الباحث القرآني
﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا مُبَشِّرًا ونَذِيرًا﴾ ﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إلّا مَن شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ .
لَمّا أفْضى الكَلامُ بِأفانِينِ انْتِقالاتِهِ إلى التَّعْجِيبِ مِنِ اسْتِمْرارِهِمْ عَلى أنْ يَعْبُدُوا ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهم أُعْقِبَ بِما يُومِئُ إلى اسْتِمْرارِهِمْ عَلى تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ في دَعْوى الرِّسالَةِ بِنِسْبَةِ ما بَلَّغَهُ إلَيْهِمْ إلى الإفْكِ، وأنَّهُ أساطِيرُ الأوَّلِينَ، وأنَّهُ سِحْرٌ، فَأُبْطِلَتْ دَعاوِيهِمْ كُلُّها بِوَصْفِ النَّبِيءِ بِأنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ، وقَصْرُهُ عَلى صِفَتَيِ التَّبْشِيرِ والنِّذارَةِ. وهَذا الكَلامُ الوارِدُ في الرَّدِّ عَلَيْهِمْ جامِعٌ بَيْنَ إبْطالِ إنْكارِهِمْ لِرِسالَتِهِ وبَيْنَ تَأْنِيسِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِأنَّهُ لَيْسَ بِمُضِلٍّ ولَكِنَّهُ مُبَشِّرٌ ونَذِيرٌ. وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأنْ لا يَحْزَنَ لِتَكْذِيبِهِمْ إيّاهُ.
ثُمَّ أمَرَهُ بِأنْ يُخاطِبَهم بِأنَّهُ غَيْرُ طامِعٍ مِن دَعْوَتِهِمْ في أنْ يَعْتَزَّ بِاتِّباعِهِمْ إيّاهُ (p-٥٨)حَتّى يَحْسَبُوا أنَّهم إنْ أعْرَضُوا عَنْهُ فَقَدْ بَلَغُوا مِنَ النِّكايَةِ بِهِ أمَلَهم، بَلْ ما عَلَيْهِ إلّا التَّبْلِيغُ بِالتَّبْشِيرِ والنِّذارَةِ لِفائِدَتِهِمْ لا يُرِيدُ مِنهُمُ الجَزاءَ عَلى عَمَلِهِ ذَلِكَ.
والأجْرُ: العِوَضُ عَلى العَمَلِ ولَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يُقْصَدُ بِهِ الجَزاءُ.
والِاسْتِثْناءُ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ أنْ يَكُونَ يَسْألُهم أجْرًا؛ لِأنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِن أحْوالٍ عامَّةٍ مَحْذُوفٍ ما يَدُلُّ عَلَيْها لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، والِاسْتِثْناءُ مِعْيارُ العُمُومِ، فَلِذَلِكَ كَثُرَ في كَلامِ العَرَبِ أنْ يُجْعَلَ تَأْكِيدُ الفِعْلِ في صُورَةِ الِاسْتِثْناءِ، ويُسَمّى تَأْكِيدَ المَدْحِ بما يُشْبِهُ الذَّمَّ، وبِعِبارَةٍ أتْقَنَ تَأْكِيدَ الشَّيْءِ بِما يُشْبِهُ ضِدَّهُ وهو مَرْتَبَتانِ: مِنهُ ما هو تَأْكِيدٌ مَحْضٌ، وهو ما كانَ المُسْتَثْنى فِيهِ مُنْقَطِعًا عَنِ المُسْتَثْنى مِنهُ أصْلًا كَقَوْلِ النّابِغَةِ:
؎ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهم بِهِنَّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ
فَإنَّ فُلُولَ سُيُوفِهِمْ لَيْسَ مِن جِنْسِ العَيْبِ فِيهِمْ بِحالٍ؛ ومِنهُ مَرْتَبَةُ ما هو تَأْكِيدٌ في الجُمْلَةِ وهو ما المُسْتَثْنى فِيهِ لَيْسَ مِن جِنْسِ المُسْتَثْنى مِنهُ لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنهُ بِالمُشابَهَةِ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ المُشَبَّهِ بِهِ بِما تَضَمَّنَهُ الِاسْتِثْناءُ كَما في قَوْلِهِ: (﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: ٢٣])؛ ألا تَرى أنَّهُ نَفى أنْ يَكُونَ يَسْألُهم أجْرًا عَلى الإطْلاقِ في قَوْلِهِ: (﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٦]) . فَقَوْلُهُ تَعالى: (﴿إلّا مَن شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾) مِن قَبِيلِ المَرْتَبَةِ الثّانِيَةِ؛ لِأنَّ الكَلامَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ يُناسِبُ أجْرًا؛ إذِ التَّقْدِيرُ: إلّا عَمَلَ مَن شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا، وذَلِكَ هو اتِّباعُ دِينِ الإسْلامِ. ولَمّا كانَ هَذا إجابَةً لِدَعْوَةِ الرَّسُولِ ﷺ أشْبَهَ الأجْرَ عَلى تِلْكَ الدَّعْوَةِ فَكانَ نَظِيرَ قَوْلِهِ (﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: ٢٣]) . وقَدْ يُسَمُّونَ مِثْلَ هَذا الِاسْتِثْناءِ الِاسْتِثْناءَ المُنْقَطِعَ ويُقَدِّرُونَهُ كالِاسْتِدْراكِ.
والسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ. واتِّخاذُ السَّبِيلِ تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ: (﴿يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٧]) . وجُعِلَ السَّبِيلُ هُنا إلى اللَّهِ، لِأنَّهُ وسِيلَةٌ إلى إجابَتِهِ فِيما دَعاهم إلَيْهِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مَآبًا﴾ [النبإ: ٣٩]) .
وذِكْرُ وصْفِ الرَّبِّ دُونَ الِاسْمِ العَلَمِ لِلْإشارَةِ إلى اسْتِحْقاقِهِ السَّيْرَ إلَيْهِ؛ لِأنَّ العَبْدَ مَحْقُوقٌ بِأنْ يَرْجِعَ إلى رَبِّهِ وإلّا كانَ آبِقًا.
{"ayahs_start":56,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا","قُلۡ مَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَاۤءَ أَن یَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلࣰا"],"ayah":"قُلۡ مَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَاۤءَ أَن یَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق