الباحث القرآني
﴿ولَكِنّا أنْشَأْنا قُرُونًا فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ﴾ خَفِيَ اتِّصالُ هَذا الِاسْتِدْراكِ بِالكَلامِ الَّذِي قَبْلَهُ، وكَيْفَ يَكُونُ اسْتِدْراكًا وتَعْقِيبًا لِلْكَلامِ الأوَّلِ بِرَفْعِ ما يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ.
(p-١٣١)فَبَيانُهُ أنَّ قَوْلَهُ ”﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ مِن بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولى﴾ [القصص: ٤٣]“ مَسُوقٌ مَساقَ إبْطالِ تَعْجَبِ المُشْرِكِينَ مِن رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ لَمْ يَسْبِقْها رِسالَةُ رَسُولٍ إلى آبائِهِمُ الأوَّلِينَ، كَما عَلِمْتَ مِمّا تَقَدَّمَ آنِفًا، فَذَكَّرَهم بِأنَّ اللَّهَ أرْسَلَ مُوسى كَذَلِكَ بَعْدَ فَتْرَةٍ عَظِيمَةٍ، وأنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مُوسى أثارُوا مِثْلَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَقالُوا ﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في آبائِنا الأوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٤] فَكَما كانَتْ رِسالَةُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ كَذَلِكَ كانَتْ رِسالَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ . فالمَعْنى: فَكانَ المُشْرِكُونَ حَقِيقِينَ بِأنْ يُنَظِّرُوا رِسالَةَ مُحَمَّدٍ بِرِسالَةِ مُوسى، ولَكِنَّ اللَّهَ أنْشَأ قُرُونًا أيْ أُمَمًا بَيْنَ زَمَنِ مُوسى وزَمَنِهِمْ، فَتَطاوَلَ الزَّمَنُ فَنَسِيَ المُشْرِكُونَ رِسالَةَ مُوسى فَقالُوا ﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في المِلَّةِ الآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] . وحَذْفُ بَقِيَّةِ الدَّلِيلِ وهو تَقْدِيرُ: فَنَسُوا، لِلْإيجازِ لِظُهُورِهِ مِن قَوْلِهِ ﴿فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ﴾ كَما قالَ تَعالى عَنِ اليَهُودِ حِينَ صارُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ﴿ونَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٣]، وقالَ عَنِ النَّصارى: ﴿أخَذْنا مِيثاقَهم فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٤] وقالَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ”﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: ١٦]“، فَضَمِيرُ الجَمْعِ في قَوْلِهِ ”عَلَيْهِمْ“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ لا إلى القُرُونِ.
فَتَبَيَّنَ أنَّ الِاسْتِدْراكَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ”ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ مِن بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولى“ وأنَّ ما بَيْنَ ذَلِكَ وبَيْنَ هَذا اسْتِطْرادٌ. وهَذا أحْسَنُ في بَيانِ اتِّصالِ الِاسْتِدْراكِ مِمّا احْتَفَلَ بِهِ صاحِبُ الكَشّافِ. ولِلَّهِ دَرُّهُ في اسْتِشْعارِهِ، وشَكَرَ اللَّهُ مَبْلَغَ جُهْدِهِ. وهو بِهَذا مُخالِفٌ لِمَوْقِعِ الِاسْتِدْراكَيْنِ الآتِيَيْنِ بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ ﴿ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾ وقَوْلِهِ ﴿ولَكِنْ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ﴾ [القصص: ٤٦] . والعُمُرُ الأمَدُ، كَقَوْلِهِ ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكم عُمُرًا مِن قَبْلِهِ﴾ [يونس: ١٦] .
* * *
﴿وما كُنْتَ ثاوِيًا في أهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنا ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾ هَذا تَكْرِيرٌ لِلدَّلِيلِ بِمَثَلٍ آخَرَ مِثْلُ ما في قَوْلِهِ ”﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ﴾ [القصص: ٤٤]“ أيَّ ما كُنْتَ مَعَ مُوسى في وقْتِ التَّكْلِيمِ، ولا كُنْتَ في أهْلِ مَدْيَنَ إذْ جاءَهم مُوسى وحَدَثَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شُعَيْبٍ ما قَصَصْنا عَلَيْكَ.
(p-١٣٢)والثَّواءُ: الإقامَةُ.
وضَمِيرُ ”عَلَيْهِمْ“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ لا إلى أهْلِ مَدْيَنَ؛ لِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ يَتْلُو آياتِ اللَّهِ عَلى المُشْرِكِينَ.
والمُرادُ بِالآياتِ الآياتُ المُتَضَمِّنَةُ قِصَّةَ مُوسى في أهْلِ مَدْيَنَ مِن قَوْلِهِ ولَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ إلى قَوْلِهِ ﴿فَلَمّا قَضى مُوسى الأجَلَ وسارَ بِأهْلِهِ﴾ [القصص: ٢٩] . وبِمِثْلِ هَذا المَعْنى قالَ مُقاتِلٌ وهو الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ نَظْمُ الكَلامِ، ولَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ عائِدًا إلى أهْلِ مَدْيَنَ لَكانَ أنْ يُقالَ: تَشْهَدُ فِيهِمْ آياتِنا.
وجُمْلَةُ ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ عَلى حَسَبِ تَفْسِيرِ مُقاتِلٍ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ”كُنْتَ“ وهي حالٌ مُقَدَّرَةٌ لِاخْتِلافِ زَمَنِها مَعَ زَمَنِ عامِلِها كَما هو ظاهِرٌ. والمَعْنى: ما كُنْتَ مُقِيمًا في أهْلِ مَدْيَنَ كَما يُقِيمُ المُسافِرُونَ فَإذا قَفَلُوا مِن أسْفارِهِمْ أخَذُوا يُحَدِّثُونَ قَوْمَهم بِما شاهَدُوا في البِلادِ الأُخْرى.
والِاسْتِدْراكُ في قَوْلِهِ ﴿ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾ ظاهِرٌ، أيْ ما كُنْتَ حاضِرًا في أهْلِ مَدْيَنَ فَتَعْلَمَ خَبَرَ مُوسى عَنْ مُعايَنَةٍ ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَكَ بِوَحْيِنا فَعَلَّمْناكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُهُ أنْتَ ولا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذا.
وعَدَلَ عَنْ أنْ يُقالَ: ولَكِنّا أوْحَيْنا بِذَلِكَ، إلى قَوْلِهِ ﴿ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾؛ لِأنَّ المَقْصِدَ الأهَمَّ هو إثْباتُ وُقُوعِ الرِّسالَةِ مِنَ اللَّهِ لِلرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ في قَوْلِهِمْ وقَوْلِ أمْثالِهِمْ ”﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في آبائِنا الأوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٤]“ وتُعْلَمَ رِسالَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ بِدَلالَةِ الِالتِزامِ مَعَ ما يَأْتِي مِن قَوْلِهِ ﴿ولَكِنْ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ [القصص: ٤٦] الآيَةَ، فالِاحْتِجاجُ والتَّحَدِّي في هَذِهِ الآيَةِ والآيَةِ الَّتِي قَبْلَها تَحَدٍّ بِما عَلِمَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن خَبَرِ القِصَّةِ الماضِيَةِ.
{"ayah":"وَلَـٰكِنَّاۤ أَنشَأۡنَا قُرُونࣰا فَتَطَاوَلَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِیࣰا فِیۤ أَهۡلِ مَدۡیَنَ تَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَا وَلَـٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











