الباحث القرآني
﴿وكَمْ أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهم لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلًا وكُنّا نَحْنُ الوارِثِينَ﴾ . عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا آمِنًا﴾ [القصص: ٥٧] بِاعْتِبارِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ، فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلِانْتِقامِ شَأْنَ الأُمَمِ الَّتِي كَفَرَتْ بِنِعَمِ اللَّهِ فَهو تَخْوِيفٌ لِقُرَيْشٍ مِن سُوءِ عاقِبَةِ أقْوامٍ كانُوا في مِثْلِ حالِهِمْ مِنَ الأمْنِ والرِّزْقِ فَغَمِطُوا النِّعْمَةَ وقابَلُوها بِالبَطَرِ.
والبَطَرُ: التَّكَبُّرُ. وفِعْلُهُ قاصِرٌ مِن بابِ فَرِحَ، فانْتِصابُ ”مَعِيشَتَها“ بَعْدَ ”بَطِرَتْ“ عَلى تَضْمِينِ ”بَطِرَتْ“ مَعْنى (كَفَرَتْ)؛ لِأنَّ البَطَرَ وهو التَّكَبُّرُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الِاعْتِرافِ بِما يُسْدى إلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ.
والمُرادُ: بَطِرَتْ حالَةَ مَعِيشَتِها، أيْ نِعْمَةَ عَيْشِها.
والمَعِيشَةُ هُنا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى العَيْشِ، والمُرادُ حالَتُهُ فَهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ دَلَّ عَلَيْهِ المَقامُ، ويُعْلَمُ أنَّها حالَةٌ حَسَنَةٌ مِن قَوْلِهِ ”بَطِرَتْ“ وهي حالَةُ الأمْنِ والرِّزْقِ.
(p-١٥١)والإشارَةُ بِـ ”تِلْكَ“ إلى ”مَساكِنِهِمْ“ الَّذِي بُيِّنَ بِهِ اسْمُ الإشارَةِ؛ لِأنَّهُ في قُوَّةِ تِلْكَ المَساكِنِ. وبِذَلِكَ صارَتِ الإشارَةُ إلى حاضِرٍ في الذِّهْنِ مُنَزَّلٍ مَنزِلَةَ الحاضِرِ بِمَرْأى السّامِعِ، ولِذَلِكَ فَقَوْلُهُ ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ﴾ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ. والتَّقْدِيرُ: فَمَساكِنُهم لَمْ تَسْكُنْ مِن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلًا.
والسُّكْنى: الحُلُولُ في البَيْتِ ونَحْوِهِ في الأوْقاتِ المَعْرُوفَةِ بِقَصْدِ الِاسْتِمْرارِ زَمَنًا طَوِيلًا.
ومَعْنى ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ﴾ لَمْ يَتْرُكُوا فِيها خَلَفًا لَهم. وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنِ انْقِراضِهِمْ عَنْ بَكْرَةِ أبِيهِمْ.
وقَوْلُهُ ”إلّا قَلِيلًا“ احْتِراسٌ أيْ إلّا إقامَةَ المارِّينَ بِها المُعْتَبِرِينَ بِهَلاكِ أهْلِها.
وانْتَصَبَ ”قَلِيلًا“ عَلى الِاسْتِثْناءِ مِن عُمُومِ أزْمانٍ مَحْذُوفَةٍ. والتَّقْدِيرُ: إلّا أزْمانًا قَلِيلًا، أوْ عَلى الِاسْتِثْناءِ مِن مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. والتَّقْدِيرُ: لَمْ تُسْكَنْ سَكَنًا إلّا سَكَنًا قَلِيلًا، والسَّكَنُ القَلِيلُ: هو مُطْلَقُ الحُلُولِ بِغَيْرِ نِيَّةِ إطالَةٍ فَهي إلْمامٌ لا سُكْنى. فَإطْلاقُ السُّكْنى عَلى ذَلِكَ مُشاكَلَةٌ لِيَتَأتّى الِاسْتِثْناءُ، أيْ لَمْ تُسْكَنْ إلّا حُلُولَ المُسافِرِينَ أوْ إناخَةَ المُنْتَجَعَيْنِ مِثْلَ نُزُولِ جَيْشِ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِحِجْرِ ثَمُودَ واسْتِقائِهِمْ مِن بِئْرِ النّاقَةِ. والمَعْنى: فَتِلْكَ مَساكِنُهم خاوِيَةً خَلاءً لا يَعْمُرُها عامِرٌ، أيْ أنَّ اللَّهَ قَدَّرَ بَقاءَها خالِيَةً لِتَبْقى عِبْرَةً ومَوْعِظَةً بِعَذابِ اللَّهِ في الدُّنْيا.
وبِهَذِهِ الآيَةِ يَظْهَرُ تَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ مَرَّ في طَرِيقِهِ إلى تَبُوكَ بِحِجْرِ ثَمُودَ فَقالَ: «لا تَدْخُلُوا مَساكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم أنْ يُصِيبَكَمْ مِثْلُ ما أصابَهم إلّا أنْ تَكُونُوا باكِينَ» أيْ خائِفِينَ أيِ اقْتِصارًا عَلى ضَرُورَةِ المُرُورِ لِئَلّا يَتَعَرَّضُوا إلى تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ السُّكْنى الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ انْتِفاءَها بَعْدَ قَوْمِها فَرُبَّما قُدِّرَ إهْلاكُ مَن يَسْكُنُها تَحْقِيقًا لِقَدَرِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿وكُنّا نَحْنُ الوارِثِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ﴾ وهو يُفِيدُ أنَّها لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمْ فَلا يَحِلُّ فِيها قَوْمٌ آخَرُونَ بَعْدَهم فَعَبَّرَ عَنْ تَداوُلِ السُّكْنى بِالإرْثِ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِعارَةِ.
وقَصْرُ إرْثِ تِلْكَ المَساكِنِ عَلى اللَّهِ تَعالى حَقِيقِيٌّ، أيْ لا يَرِثُها غَيْرُنا. وهو كِنايَةٌ (p-١٥٢)عَنْ حِرْمانِ تِلْكَ المَساكِنِ مِنَ السّاكِنِ. وتِلْكَ الكِنايَةُ رَمْزٌ إلى شِدَّةِ غَضَبِ اللَّهِ تَعالى عَلى أهْلِها الأوَّلِينَ بِحَيْثُ تَجاوَزَ غَضَبُهُ السّاكِنِينَ إلى نَفْسِ المَساكِنِ فَعاقَبَها بِالحِرْمانِ مِن بَهْجَةِ المَساكِنِ؛ لِأنَّ بَهْجَةَ المَساكِنِ سُكّانُها فَإنَّ كَمالَ المَوْجُوداتِ هو بِهِ قِوامُ حَقائِقِها.
{"ayah":"وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡیَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِیشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَـٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِیلࣰاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق