الباحث القرآني
﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ .
عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] ﴿عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٤]، فَهو تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِلِاهْتِمامِ بِهَذا الخاصِّ. ووَجْهُ الِاهْتِمامِ أنَّهم أوْلى النّاسِ بِقَبُولِ (p-٢٠١)نُصْحِهِ وتَعْزِيزِ جانِبِهِ ولِئَلّا يَسْبِقَ إلى أذْهانِهِمْ أنَّ ما يُلْقِيهِ الرَّسُولُ مِنَ الغِلْظَةِ في الإنْذارِ وأهْوالِ الوَعِيدِ لا يَقَعُ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّهم قَرابَةُ هَذا المُنْذِرِ وخاصَّتُهُ. ويَدُلُّ عَلى هَذا قَوْلُهُ ﷺ في نِدائِهِ لَهم («لا أُغْنِي عَنْكم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» )، وأنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِقِلَّةِ رَعْيِ كَثِيرٍ مِنهم حَقَّ القَرابَةِ إذْ آذاهُ كَثِيرٌ مِنهم وعَصَوْهُ مِثْلُ أبِي لَهَبٍ فَلا يَحْسَبُوا أنَّهم ناجُونَ في الحالَتَيْنِ وأنْ يَعْلَمُوا أنَّهم لا يُكْتَفى مِن مُؤْمِنِهِمْ بِإيمانِهِ حَتّى يَضُمَّ إلَيْهِ العَمَلَ الصّالِحَ؛ فَهَذا مِمّا يَدْخُلُ في النَّذارَةِ، ولِذَلِكَ دَعا النَّبِيءُ ﷺ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ قَرابَتَهُ مُؤْمِنِينَ وكافِرِينَ.
فَفِي حَدِيثِ عائِشَةَ وابْنِ عَبّاسٍ وأبِي هُرَيْرَةَ في صَحِيحَيِ البُخارِيِّ ومُسْلِمٍ يَجْمَعُها قَوْلُهم «لَمّا نَزَلَتْ (﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾) قامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلى الصَّفا فَدَعا قُرَيْشًا فَجَعَلَ يُنادِي: يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إذا لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَخْرُجَ أرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ ما هو، فَقالَ: (يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَعَمَّ وخَصَّ، يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أنْقِذُوا أنْفُسَكم مِنَ النّارِ، يا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكم مِنَ النّارِ، يا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكم مِنَ النّارِ، يا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكم مِنَ النّارِ، يا بَنِي هاشِمٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكم مِنَ النّارِ، يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ أنْقِذُوا أنْفُسَكم مِنَ النّارِ، اشْتَرُوا أنْفُسَكم مِنَ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يا عَبّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يا فاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ سَلِينِي مِن مالِي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أنَّ لَكم رَحِمًا سَأبُلُّها بِبَلالِها» ) وكانَتْ صَفِيَّةُ وفاطِمَةُ مِنَ المُؤْمِنِينَ وكانَ إنْذارُهُما إعْمالًا لِفِعْلِ الأمْرِ في مَعانِيهِ كُلِّها مِنَ الدَّعْوَةِ إلى الإيمانِ وإلى صالِحِ الأعْمالِ؛ فَجَمَعَ النَّبِيءُ ﷺ بَيْنَ الإنْذارِ مِنَ الشِّرْكِ والإنْذارِ مِنَ المَعاصِي لِأنَّهُ أنْذَرَ صَفِيَّةَ وفاطِمَةَ وكانَتا مُسْلِمَتَيْنِ.
وفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ صَعَدَ النَّبِيءُ ﷺ عَلى الصَّفا فَجَعَلَ يُنادِي: يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ. لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إذا لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَخْرُجَ أرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ ما هو، فَجاءَ أبُو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ فَقالَ: أرَأيْتَكم لَوْ أخْبَرْتُكم أنَّ خَيْلًا بِالوادِي (p-٢٠٢)تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ عَلَيْكم أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قالُوا: نَعَمْ ما جَرَّبْنا عَلَيْكَ إلّا صِدْقًا. قالَ: فَإنِّي نَذِيرٌ لَكم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ. فَقالَ أبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سائِرَ اليَوْمِ ألِهَذا جَمَعْتَنا ؟ فَنَزَلَتْ ﴿تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ﴾ [المسد: ١] ﴿ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وما كَسَبَ﴾ [المسد»: ٢] .
وهَذا الحَدِيثُ يَقْتَضِي أنَّ سُورَةَ الشُّعَراءِ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ أبِي لَهَبٍ مَعَ أنَّ سُورَةَ أبِي لَهَبٍ عُدَّتِ السّادِسَةَ في عِدادِ السُّورِ وسُورَةَ الشُّعَراءِ عُدَّتِ السّابِعَةَ والأرْبَعِينَ. فالظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ نَزَلَ قَبْلَ سُورَةِ الشُّعَراءِ مُفْرَدًا، فَقَدْ جاءَ في بَعْضِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ: لَمّا نَزَلَتْ (وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ورَهْطَكَ مِنهُمُ المُخْلَصِينَ) وأنَّ ذَلِكَ نُسِخَ. فَلَعَلَّ الآيَةَ نَزَلَتْ أوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ نُسِخَتْ تِلاوَتُها ثُمَّ أُعِيدَ نُزُولُ بَعْضِها في جُمْلَةِ سُورَةِ الشُّعَراءِ.
والعَشِيرَةُ: الأدْنُونَ مِنَ القَبِيلَةِ، فَوَصْفُ (الأقْرَبِينَ) تَأْكِيدٌ لِمَعْنى العَشِيرَةِ واجْتِلابٌ لِقُلُوبِهِمْ إلى إجابَةِ ما دَعاهم إلَيْهِ وتَعْرِيضٌ بِأهْلِ الإدانَةِ مِنهم.
؎وظُلْمُ ذَوِي القُرْبى أشَدُّ مَضاضَةً عَلى المَرْءِ مِن وقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
.
وإلى هَذا يُشِيرُ النَّبِيءُ ﷺ في آخِرِ الدَّعْوَةِ المُتَقَدِّمَةِ «غَيْرَ أنَّ لَكم رَحِمًا سَأبُلُّها بِبَلالِها» أيْ: ذَلِكَ مُنْتَهى ما أمْلِكُ لَكم حِينَ لا أمْلِكُ لَكم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، فَيَحِقُّ عَلَيْكم أنْ تَبُلُّوا لِي رَحِمِي مِمّا تَمْلِكُونَ فَإنَّكم تَمْلِكُونَ أنْ تَسْتَجِيبُوا لِي.
وتَقَدَّمَ ذِكْرُ العَشِيرَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنْ كانَ آباؤُكم وأبْناؤُكم وإخْوانُكم وعَشِيرَتُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٤] في سُورَةِ بَراءَةَ.
{"ayah":"وَأَنذِرۡ عَشِیرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق