الباحث القرآني
﴿ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ الحافَّتَيْنِ بِها، والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ.
(p-١٧٩)والنَّهْيُ في ﴿ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ﴾ مُسْتَعْمَلٌ في الإباحَةِ. والنِّسْيانُ كِنايَةٌ عَنِ التَّرْكِ كَقَوْلِهِ في حَدِيثِ الخَيْلِ: ولَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ في رِقابِها، أيْ لا نَلُومُكَ عَلى أنْ تَأْخُذَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، أيِ الَّذِي لا يَأْتِي عَلى نَصِيبِ الآخِرَةِ. وهَذا احْتِراسٌ في المَوْعِظَةِ خَشْيَةَ نُفُورِ المَوْعُوظِ مِن مَوْعِظَةِ الواعِظِ؛ لِأنَّهم لَمّا قالُوا لِقارُونَ ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ﴾ أوْهَمُوا أنْ يَتْرُكَ حُظُوظَ الدُّنْيا فَلا يَسْتَعْمِلَ مالَهُ إلّا في القُرُباتِ، فَأُفِيدَ أنَّ لَهُ اسْتِعْمالَ بَعْضِهِ في ما هو مُتِمِحِّضٌ لِنَعِيمِ الدُّنْيا إذا آتى حَقَّ اللَّهِ في أمْوالِهِ. فَقِيلَ: أرادُوا أنَّ لَكَ أنْ تَأْخُذَ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ.
والنَّصِيبُ: الحَظُّ والقِسْطُ، وهو فَعِيلٌ مِنَ النَّصْبِ؛ لِأنَّ ما يُعْطى لِأحَدٍ يُنَصِّبُ لَهُ ويُمَيِّزُ، وإضافَةُ النَّصِيبِ إلى ضَمِيرِهِ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ حَقُّهُ، وأنَّ لِلْمَرْءِ الِانْتِفاعَ بِمالِهِ في ما يُلائِمُهُ في الدُّنْيا خاصَّةً مِمّا لَيْسَ مِنَ القُرُباتِ ولَمْ يَكُنْ حَرامًا. قالَ مالِكٌ: في رَأْيِي مَعْنى ﴿ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ تَعِيشُ وتَأْكُلُ وتَشْرَبُ غَيْرَ مُضَيَّقٍ عَلَيْكَ. وقالَ قَتادَةُ: نَصِيبُ الدُّنْيا هو الحَلالُ كُلُّهُ. وبِذَلِكَ تَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ مِثالًا لِاسْتِعْمالِ صِيغَةِ النَّهْيِ لِمَعْنى الإباحَةِ. و”مِن“ لِلتَّبْعِيضِ، والمُرادُ بِالدُّنْيا نَعِيمُها، فالمَعْنى: نَصِيبَكَ الَّذِي هو بَعْضُ نَعِيمِ الدُّنْيا.
* * *
﴿وأحْسِنْ كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ ولا تَبْغِ الفَسادَ في الأرْضِ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ﴾
الإحْسانُ داخِلٌ في عُمُومِ ابْتِغاءِ الدّارِ الآخِرَةِ، ولَكِنَّهُ ذُكِرَ هُنا لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ الِاحْتِجاجَ بِقَوْلِهِ: ﴿كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ﴾ . والكافُ لِلتَّشْبِيهِ، و”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ كَإحْسانِ اللَّهِ إلَيْكَ، والمُشَبَّهُ هو الإحْسانُ المَأْخُوذُ مِن أحْسِنْ أيْ إحْسانًا شَبِيهًا بِإحْسانِ اللَّهِ إلَيْكَ. ومَعْنى الشَّبَهِ: أنْ يَكُونَ الشُّكْرُ عَلى كُلِّ نِعْمَةٍ مِن جِنْسِها. وقَدْ شاعَ بَيْنَ النُّحاةِ تَسْمِيَةُ هَذِهِ الكافِ كافَ التَّعْلِيلِ، ومِثْلُها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] . والتَّحْقِيقُ أنَّ التَّعْلِيلَ حاصِلٌ مِن مَعْنى التَّشْبِيهِ ولَيْسَ مَعْنًى مُسْتَقِلًّا مِن مَعانِي الكافِ.
وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ الإحْسانِ لِتَعْمِيمِ ما يُحْسِنُ إلَيْهِ، فَيَشْمَلُ نَفْسَهُ وقَوْمَهُ ودَوابَّهُ ومَخْلُوقاتِ اللَّهِ الدّاخِلَةَ في دائِرَةِ التَّمَكُّنِ مِنَ الإحْسانِ إلَيْها. وفي الحَدِيثِ: «إنَّ (p-١٨٠)اللَّهَ كَتَبَ الإحْسانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ» فالإحْسانُ في كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، والإحْسانُ لِكُلِّ شَيْءٍ بِما يُناسِبُهُ، حَتّى الأذى المَأْذُونُ فِيهِ فَبِقَدَرِهِ، ويَكُونُ بِحُسْنِ القَوْلِ وطَلاقَةِ الوَجْهِ وحُسْنِ اللِّقاءِ.
وعَطْفُ ”لا تَبْغِ الفَسادَ في الأرْضِ“ لِلتَّحْذِيرِ مِن خَلْطِ الإحْسانِ بِالفَسادِ؛ فَإنَّ الفَسادَ ضِدُّ الإحْسانِ، فالأمْرُ بِالإحْسانِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنِ الفَسادِ، وإنَّما نَصَّ عَلَيْهِ لِأنَّهُ لَمّا تَعَدَّدَتْ مَوارِدُ الإحْسانِ والإساءَةِ فَقَدْ يَغِيبُ عَنِ الذِّهْنِ أنَّ الإساءَةَ إلى شَيْءٍ مَعَ الإحْسانِ إلى أشْياءَ يُعْتَبَرُ غَيْرَ إحْسانٍ.
والمُرادُ بِالأرْضِ أرْضُهُمُ الَّتِي هم حالُّونَ بِها، وإذْ قَدْ كانَتْ جُزْءًا مِنَ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ فالإفْسادُ فِيها إفْسادٌ مَظْرُوفٌ في عُمُومِ الأرْضِ، وقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظائِرُهُ مِنها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا تَوَلّى سَعى في الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها﴾ [البقرة: ٢٠٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ﴾ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الإفْسادِ؛ لِأنَّ العَمَلَ الَّذِي لا يُحِبُّهُ اللَّهُ لا يَجُوزُ لِعِبادِهِ عَمَلُهُ، وقَدْ كانَ قارُونُ مُوَحِّدًا عَلى دِينِ إسْرائِيلَ، ولَكِنَّهُ كانَ شاكًّا في صِدْقِ مَواعِيدِ مُوسى وفي تَشْرِيعاتِهِ.
{"ayah":"وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق