الباحث القرآني
﴿قالَ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بَيْنَهُما إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ .
لَمّا رَأى مُوسى سُوءَ فَهْمِهِمْ وعَدَمَ اقْتِناعِهِمْ بِالِاسْتِدْلالِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ بِالتَّكْوِينِ المُعْتادِ إذِ التَبَسَ عَلَيْهِمُ الأمْرُ المُعْتادُ بِالأمْرِ الَّذِي لا صانِعَ لَهُ؛ انْتَقَلَ مُوسى إلى ما لا قِبَلَ لَهم بِجَحْدِهِ ولا التِباسِهِ وهو التَّصَرُّفُ العَجِيبُ المُشاهَدُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، كَما انْتَقَلَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الِاسْتِدْلالِ عَلى وُجُودِ اللَّهِ بِالإحْياءِ والإماتَةِ لَمّا تَمَوَّهَ عَلى النَّمْرُودِ حَقِيقَةُ مَعْنى الإحْياءِ والإماتَةِ، فانْتَقَلَ إبْراهِيمُ إلى الِاسْتِدْلالِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِيما حَكى اللَّهُ تَعالى (﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ أنْ آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قالَ أنا أُحْيِي وأُمِيتُ قالَ إبْراهِيمُ فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ﴾ [البقرة: ٢٥٨]) فَكانَتْ حُجَّةُ مُوسى حُجَّةً خَلِيلِيَّةً.
والمَشْرِقُ والمَغْرِبُ يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِما مَكانُ شُرُوقِ الشَّمْسِ ومَكانُ غُرُوبِها في الأُفُقِ، فَيَكُونُ تَحْرِيكًا لِلِاسْتِدْلالِ بِما يَقَعُ في ذَلِكَ المَكانِ مِنَ الأُفُقِ مِن شُرُوقِ الشَّمْسِ وغُرُوبِها، فَيَكُونُ المُرادُ بِرَبِّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ خالِقَ ذَلِكَ النِّظامِ اليَوْمِيِّ عَلى طَرِيقَةِ الإيجازِ.
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالمَشْرِقِ والمَغْرِبِ المَصْدَرُ المِيمِيُّ، أيْ: رَبُّ الشُّرُوقِ والغُرُوبِ، فَيَكُونُ المُرادُ بِالرَّبِّ الخالِقَ، أيْ: مُكَوِّنَ الشُّرُوقِ والغُرُوبِ ويَكُونُ المُرادُ بِما بَيْنَهُما عَلى (p-١٢١)هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ ما بَيْنَ الحالَيْنِ وضَمِيرُ بَيْنَهُما لِلْمَشْرِقِ والمَغْرِبِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: وما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بَيْنَ المَغْرِبِ والمَشْرِقِ، أيْ ما يَقَعُ في خِلالِ ذَلِكَ مِنَ الأحْوالِ، فَأمّا ما بَيْنَ الشُّرُوقِ والغُرُوبِ فالضُّحى والزَّوالُ والعَصْرُ والِاصْفِرارُ، وأمّا ما بَيْنَ الغُرُوبِ والشُّرُوقِ فالشَّفَقُ والفَجْرُ والإسْفارُ كُلُّها دَلائِلُ عَلى تَكْوِينِ ذَلِكَ النِّظامِ العَجِيبِ المُتْقَنِ.
وقِيلَ: المُرادُ بِرَبِّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ مالِكُ الجِهَتَيْنِ. وهَذا التَّفْسِيرُ يُفِيتُ مُناسَبَةَ الكَلامِ لِمَقامِ الِاسْتِدْلالِ بِعَظِيمٍ ولا يُلاقِي التَّذْيِيلَ الواقِعَ بَعْدَهُ في قَوْلِهِ: (﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾) .
وتانِكَ الجِهَتانِ هُما مُنْتَهى الأرْضِ المَعْرُوفَةِ لِلنّاسِ يَوْمَئِذٍ فَكَأنَّهُ قِيلَ: رَبُّ طَرَفَيِ الأرْضِ، وهو كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِ جَمِيعِ الأرْضِ مِلْكًا لِلَّهِ. وهَذا اسْتِدْلالٌ عُرْفِيٌّ؛ إذْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ يَوْمَئِذٍ مَلِكًا يَمْلِكُ ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما كانَ مُلْكُ فِرْعَوْنَ المُؤَلَّهِ عِنْدَهم إلّا لِبِلادِ مِصْرَ والسُّودانِ.
والتَّذْيِيلُ بِجُمْلَةِ (﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾) ) تَنْبِيهٌ لِنَظَرِهِمُ العَقْلِيِّ لِيُعاوِدُوا النَّظَرَ فَيُدْرِكُوا وجْهَ الِاسْتِدْلالِ، أيْ إنْ كُنْتُمْ تُعْمِلُونَ عُقُولَكم. ومِنَ اللَّطائِفِ جَعْلُ ذَلِكَ مُقابِلَ قَوْلِ فِرْعَوْن: إنْ رَسُولَكم لَمَجْنُونٌ؛ لِأنَّ الجُنُونَ يُقابِلُهُ العَقْلُ فَكانَ مُوسى يَقُولُ لَهم قَوْلًا لَيِّنًا ابْتِداءً فَلَمّا رَأى مِنهُمُ المُكابَرَةَ ووَصَفُوهُ بِالجُنُونِ خاشَنَهم في القَوْلِ وعارَضَ قَوْلَ فِرْعَوْنَ: (﴿إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧]) فَقالَ: (﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾) أيْ إنْ كُنْتُمْ أنْتُمُ العُقَلاءَ، أيْ فَلا تَكُونُوا أنْتُمُ المَجانِينَ وهَذا كَقَوْلِ أبِي تَمّامٍ لِلَّذَيْنِ قالا لَهُ: (لِمَ تَقُولُ ما لا يُفْهَمُ) قالَ: (لِمَ لا تَفْهَمانِ ما يُقالُ) .
{"ayah":"قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











