الباحث القرآني
﴿وقالُوا إنْ نَتَّبِعِ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أرْضِنا أوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا آمِنًا تُجْبى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَدُنّا ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ”هَذِهِ بَعْضُ مَعاذِيرِهِمْ قالَها فَرِيقٌ مِنهم مِمَّنْ غَلَبَهُ الحَياءُ عَلى أنْ يُكابِرَ ويُجاهِرَ بِالتَّكْذِيبِ، وغَلَبَهُ إلْفُ ما هو عَلَيْهِ مِن حالِ الكُفْرِ عَلى الِاعْتِرافِ بِالحَقِّ، فاعْتَذَرُوا بِهَذِهِ المَعْذِرَةِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ الحارِثَ بْنَ عُثْمانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ وناسًا مِن قُرَيْشٍ جاءُوا النَّبِيءَ ﷺ، فَقالَ الحارِثُ: إنّا لَنَعْلَمُ أنَّ قَوْلَكَ حَقٌّ، ولَكِنّا نَخافُ إنِ اتَّبَعْنا الهُدى مَعَكَ ونُؤْمِن بِكَ أنْ يَتَخَطَّفَنا العَرَبُ مِن أرْضِنا، ولا طاقَةَ لَنا بِهِمْ، وإنَّما نَحْنُ أكَلَةٌ رَأسٍ، أيْ أنَّ جَمْعَنا يُشْبِعُهُ الرَّأْسُ الواحِدُ مِنَ الإبِلِ، وهَذِهِ الكَلِمَةُ كِنايَةٌ عَنِ القِلَّةِ فَهَؤُلاءِ اعْتَرَفُوا في ظاهِرِ الأمْرِ بِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ يَدْعُو إلى الهُدى.
والتَّخَطُّفُ: مُبالَغَةٌ في الخَطْفِ، وهو انْتِزاعُ شَيْءٍ بِسُرْعَةٍ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ﴾ [الأنفال: ٢٦] في سُورَةِ الأنْفالِ. والمُرادُ: يَأْسِرُنا الأعْداءُ مَعَهم إلى دِيارِهِمْ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأنَّ قُرَيْشًا مَعَ قِلَّتِهِمْ عَدًّا وعُدَّةً أتاحَ اللَّهُ لَهم بَلَدًا هو حَرَمٌ آمِنٌ يَكُونُونَ فِيهِ آمَنِينَ مِنَ العَدُوِّ عَلى كَثْرَةِ قَبائِلِ العَرَبِ، واشْتِغالِهِمْ بِالغارَةِ عَلى (p-١٤٩)جِيرَتِهِمْ وجَبى إلَيْهِمْ ثَمَراتٍ كَثِيرَةً قُرُونًا طَوِيلَةً، فَلَوِ اعْتَبَرُوا لَعَلِمُوا أنَّ لَهم مَنَعَةً رَبّانِيَّةً وأنَّ اللَّهَ الَّذِي أمَّنَهم في القُرُونِ الخالِيَةِ يُؤَمِّنُهم إنِ اسْتَجابُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ.
والتَّمْكِينُ: الجَعْلُ في مَكانٍ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿مَكَّنّاهم في الأرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ [الأنعام: ٦] في سُورَةِ الأنْعامِ، وقَوْلِهِ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ ﴿ونُمَكِّنَ لَهم في الأرْضِ﴾ [القصص: ٦] . واسْتُعْمِلَ هُنا مَجازًا في الإعْدادِ والتَّيْسِيرِ.
والجَبْيُ: الجَمْعُ والجَلْبُ ومِنهُ جِبايَةُ الخَراجِ.
والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ أنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمْ يُمَكِّنْ لَهم حَرَمًا. ووَجْهُ الإنْكارِ أنَّهم نَزَلُوا مَنزِلَةَ مَن يَنْفِي أنَّ ذَلِكَ الحَرَمَ مِن تَمْكِينِ اللَّهِ، فاسْتَفْهَمُوا عَلى هَذا النَّفْيِ اسْتِفْهامَ إنْكارٍ.
وهَذا الإنْكارُ يَقْتَضِي تَوْبِيخًا عَلى هَذِهِ الحالَةِ الَّتِي نَزَلُوا لِأجْلِها مَنزِلَةَ مَن يَنْفِي أنَّ اللَّهَ مَكَّنَ لَهم حَرَمًا.
والواوُ عَطَفَتْ جُمْلَةَ الِاسْتِفْهامِ عَلى جُمْلَةِ“ وقالُوا ”. والتَّقْدِيرُ: ونَحْنُ مَكَّنّا لَهم حَرَمًا.
و“ كُلِّ شَيْءٍ ”عامٌّ في كُلِّ ذِي ثَمَرَةٍ وهو عُمُومٌ عُرْفِيٌّ، أيْ ثَمَرِ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ المُثْمِرَةِ المَعْرُوفَةِ في بِلادِهِمْ والمُجاوِرَةِ لَهم أوِ اسْتُعْمِلَ“ كُلِّ ”في مَعْنى الكَثْرَةِ.
و“ رِزْقًا ”حالٌ مِن“ ثَمَراتُ ”وهو مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ.
ومَعْنى“ مِن لَدُنّا ”مِن عِنْدِنا، والعِنْدِيَّةُ مَجازٌ في التَّكْرِيمِ والبَرَكَةِ، أيْ رِزْقًا قَدَّرْناهُ لَهم إكْرامًا فَكَأنَّهُ رِزْقٌ خاصٌّ مِن مَكانٍ شَدِيدِ الِاخْتِصاصِ بِاللَّهِ تَعالى.
وقَدْ حَصَلَ في خِلالِ الرَّدِّ لِقَوْلِهِمْ إدْماجٌ لِلِامْتِنانِ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ لِيَحْصُلَ لَهم وازِعانِ عَنِ الكُفْرِ بِالنِّعَمِ: وازِعُ إبْطالِ مَعْذِرَتِهِمْ عَنِ الكُفْرِ، ووازِعُ التَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ المَكْفُورِ بِهِ.
ومَوْقِعُ الِاسْتِدْراكِ في قَوْلِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالكَلامِ المَسُوقِ مَساقَ الرَّدِّ عَلى قَوْلِهِمْ ﴿إنْ نَتَّبِعِ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أرْضِنا﴾ إذِ التَّقْدِيرُ: أنَّ تِلْكَ نِعْمَةٌ رَبّانِيَّةٌ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا عِلْمَ لَهم فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَفَطَّنُوا إلى (p-١٥٠)كُنْهِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَحَسِبُوا أنَّ الإسْلامَ مُفْضٍ إلى اعْتِداءِ العَرَبِ عَلَيْهِمْ ظَنًّا بِأنَّ حُرْمَتَهم بَيْنَ العَرَبِ مَزِيَّةٌ ونِعْمَةٌ أسْداها إلَيْهِمْ قَبائِلُ العَرَبِ.
وفِعْلُ“ لا يَعْلَمُونَ ”مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ اللّازِمِ فَلا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ، أيْ لَيْسُوا ذَوِي عِلْمٍ ونَظَرٍ بَلْ هم جَهَلَةٌ لا يَتَدَبَّرُونَ الأحْوالَ. ونُفِيَ العِلْمُ عَنْ أكْثَرِهِمْ؛ لِأنَّ بَعْضَهم أصْحابُ رَأْيٍ فَلَوْ نَظَرُوا وتَدَبَّرُوا لَما قالُوا مَقالَتَهم تِلْكَ.
ولَوْ قُدِّرَ لِفِعْلِ“ يَعْلَمُونَ " مَفْعُولٌ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، أيْ لا يَعْلَمُونَ تَمْكِينَ الحَرَمِ لَهم وأنَّ جَلْبَ الثَّمَراتِ إلَيْهِمْ مِن فَضْلِنا لَما اسْتَقامَ إسْنادُ نَفْيِ العِلْمِ إلى أكْثَرِهِمْ بَلْ كانَ يُسْنَدُ إلى جَمِيعِهِمْ لِإطْباقِ كَلِمَتِهِمْ عَلى مَقالَةِ ﴿إنْ نَتَّبِعِ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أرْضِنا﴾ .
وقَرَأ نافِعٌ وأبُو جَعْفَرٍ ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ (تُجْبى) بِالمُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ مُراعاةً لِلْمُضافِ إلَيْهِ وهو (كُلِّ شَيْءٍ) فَأكْسَبَ المُضافَ تَذْكِيرًا.
{"ayah":"وَقَالُوۤا۟ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَاۤۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنࣰا یُجۡبَىٰۤ إِلَیۡهِ ثَمَرَ ٰتُ كُلِّ شَیۡءࣲ رِّزۡقࣰا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق