الباحث القرآني
﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ الإشارَةُ في قَوْلِهِ ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ﴾ عَلى نَحْوِ الإشارَةِ في نَظِيرِهِ في سُورَةِ الشُّعَراءِ. فالمُشارُ إلَيْهِ ما هو مَقْرُوءٌ يَوْمَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ مِنَ القُرْآنِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ القُرْآنِ وأنَّهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ.
وجُمْلَةُ ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَبَإ مُوسى﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا.
(p-٦٤)ومُهِّدَ لِنَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ ”نَتْلُو عَلَيْكَ“ لِلتَّشْوِيقِ لِهَذا النَّبَإ لِما فِيهِ مِن شَتّى العِبَرِ بِعَظِيمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ في خَلْقِهِ.
والتِّلاوَةُ: القِراءَةُ لِكَلامٍ مَكْتُوبٍ أوْ مَحْفُوظٍ كَما قالَ تَعالى ﴿وأنْ أتْلُوَ القُرْآنَ﴾ [النمل: ٩٢]، وهو يَتَعَدّى إلى مَن تَبْلُغُ إلَيْهِ التِّلاوَةُ بِحَرْفِ (عَلى) وتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿واتَّبَعُوا ما تَتْلُو الشَّياطِينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] في البَقَرَةِ، وقَوْلِهِ ”﴿وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ﴾ [الأنفال: ٢]“ في سُورَةِ الأنْفالِ.
وإسْنادُ التِّلاوَةِ إلى اللَّهِ إسْنادٌ مَجازِيٌّ؛ لِأنَّهُ الَّذِي يَأْمُرُ بِتِلاوَةِ ما يُوحى إلَيْهِ مِنَ الكَلامِ والَّذِي يَتْلُو حَقِيقَةً هو جِبْرِيلُ بِأمْرٍ مِنَ اللَّهِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالحَقِّ﴾ [البقرة: ٢٥٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وجُعِلَتِ التِّلاوَةُ عَلى النَّبِيءِ ﷺ؛ لِأنَّهُ الَّذِي يَتَلَقّى ذَلِكَ المَتْلُوَّ. وعُبِّرَ عَنْ هَذا الخَبَرِ بِالنَّبَإ لِإفادَةِ أنَّهُ خَبَرٌ ذُو شَأْنٍ وأهَمِّيَّةٍ.
واللّامُ في ”﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾“ لامُ التَّعْلِيلِ، أيْ نَتْلُو عَلَيْكَ لِأجْلِ قَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَكانَتِ الغايَةُ مِن تِلاوَةِ النَّبَإ عَلى النَّبِيءِ ﷺ هي أنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ يُؤْمِنُونَ فالنَّبِيءُ يُبَلِّغُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَإنْ كانَ فَرِيقٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ سَألُوا أوْ تَشَوَّفُوا إلى تَفْصِيلِ ما جاءَ مِن قِصَّةِ مُوسى وفِرْعَوْنَ في سُورَةِ الشُّعَراءِ وسُورَةِ النَّمْلِ وهو الظّاهِرُ، فَتَخْصِيصُهم بِالتَّعْلِيلِ واضِحٌ وانْتِفاعُ النَّبِيءِ ﷺ بِذَلِكَ مَعَهم أجْدَرُ وأقْوى، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِالذِّكْرِ اجْتِزاءً بِدَلالَةِ الفَحْوى؛ لِأنَّ المَقامَ لِإفادَةِ مَن سَألَ وغَيْرُهم غَيْرُ مُلْتَفِتٍ إلَيْهِ في هَذا المَقامِ.
وإنْ لَمْ يَكُنْ نُزُولُ هَذِهِ القِصَّةِ عَنْ تَشَوُّفٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَتَخْصِيصُ المُؤْمِنِينَ بِالتِّلاوَةِ لِأجْلِهِمْ تَنْوِيهٌ بِأنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالعِبَرِ والمَواعِظِ؛ لِأنَّهم بِإيمانِهِمْ أصْبَحُوا مُتَطَلِّبِيَنَ لِلْعِلْمِ والحِكْمَةِ مُتَشَوِّفِينَ لِأمْثالِ هَذِهِ القِصَصِ النّافِعَةِ لِيَزْدادُوا بِذَلِكَ يَقِينًا. وحُصُولُ ازْدِيادِ العِلْمِ لِلنَّبِيءِ ﷺ بِذَلِكَ مَعْلُومٌ مِن كَوْنِهِ هو المُتَلَقِّي والمُبَلِّغُ لِيَتَذَكَّرَ مِن ذَلِكَ ما عَلِمَهُ مِن قَبْلُ ويَزْدادَ عِلْمًا بِما عَسى أنْ لا يَكُونَ قَدْ عَلِمَهُ، وفي ذَلِكَ تَثْبِيتُ فُؤادِهِ كَما قالَ تَعالى ﴿وكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أنْباءِ الرُّسُلِ ما (p-٦٥)نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وجاءَكَ في هَذِهِ الحَقُّ ومَوْعِظَةٌ وذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ١٢٠] .
فالمُرادُ ”بِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ“ قَوْمٌ الإيمانُ شَأْنُهم وسَجِيَّتُهم. ولِلْإشارَةِ إلى مَعْنى تَمَكُّنِ الإيمانِ مِن نُفُوسِهِمْ أُجْرِيَ وصْفُ الإيمانِ عَلى كَلِمَةِ قَوْمٍ لِيُفِيدَ أنَّ كَوْنَهم مُؤْمِنِينَ هو مِن مُقَوِّماتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَما قَدَّمْناهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. فالمُرادُ: المُتَلَبِّسُونَ بِالإيمانِ. وجِيءَ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ إيمانَهم مَوْجُودٌ في الحالِ ومُسْتَمِرٌّ مُتَجَدِّدٌ.
وفِي هَذا إعْراضٌ عَنِ العِبْءِ بِالمُشْرِكِينَ في سَوْقِ هَذِهِ القِصَّةِ بِما يُقْصَدُ فِيها مِنَ العِبْرَةِ والمَوْعِظَةِ فَإنَّهم لَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ وإنَّما انْتَفَعَ بِها مَن آمَنَ ومَن سَيُؤْمِنُ بَعْدَ سَماعِها.
والباءُ في قَوْلِهِ بِالحَقِّ لِلْمُلابَسَةِ، وهو حالٌ مِن ضَمِيرِ ”نَتْلُو“، أوْ صِفَةٌ لِلتِّلاوَةِ المُسْتَفادَةِ مِن ”نَتْلُو“ .
والحَقُّ: الصِّدْقُ؛ لِأنَّ الصِّدْقَ حَقٌّ إذِ الحَقُّ هو ما يَحِقُّ لَهُ أنْ يَثْبُتَ عِنْدَ أهْلِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ والأدْيانِ القَوِيمَةِ.
ومَفْعُولُ ”نَتْلُو“ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ صِفَتُهُ وهي مِن نَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ. فالتَّقْدِيرُ: نَتْلُو عَلَيْكَ كَلامًا مِن نَبَإ مُوسى وفِرْعَوْنَ.
و”مِن“ تَبْعِيضِيَّةٌ فَإنَّ المَتْلُوَّ في هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضُ قِصَّةِ مُوسى وفِرْعَوْنَ في الواقِعِ ألا تَرى أنَّهُ قَدْ ذُكِرَتْ في القُرْآنِ أشْياءُ مِن قِصَّةِ مُوسى لَمْ تُذْكَرْ هُنا مِثْلُ ذِكْرِ آيَةِ الطُّوفانِ والجَرادِ.
وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ ”مِن“ اسْمًا بِمَعْنى (بَعْضَ) فَجَعَلَها مَفْعُولَ ”نَتْلُو“ . وجَعَلَ الأخْفَشُ ”مِن“ زائِدَةً؛ لِأنَّهُ يَرى أنَّ ”مِن“ تُزادُ في الإثْباتِ، فَجَعَلَ ”نَبَإ“ مُوسى هو المَفْعُولَ جُرَّ بِحَرْفِ الجَرِّ الزّائِدَةِ.
والنَّبَأُ: الخَبَرُ المُهِمُّ العَظِيمُ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ","نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق