الباحث القرآني
﴿ويَوْمَ تَشَّقَّقُ السَّماءُ بِالغَمامِ ونُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ ﴿المُلْكُ يَومَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وكانَ يَوْمًا عَلى الكافِرِينَ عَسِيرًا﴾ .
عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ (﴿يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ﴾ [الفرقان: ٢٢]) . والمَقْصُودُ تَأْيِيسِهم مِنَ الِانْتِفاعِ بِأعْمالِهِمْ وبِآلِهَتِهِمْ وتَأْكِيدُ وعِيدِهِمْ. وأُدْمِجَ في ذَلِكَ وصْفُ بَعْضِ شُئُونِ ذَلِكَ اليَوْمِ، وأنَّهُ يَوْمُ تَنْزِيلِ المَلائِكَةِ بِمَرْأًى مِنَ النّاسِ.
وأُعِيدَ لَفْظُ (يَوْمَ) عَلى طَرِيقَةِ الإظْهارِ في مَقامِ الإضْمارِ، وإنْ كانَ ذَلِكَ يَوْمًا واحِدًا لِبُعْدِ ما بَيْنَ المَعادِ ومَكانِ الضَّمِيرِ.
والتَّشَقُّقُ: التَّفَتُّحُ بَيْنَ أجْزاءٍ مُلْتَئِمَةٍ، ومِنهُ (﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ١]) . ولَعَلَّهُ انْخِراقٌ يَحْصُلُ في كُوَرِ تِلْكَ العَوالِمِ، والَّذِينَ قالُوا: السَّماواتُ لا تَقْبَلُ الخَرْقَ ثُمَّ الِالتِئامَ بَنَوْهُ عَلى تَخَيُّلِهِمْ إيّاها كَقِبابٍ مِن مَعادِنَ صُلْبَةٍ، والحُكَماءُ لَمْ يَصِلُوا إلى حَقِيقَتِها حَتّى الآنَ.
وتَشَقُّقُ السَّماءِ حالَةٌ عَجِيبَةٌ تَظْهَرُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَعْناهُ زَوالُ الحَواجِزِ والحُدُودِ الَّتِي كانَتْ تَمْنَعُ المَلائِكَةَ مِن مُبارَحَةِ سَماواتِهِمْ إلّا مَن يُؤْذَنُ لَهُ بِذَلِكَ، فاللّامُ في المَلائِكَةِ لِلِاسْتِغْراقِ، أيْ بَيْنَ جَمْعِ المَلائِكَةِ، فَهو بِمَنزِلَةِ أنْ يُقالَ: يَوْمَ تُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ. قالَ: (﴿وفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أبْوابًا﴾ [النبإ: ١٩])؛ عَلى أنَّ التَّشَقُّقَ يُسْتَعْمَلُ في مَعْنى انْجِلاءِ النُّورِ كَما قالَ النّابِغَةُ.(p-١٠)
؎فانْشَقَّ عَنْها عَمُودُ الصُّبْـحِ جَـافِـلَةً عَدْوَ النَّحُوصِ تَخافُ القانِصَ اللَّحِما
وحاصِلُ المَعْنى: أنَّ هُنالِكَ انْبِثاقًا وانْتِفاقًا يُقارِنُهُ نُزُولُ المَلائِكَةِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الِانْشِقاقَ إذْنٌ لِلْمَلائِكَةِ بِالحُضُورِ إلى مَوْقِعِ الحَشْرِ والحِسابِ.
والتَّعْبِيرُ بِالتَّنْزِيلِ يَقْتَضِي أنَّ السَّماواتِ الَّتِي تَنْشَقُّ عَنِ المَلائِكَةِ أعْلى مِن مَكانِ حُضُورِ المَلائِكَةِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (تَشَّقَّقُ) بِتَشْدِيدِ الشِّينِ. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ.
والغَمامُ: السَّحابُ الرَّقِيقُ. وهو ما يَغْشى مَكانَ الحِسابِ قالَ تَعالى: (﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والمَلائِكَةُ وقُضِيَ الأمْرُ﴾ [البقرة: ٢١٠]) تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والباءُ في قَوْلِهِ (بِالغَمامِ) قِيلَ: بِمَعْنى (عَنْ)، أيْ: تَشَقَّقَ عَنْ غَمامٍ يَحُفُّ بِالمَلائِكَةِ. وقِيلَ: لِلسَّبَبِيَّةِ، أيْ: يَكُونُ غَمامٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِيهِ قُوَّةٌ تَنْشَقُّ بِها السَّماءُ لِيَنْزِلَ المَلائِكَةُ مِثْلُ قُوَّةِ البَرْقِ الَّتِي تَشُقُّ السَّحابَ. وقِيلَ: الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، أيْ: تَشَقَّقُ مُلابِسَةً لِغَمامٍ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ. ولَيْسَ في الآيَةِ ما يَقْتَضِي مُقارَنَةَ التَّشَقُّقِ لِنُزُولِ المَلائِكَةِ، ولا مُقارَنَةَ الغَمامِ لِلْمَلائِكَةِ، فَدَعِ الفَهْمَ يَذْهَبْ في تَرْتِيبِ ذَلِكَ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ.
وأكَّدَ (نُزِّلَ المَلائِكَةُ) بِالمَفْعُولِ المُطْلَقِ لِإفادَةِ أنَّهُ نُزُولٌ بِالذّاتِ لا بِمُجَرَّدِ الِاتِّصالِ النُّورانِيِّ مِثْلِ الخَواطِرِ المَلَكِيَّةِ الَّتِي تُشَعْشِعُ في نُفُوسِ أهْلِ الكَمالِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (ونُزِّلَ المَلائِكَةُ) بِنُونٍ واحِدَةٍ وتَشْدِيدِ الزّايِ وفَتْحِ اللّامِ ورَفْعِ (المَلائِكَةُ) مَبْنِيًّا لِلنّائِبِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ (ونُنْزِلُ) بِنُونَيْنِ أُولاهُما مَضْمُومَةٌ والثّانِيَةُ ساكِنَةٌ وبِضَمِّ اللّامِ ونَصْبِ (المَلائِكَةَ) .
وقَوْلُهُ: (المُلْكُ يَوْمَئِذٍ) هو صَدْرُ الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ (﴿ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالغَمامِ﴾)، وإنَّما قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْوَجْهِ المَذْكُورِ في تَقْدِيمِ قَوْلِهِ: (﴿يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ﴾ [الفرقان: ٢٢]) وكَذَلِكَ القَوْلُ في تَكْرِيرِ (يَوْمَئِذٍ) .
(p-١١)والحَقُّ: الخالِصُ، كَقَوْلِكَ: هَذا ذَهَبٌ حَقًّا. وهو المُلْكُ الظّاهِرُ أنَّهُ لا يُماثِلُهُ مُلْكٌ؛ لِأنَّ حالَةَ المُلْكِ في الدُّنْيا مُتَفاوِتَةٌ. والمُلْكُ الكامِلُ إنَّما هو لِلَّهِ، ولَكِنَّ العُقُولَ قَدْ لا تَلْتَفِتُ إلى ما في المُلُوكِ مِن نَقْصٍ وعَجْزٍ وتَبْهَرُهم بَهْرَجَةُ تَصَرُّفاتِهِمْ وعَطاياهم فَيَنْسَوْنَ الحَقائِقَ، فَأمّا في ذَلِكَ اليَوْمِ فالحَقائِقُ مُنْكَشِفَةٌ ولَيْسَ ثَمَّةَ مِن يَدَّعِي شَيْئًا مِنَ التَّصَرُّفِ، وفي الحَدِيثِ: ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ.
ووُصِفَ اليَوْمُ بِعَسِيرٍ بِاعْتِبارِ ما فِيهِ مِن أُمُورٍ عَسِيرَةٍ عَلى المُشْرِكِينَ.
وتَقْدِيمُ (عَلى الكافِرِينَ) لِلْحَصْرِ. وهو قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ: دُونَ المُؤْمِنِينَ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَیَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاۤءُ بِٱلۡغَمَـٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ تَنزِیلًا","ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَـٰنِۚ وَكَانَ یَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ عَسِیرࣰا"],"ayah":"ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَـٰنِۚ وَكَانَ یَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ عَسِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق