الباحث القرآني
﴿أتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ العالَمِينَ﴾ ﴿وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكم رَبُّكم مِن أزْواجِكم بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ﴾ .
هُوَ في الِاسْتِئْنافِ كَقَوْلِهِ: (أتُتْرَكُونَ) في قِصَّةِ ثَمُودَ. والإتْيانُ: كِنايَةٌ. والذُّكْرانَ: جَمْعُ ذَكَرٍ وهو ضِدُّ الأُنْثى. وقَوْلُهُ: (مِنَ العالَمِينَ) الأظْهَرُ فِيهِ أنَّهُ في (p-١٧٩)مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الواوِ في (أتَأْتُونَ) . و(مِن) فَصْلِيَّةٌ، أيْ: تُفِيدُ مَعْنى الفَصْلِ بَيْنَ مُتَخالِفَيْنِ بِحَيْثُ لا يُماثِلُ أحَدُهُما الآخَرُ. فالمَعْنى: مَفْصُولَيْنِ مِنَ العالَمِينَ لا يُماثِلُكم في ذَلِكَ صِنْفٌ مِنَ العالَمِينَ. وهَذا المَعْنى جَوَّزَهُ في الكَشّافِ ثانِيًا وهو أوْفَقُ بِمَعْنى (العالَمِينَ) الَّذِي المُخْتارُ فِيهِ أنَّهُ جَمْعُ (عالَمٍ) بِمَعْنى النَّوْعِ مِنَ المَخْلُوقاتِ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ الفاتِحَةِ.
وإثْباتُ مَعْنى الفَصْلِ لِحَرْفِ (مِن) قالَهُ ابْنُ مالِكٍ، ومَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠]، وقَوْلِهِ: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال: ٣٧] . ونَظَرَ فِيهِ ابْنُ هِشامٍ في مُغْنِي اللَّبِيبِ وهو مَعْنًى رَشِيقٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ مَعْنى الِابْتِداءِ ومَعْنى البَدَلِيَّةِ ولَيْسَ أحَدُهُما. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والمَعْنى: أتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مُخالِفِينَ جَمِيعَ العالَمِينَ مِنَ الأنْواعِ الَّتِي فِيها ذُكُورٌ وإناثٌ فَإنَّها لا يُوجَدُ فِيها ما يَأْتِي الذُّكُورَ.
فَهَذا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ هَذا الفِعْلَ الفَظِيعَ مُخالِفٌ لِلْفِطْرَةِ لا يَقَعُ مِنَ الحَيَوانِ العَجَمِ، فَهو عَمَلٌ ابْتَدَعُوهُ ما فَعَلَهُ غَيْرُهم، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعالى في الآيَةِ الأُخْرى: ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكم بِها مِن أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٨] .
والمُرادُ بِالأزْواجِ: الإناثُ مِن نَوْعٍ، وإطْلاقُ اسْمِ الأزْواجِ عَلَيْهِنَّ مَجازٌ مُرْسَلٌ بِعَلاقَةِ الأوَّلِ، فَفي هَذا المَجازِ تَعْرِيضٌ بِأنَّهُ يَرْجُو ارْعِواءَهم.
وفِي قَوْلِهِ: (﴿ما خَلَقَ لَكم رَبُّكُمْ﴾) إيماءٌ إلى الِاسْتِدْلالِ بِالصَّلاحِيَةِ الفِطْرِيَّةِ لِعَمَلٍ عَلى بُطْلانِ عَمَلٍ يُضادُّهُ؛ لِأنَّهُ مُنافٍ لِلْفِطْرَةِ. فَهو مِن تَغْيِيرِ الشَّيْطانِ وإفْسادِهِ لِسُنَّةِ الخَلْقِ والتَّكْوِينِ قالَ تَعالى حِكايَةً عَنْهُ: ﴿ولَآمُرَنَّهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] .
و(بَلْ) لِإضْرابِ الِانْتِقالِ مِن مَقامِ المَوْعِظَةِ والِاسْتِدْلالِ إلى مَقامِ الذَّمِّ تَغْلِيظًا لِلْإنْكارِ بَعْدَ لِينِهِ؛ لِأنَّ شَرَفَ الرِّسالَةِ يَقْتَضِي الإعْلانَ بِتَغْيِيرِ المُنْكَرِ والأخْذِ بِأصْرَحِ مَراتِبِ الإعْلانِ فَإنَّهُ إنِ اسْتَطاعَ بِلِسانِهِ غَلِيظَ الإنْكارِ لا يَنْزِلُ مِنهُ إلى لِينِهِ وأنَّهُ يَبْتَدِئُ بِاللِّينِ فَإنْ لَمْ يَنْفَعِ انْتَقَلَ مِنهُ إلى ما هو أشَدُّ ولِذَلِكَ انْتَقَلَ لُوطٌ مِن قَوْلِهِ: (p-١٨٠)﴿أتَأْتُونَ الذُّكْرانَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ﴾ .
وفِي الإتْيانِ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ في قَوْلِهِ: (﴿أنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ﴾) دُونَ أنْ يَقُولَ: بَلْ كُنْتُمْ عادِينَ، مُبالَغَةٌ في تَحْقِيقِ نِسْبَةِ العُدْوانِ إلَيْهِمْ. وفي جَعْلِ الخَبَرِ (قَوْمٌ عادُونَ) دُونَ اقْتِصارٍ عَلى (عادُونَ) تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ العُدْوانَ سَجِيَّةٌ فِيهِمْ حَتّى كَأنَّهُ مِن مُقَوِّماتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والعادِي: هو الَّذِي تَجاوَزَ حَدَّ الحَقِّ إلى الباطِلِ، يُقالُ: عَدا عَلَيْهِ، أيْ: ظَلَمَهُ، وعُدْوانُهم خُرُوجُهم عَنِ الحَدِّ المَوْضُوعِ بِوَضْعِ الفِطْرَةِ إلى ما هو مُنافٍ لَها مَحْفُوفٌ بِمَفاسِدِ التَّغْيِيرِ لِلطَّبْعِ.
{"ayahs_start":165,"ayahs":["أَتَأۡتُونَ ٱلذُّكۡرَانَ مِنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَ ٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ"],"ayah":"أَتَأۡتُونَ ٱلذُّكۡرَانَ مِنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











