﴿والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيامًا﴾ عَطْفُ صِفَةٍ أُخْرى عَلى صِفَتَيْهِمُ السّابِقَتَيْنِ عَلى حَدِّ قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎إلى المَلِكِ القَرِمِ وابْنِ الهُمامِ ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمِ
وإعادَةُ المَوْصُولِ لِتَأْكِيدِ أنَّهم يُعْرَفُونَ بِهَذِهِ الصِّلَةِ، والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ المَوْصُولاتِ وصِلاتِها كُلَّها أخْبارٌ أوْ أوْصافٌ لِعِبادِ الرَّحْمَنِ. رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ كانَ إذا قَرَأ (﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣]) قالَ: هَذا وصْفُ نَهارِهِمْ ثُمَّ إذا قَرَأ (﴿والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيامًا﴾) قالَ: هَذا وصْفُ لَيْلِهِمْ.
والقِيامُ: جَمْعُ قائِمٍ كالصِّحابِ، والسُّجُودُ والقِيامُ رُكْنا الصَّلاةِ، فالمَعْنى: يَبِيتُونَ يُصَلُّونَ، فَوَقَعَ إطْنابٌ في التَّعْبِيرِ عَنِ الصَّلاةِ بِرُكْنَيْها تَنْوِيهًا بِكِلَيْهِما. وتَقْدِيمُ (سُجَّدًا) عَلى (قِيامًا) لِلرَّعْيِ عَلى الفاصِلَةِ مَعَ الإشارَةِ إلى الِاهْتِمامِ بِالسُّجُودِ، وهو ما بَيَّنَهُ النَّبِيءُ ﷺ بِقَوْلِهِ: «أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ» . وكانَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَثِيرِي التَّهَجُّدِ كَما أثْنى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]) .
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدࣰا وَقِیَـٰمࣰا"}