الباحث القرآني
﴿وأوْحَيْنا إلى أُمِّ مُوسى أنْ أرْضِعِيهِ فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألْقِيهِ في اليَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [القصص: ٥]، إذِ الكُلُّ مِن أجْزاءِ النَّبَإ. وتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَفْصِيلًا لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ ﴿ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [القصص: ٥]، فَإنَّ الإرادَةَ لَمّا تَعَلَّقَتْ بِإنْقاذِ بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ الذُّلِّ خَلَقَ اللَّهُ المُنْقِذَ لَهم.
والوَحْيُ هُنا وحْيُ إلْهامٍ يُوجَدُ عِنْدَهُ مِنِ انْشِراحِ الصَّدْرِ ما يُحَقِّقُ عِنْدَها أنَّهُ خاطِرٌ مِنَ الوارِداتِ الإلَهِيَّةِ. فَإنَّ الإلْهامَ الصّادِقَ يَعْرِضُ لِلصّالِحِينَ فَيُوقِعُ في نُفُوسِهِمْ يَقِينًا يُبْعَثُونَ بِهِ إلى عَمَلِ ما أُلْهِمُوا إلَيْهِ. وقَدْ يَكُونُ هَذا الوَحْيُ بِرُؤْيا صادِقَةٍ رَأتْها. وأمُّ مُوسى لَمْ يُعْرَفِ اسْمُها في كُتُبِ اليَهُودِ، وذَكَرَ المُفَسِّرُونَ لَها أسْماءً لا يُوثَقُ بِصِحَّتِها.
وقَوْلُهُ ﴿أنْ أرْضِعِيهِ﴾ تَفْسِيرٌ لِـ أوْحَيْنا. والأمْرُ بِإرْضاعِهِ يُؤْذِنُ بِجُمَلٍ طُوِيَتْ وهي أنَّ اللَّهَ لَمّا أرادَ ذَلِكَ قَدَّرَ أنْ يَكُونَ مَظْهَرُ ما أرادَهُ هو الجَنِينَ الَّذِي في بَطْنِ أمِّ مُوسى ووَضَعَتْهُ أُمُّهُ، وخافَتْ عَلَيْهِ اعْتِداءَ أنْصارِ فِرْعَوْنَ عَلى ولِيدِها، وتَحَيَّرَتْ في أمْرِها فَأُلْهِمَتْ أوْ أُرِيَتْ ما قَصَّهُ اللَّهُ هُنا وفي مَواضِعَ أُخْرى.
والإرْضاعُ الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ يَتَضَمَّنُ أنْ: أخْفِيهِ مُدَّةً تُرْضِعِيهِ فِيها فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ أنْ يُعْرَفَ خَبَرُهُ فَألْقِيهِ في اليَمِّ.
وإنَّما أمَرَها اللَّهُ بِإرْضاعِهِ لِتَقْوى بُنْيَتُهُ بِلِبانِ أُمِّهِ فَإنَّهُ أسْعَدُ بِالطِّفْلِ في أوَّلِ عُمُرِهِ مِن لِبانِ غَيْرِها، ولِيَكُونَ لَهُ مِنَ الرَّضاعَةِ الأخِيرَةِ قَبْلَ إلْقائِهِ في اليَمِّ قُوتٌ يَشُدُّ بُنْيَتَهُ فِيما بَيْنَ قَذْفِهِ في اليَمِّ وبَيْنَ التِقاطِ آلِ فِرْعَوْنَ إيّاهُ وإيصالِهِ إلى بَيْتِ فِرْعَوْنَ (p-٧٤)وابْتِغاءِ المَراضِعِ ودَلالَةِ أُخْتِهِ إيّاهم عَلى أُمِّهِ إلى أنْ أُحْضِرَتْ لِإرْضاعِهِ فَأُرْجِعَ إلَيْها بَعْدَ أنْ فارَقَها بَعْضَ يَوْمٍ. وحَكَتْ كُتُبُ اليَهُودِ أنَّ أُمَّ مُوسى خَبَّأتْهُ ثَلاثَةَ أشْهُرٍ ثُمَّ خافَتْ أنْ يَفْشُوَ أمْرُهُ فَوَضَعَتْهُ في سَفَطٍ مُقَيَّرٍ وقَذَفَتْهُ في النَّهْرِ. وقَدْ بَشَّرَها اللَّهُ بِما يُزِيلُ هَمَّها بِأنَّهُ رادُّهُ إلَيْها وزادَ عَلى ذَلِكَ بِما بَشَّرَها بِما سَيَكُونُ لَهُ مِن مَقامٍ كَرِيمٍ في الدُّنْيا والآخِرَةِ بِأنَّهُ مِنَ المُرْسَلِينَ.
والظّاهِرُ أنَّ هَذا الوَحْيَ إلَيْها كانَ عِنْدَ وِلادَتِهِ، وأنَّها أُمِرَتْ بِأنْ تُلْقِيَهُ في اليَمِّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ دَفْعًا لِلضُّرِّ المُحَقَّقِ بِالضُّرِّ المَشْكُوكِ فِيهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في يَقِينِها بِأنَّهُ لا بَأْسَ عَلَيْهِ.
واليَمُّ: البَحْرُ وهو هُنا نَهْرُ النِّيلِ الَّذِي كانَ يَشُقُّ مَدِينَةَ فِرْعَوْنَ حَيْثُ مَنازِلُ بَنِي إسْرائِيلَ. واليَمُّ في كَلامِ العَرَبِ مُرادِفُ البَحْرِ، والبَحْرُ في كَلامِهِمْ يُطْلَقُ عَلى الماءِ العَظِيمِ المُسْتَبْحَرِ، فالنَّهْرُ العَظِيمُ يُسَمّى بَحْرًا قالَ تَعالى ﴿وما يَسْتَوِي البَحْرانِ هَذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وهَذا مِلْحٌ أُجاجٌ﴾ [فاطر: ١٢]، فَإنَّ اليَمَّ مِنَ الأنْهارِ.
وقَدْ كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِثالًا مِن أمْثِلَةِ دَقائِقِ الإعْجازِ القُرْآنِيِّ فَذَكَرَ عِياضٌ في الشِّفاءِ، والقُرْطُبِيُّ في التَّفْسِيرِ يَزِيدُ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ، عَنِ الأصْمَعِيِّ: أنَّهُ سَمِعَ جارِيَةً أعْرابِيَّةً تُنْشِدُ:
؎أسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِأمْرِي كُلِّهِ قَتَلْتُ إنْسانًا بِغَيْرِ حِلِّهِ
؎مِثْلَ غَزالٍ ناعِمًا في دَلِّهِ ∗∗∗ انْتَصَفَ اللَّيْلُ ولَمْ أُصَلِّهِ
وهِيَ تُرِيدُ التَّوْرِيَةَ بِالقُرْآنِ. فَقالَ لَها: قاتَلَكِ اللَّهُ ما أفْصَحَكِ ! يُرِيدُ ما أبْلَغَكِ (وكانُوا يُسَمُّونَ البَلاغَةَ فَصاحَةً) فَقالَتْ لَهُ (أوَيُعَدُّ هَذا فَصاحَةً مَعَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وأوْحَيْنا إلى أُمِّ مُوسى أنْ أرْضِعِيهِ فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألْقِيهِ في اليَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ فَجَمَعَ في آيَةٍ واحِدَةٍ خَبَرَيْنِ، وأمْرَيْنِ، ونَهْيَيْنِ، وبِشارَتَيْنِ) .
(p-٧٥)فالخَبَرانِ هُما ﴿وأوْحَيْنا إلى أُمِّ مُوسى﴾ وقَوْلُهُ ﴿فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾؛ لِأنَّهُ يُشْعِرُ أنَّها سَتَخافُ عَلَيْهِ.
والأمْرانِ هُما: ”أرَضِعَيْهِ“ و”ألْقِيهِ“ .
والنَّهْيانِ: ”ولا تَخافِي“ و”ولا تَحْزَنِي“ .
والبِشارَتانِ ﴿إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ .
والخَوْفُ: تَوَقُّعُ أمْرٍ مَكْرُوهٍ، والحُزْنُ: حالَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَنْشَأُ مِن حادِثٍ مَكْرُوهٍ لِلنَّفْسِ كَفَواتِ أمْرٍ مَحْبُوبٍ، أوْ فَقْدِ حَبِيبٍ، أوْ بُعْدِهِ، أوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
والمَعْنى: لا تَخافِي عَلَيْهِ الهَلاكَ مِنَ الإلْقاءِ في اليَمِّ، ولا تَحْزَنِي عَلى فِراقِهِ.
والنَّهْيُ عَنِ الخَوْفِ وعَنِ الحُزْنِ نَهْيٌ عَنْ سَبَبَيْهِما وهُما تُوَقُّعُ المَكْرُوهِ والتَّفَكُّرُ في وحْشَةِ الفِراقِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ﴾ في مَوْقِعِ العِلَّةِ لِلنَّهْيَيْنِ؛ لِأنَّ ضَمانَ رَدِّهِ إلَيْها يَقْتَضِي أنَّهُ لا يَهْلِكُ وأنَّها لا تَشْتاقُ إلَيْهِ بِطُولِ المَغِيبِ. وأمّا قَوْلُهُ ﴿وجاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ فَإدْخالٌ لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْها.
{"ayah":"وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَرۡضِعِیهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَیۡهِ فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤۖ إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق