الثّانِي مِن سِفْرِ الخُرُوجِ.
واللّامُ في ﴿لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا﴾ لامُ التَّعْلِيلِ وهي المَعْرُوفَةُ عِنْدَ النُّحاةِ بِلامِ كَيْ وهي لامٌ جارَّةٌ مِثْلُ ”كَيْ“، وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ”التَقَطَهُ“ . وحَقُّ لامِ كَيْ أنْ تَكُونَ جارَّةً لِمَصْدَرٍ مُنْسَبِكٍ مِن (أنِ) المَقَدَّرَةِ بَعْدَ اللّامِ ومِنَ الفِعْلِ المَنصُوبِ بِها فَذَلِكَ المَصْدَرُ هو العِلَّةُ الباعِثَةُ عَلى صُدُورِ ذَلِكَ الفِعْلِ مِن فاعِلِهِ. وقَدِ اسْتُعْمِلَتْ في (p-٧٦)الآيَةِ اسْتِعْمالًا وارِدًا عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ دُونَ الحَقِيقَةِ لِظُهُورِ أنَّهم لَمْ يَكُنْ داعِيهِمْ إلى التِقاطِهِ أنْ يَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا ولَكِنَّهُمُ التَقَطُوهُ رَأْفَةً بِهِ وحُبًّا لَهُ لِما أُلْقِيَ في نُفُوسِهِمْ مِن شَفَقَةٍ عَلَيْهِ، ولَكِنْ لَمّا كانَتْ عاقِبَةُ التِقاطِهِمْ إيّاهُ أنْ كانَ لَهم عَدُوًّا في اللَّهِ ومُوجِبَ حَزَنٍ لَهم، شُبِّهَتِ العاقِبَةُ بِالعِلَّةِ في كَوْنِها نَتِيجَةً لِلْفِعْلِ كَشَأْنِ العِلَّةِ تَبَعًا لِاسْتِعارَةِ مَعْنى الحَرْفِ إلى مَعْنًى آخَرَ اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً، أيِ اسْتُعِيرَ الحَرْفُ تَبَعًا لِاسْتِعارَةِ مَعْناهُ ثُمَّ تَسْرِي مِنَ المَعْنى إلى الحَرْفِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً عِنْدَ جُمْهُورِ عُلَماءِ المَعانِي خِلافًا لِلسَّكّاكِيِّ.
وضَمِيرُ لَهم يَعُودُ إلى آلِ فِرْعَوْنَ بِاعْتِبارِ الوَصْفِ العُنْوانِيِّ؛ لِأنَّ مُوسى كانَ عَدُوًّا لِفِرْعَوْنٍ آخَرَ بَعْدَ هَذا، أيْ لِيَكُونَ لِدَوْلَتِهِمْ وأُمَّتِهِمْ عَدُوًّا وحَزَنًا فَقَدْ كانَتْ بَعْثَةُ مُوسى في مُدَّةِ ابْنِ فِرْعَوْنَ هَذا.
ووَصْفُهُ بِالحَزَنِ وهو مَصْدَرٌ عَلى تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقٍ مَحْذُوفٍ، أيْ حَزَنًا لَهم لِدَلالَةِ قَوْلِهِ لَهُمُ السّابِقِ. ولَيْسَ هَذا مِنَ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ لِلْمُبالَغَةِ مِثْلِ قَوْلِكَ: فُلانٌ عَدْلٌ؛ لِأنَّ ذَلِكَ إذا كانَ المَصْدَرُ واقِعًا مَوْقِعَ اسْمِ الفاعِلِ فَكانَ مَعْنى المَصْدَرِ قائِمًا بِالمَوْصُوفِ. والمَعْنى هُنا: لِيَكُونَ لَهم حَزَنًا. والإسْنادُ مَجازٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأنَّهُ سَبَبُ الحَزَنِ ولَيْسَ هو حَزَنًا.
وقَرَأ الجُمْهُورُ وحَزَنًا بِفَتْحِ الحاءِ والزّايِ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِضَمِّ الحاءِ وسُكُونِ الزّايِ وهُما لُغَتانِ كالعَدَمِ والعُدْمِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ وهامانَ﴾ إلى آخِرِها في مَوْضِعِ العِلَّةِ لِجُمْلَةِ ﴿لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ أيْ قَدَّرَ اللَّهُ نَجاةَ مُوسى لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا؛ لِأنَّهم كانُوا مُجْرِمِينَ، فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عِقابًا لَهم عَلى ظُلْمِهِمْ بَنِي إسْرائِيلَ وعَلى عِبادَةِ الأصْنامِ.
والخاطِئُ: اسْمُ فاعِلٍ مِن خَطِئَ كَفَرِحَ إذا فَعَلَ الخَطِيئَةَ وهي الإثْمُ والذَّنْبُ، قالَ تَعالى ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦] . ومَصْدَرُهُ الخِطْءُ بِكَسْرِ الخاءِ وسُكُونِ الطّاءِ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ قَتْلَهم كانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٣١] في الإسْراءِ. وأمّا (p-٧٧)الخَطَأُ وهو ضِدُّ العَمْدِ فَفِعْلُهُ أخْطَأ فَهو مُخْطِئٌ، قالَ تَعالى ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥]، فَعَلى هَذا يَتَعَيَّنُ أنَّ الفُصَحاءَ فَرَّقُوا الِاسْتِعْمالَ بَيْنَ مُرْتَكِبِ الخَطِيئَةِ ومُرْتَكِبِ الخَطَإ، وعَلى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أخْطَأ وخَطِئَ دَرَجَ نَفْطَوَيْهِ، وتَبِعَهُ الجَوْهَرِيُّ، والحَرِيرِيُّ.
وذَهَبَ أبُو عَبِيدٍ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، إلى أنَّ اللَّفْظَيْنِ مُتَرادِفانِ وأنَّهُما لُغَتانِ، وظاهِرُ كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ هُنا أنَّهُ جارٍ عَلى قَوْلِ أبِي عُبَيْدٍ، وابْنِ قُتَيْبَةَ، فَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الآيَةَ بِالمَعْنَيَيْنِ وقالَ في الأساسِ أخْطَأ في الرَّأْيِ وخَطِئَ إذا تَعَمَّدَ الذَّنْبَ. وقِيلَ هُما واحِدٌ.
ويَظْهَرُ أنَّ أصْلَهُما لُغَتانِ في مَعْنى مُخالَفَةِ الصَّوابِ عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ أوْ عَنْ عَمْدٍ، ثُمَّ غَلَبَ الِاسْتِعْمالُ الفَصِيحُ عَلى تَخْصِيصِ أخْطَأ بِفِعْلٍ عَلى غَيْرِ عَمْدٍ، وخَطِئَ بِالإجْرامِ والذَّنْبِ، وهَذا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ اسْتِعْمالُ اللُّغَةِ. وإنَّ الفُرُوقَ بَيْنَ الألْفاظِ مِن أحْسَنِ تَهْذِيبِ اللُّغَةِ.
فَأمّا مَحْمَلُ الآيَةِ هُنا فَلا يُناسِبُهُ إلّا أنْ يَكُونَ خاطِئِينَ مِنَ الخَطِيئَةِ لِيَكُونَ الكَلامُ تَعْلِيلًا لِتَكْوِينِ حُزْنِهِمْ مِنهُ بِالإخارَةِ. وتَقَدَّمَ ذِكْرُ هامانَ آنِفًا.
{"ayah":"فَٱلۡتَقَطَهُۥۤ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِیَكُونَ لَهُمۡ عَدُوࣰّا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا۟ خَـٰطِـِٔینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق