الباحث القرآني
﴿ألا إنَّ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ ويَوْمَ يُرْجَعُونَ إلَيْهِ فَيُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
تَذْيِيلٌ لِما تَقَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ كُلِّها. وافْتِتاحُهُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ إيذانٌ بِانْتِهاءِ الكَلامِ وتَنْبِيهٌ لِلنّاسِ لِيَعُوا ما يَرِدُ بَعْدَ حَرْفِ التَّنْبِيهِ، وهو أنَّ اللَّهَ (p-٣١٢)مالِكُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، فَهو يُجازِي عِبادَهُ بِما يَسْتَحِقُّونَ وهو عالِمٌ بِما يَفْعَلُونَ.
ومَعْنى (ما أنْتُمْ عَلَيْهِ) الأحْوالُ المُلابِسِينَ لَها مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، فَحَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ مُسْتَعارٌ لِلتَّمَكُّنِ.
وذَكَّرَهم بِالمَعادِ إذْ كانَ المُشْرِكُونَ والمُنافِقُونَ مُنْكِرِينَهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَيُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا﴾ كِنايَةٌ عَنِ الجَزاءِ؛ لِأنَّ إعْلامَهم بِأعْمالِهِمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كِنايَةً عَنِ الجَزاءِ لَما كانَتْ لَهُ جَدْوى.
وقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ﴾؛ لِأنَّهُ أعَمُّ مِنهُ.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ لَطِيفَةُ الِاطِّلاعِ عَلى أحْوالِهِمْ؛ لِأنَّهم كانُوا يَسْتُرُونَ نِفاقَهم.
* * *
(p-٣١٣)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الفُرْقانِ
سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ سُورَةَ الفُرْقانِ في عَهْدِ النَّبِيءِ ﷺ وبِمَسْمَعٍ مِنهُ. فَفي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ: «سَمِعْتُ هِشامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقانِ في حَياةِ رَسُولِ اللَّهِ فاسْتَمَعْتُ لِقِراءَتِهِ، فَإذا هو يَقْرَأُ عَلى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيها رَسُولُ اللَّهِ فَكِدْتُ أساوِرُهُ في الصَّلاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدائِهِ فانْطَلَقْتُ بِهِ أقُودُهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: إنِّي سَمِعْتُ هَذا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقانِ عَلى حُرُوفِ لَمْ تُقْرِئْنِيها» . . الحَدِيثَ.
ولا يُعْرَفُ لِهَذِهِ السُّورَةِ اسْمٌ غَيْرُ هَذا. والمُؤَدِّبُونَ مِن أهْلِ تُونِسَ يُسَمُّونَها (تَبارَكَ الفُرْقانُ) كَما يُسَمَّوْنَ (سُورَةَ المُلْكِ) تَبارَكَ، وتَبارَكَ المَلِكُ.
ووَجْهُ تَسْمِيَتِها (سُورَةُ الفُرْقانِ) لِوُقُوعِ لَفْظِ الفُرْقانِ فِيها. ثَلاثَ مَرّاتٍ في أوَّلِها ووَسَطِها وآخِرِها.
وهِيَ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ اسْتَثْنى مِنها ثَلاثَ آياتٍ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨] إلى قَوْلِهِ: ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠] . والصَّحِيحُ عَنْهُ أنَّ هَذِهِ الآياتِ الثَّلاثَ مَكِّيَّةٌ كَما في صَحِيحِ البُخارِيِّ في تَفْسِيرِ الفُرْقانِ: ( عَنِ القاسِمِ بْنِ أبِي بَزَّةَ أنَّهُ سَألَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: هَلْ لِمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِن تَوْبَةٍ ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ ﴿ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] . فَقالَ سَعِيدٌ: قَرَأْتَها عَلى ابْنِ عَبّاسٍ كَما قَرَأْتَها عَلَيَّ ؟ فَقالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْها آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ الَّتِي في سُورَةِ النِّساءِ. يُرِيدُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣] الآيَةَ. وعَنِ الضَّحّاكِ: أنَّها مَدَنِيَّةٌ إلّا الآياتُ الثَّلاثُ مِن أوَّلِها إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٣] .
(p-٣١٤)وأُسْلُوبُ السُّورَةِ وأغْراضُها شاهِدَةٌ بِأنَّها مَكِّيَّةٌ.
وهِيَ السُّورَةُ الثّانِيَةُ والأرْبَعُونَ في تَرْتِيبِ النُّزُولِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ يس وقَبْلَ سُورَةِ فاطِرٍ، وعَدَدُ آياتِها سَبْعٌ وسَبْعُونَ بِاتِّفاقِ أهْلِ العَدَدِ.
* * *
أغْراضُ هَذِهِ السُّورَةِ
واشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلى الِابْتِداءِ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعالى وإنْشاءِ الثَّناءِ عَلَيْهِ، ووَصْفِهِ بِصِفاتِ الإلَهِيَّةِ والوَحْدانِيَّةِ فِيها.
وأُدْمِجَ في ذَلِكَ التَّنْوِيهُ بِالقُرْآنِ، وجَلالُ مَنزِلِهِ، وما فِيهِ مِنَ الهُدى، وتَعْرِيضٌ بِالِامْتِنانِ عَلى النّاسِ بِهَدْيِهِ وإرْشادِهِ إلى اتِّقاءِ المَهالِكِ، والتَّنْوِيهُ بِشَأْنِ النَّبِيءِ ﷺ .
وأُقِيمَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلى ثَلاثِ دَعائِمَ: الأُولى: إثْباتُ أنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ، والتَّنْوِيهُ بِالرَّسُولِ المُنَزَّلِ عَلَيْهِ ﷺ، ودَلائِلُ صِدْقِهِ، ورِفْعَةِ شَأْنِهِ عَنْ أنْ تَكُونَ لَهُ حُظُوظُ الدُّنْيا، وأنَّهُ عَلى طَرِيقَةِ غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ، ومِن ذَلِكَ تَلَقِّي قَوْمِهِ دَعْوَتَهُ بِالتَّكْذِيبِ.
الدِّعامَةُ الثّانِيَةُ: إثْباتُ البَعْثِ والجَزاءِ، والإنْذارُ بِالجَزاءِ في الآخِرَةِ، والتَّبْشِيرُ بِالثَّوابِ فِيها لِلصّالِحِينَ، وإنْذارُ المُشْرِكِينَ بِسُوءِ حَظِّهِمْ يَوْمَئِذٍ، وتَكُونُ لَهُمُ النَّدامَةُ عَلى تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ وعَلى إشْراكِهِمْ واتِّباعِ أيِمَّةِ كُفْرِهِمْ.
الدِّعامَةُ الثّالِثَةُ: الِاسْتِدْلالُ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ، وتَفَرُّدِهِ بِالخَلْقِ، وتَنْزِيهِهِ عَنْ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ أوْ شَرِيكٌ، وإبْطالُ إلَهِيَّةِ الأصْنامِ، وإبْطالُ ما زَعَمُوهُ مِن بُنُوَّةِ المَلائِكَةِ لِلَّهِ تَعالى.
وافْتُتِحَتْ في آياتِ كُلِّ دِعامَةٍ مِن هَذِهِ الثَّلاثِ بِجُمْلَةِ (تَبارَكَ الَّذِي) إلَخْ.
قالَ الطِّيبِيُّ: مَدارُ هَذِهِ السُّورَةِ عَلى كَوْنِهِ ﷺ مَبْعُوثًا إلى النّاسِ كافَّةً يُنْذِرُهم ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم، ولِهَذا جَعَلَ بَراعَةَ اسْتِهْلالِها (p-٣١٥)﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١]
وذَكَرَ بَدائِعَ مِن صُنْعِهِ تَعالى جَمْعًا بَيْنَ الِاسْتِدْلالِ والتَّذْكِيرِ.
وأعْقَبَ ذَلِكَ بِتَثْبِيتِ الرَّسُولِ ﷺ عَلى دَعْوَتِهِ ومُقاوَمَتِهِ الكافِرِينَ.
وضَرَبَ الأمْثالَ لِلْحالَيْنِ بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ السّابِقِينَ وما لَقَوْا مِن أقْوامِهِمْ مِثْلَ قَوْمِ مُوسى وقَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ وأصْحابِ الرَّسِّ وقَوْمِ لُوطٍ.
والتَّوَكُّلُ عَلى اللَّهِ، والثَّناءُ عَلى المُؤْمِنِينَ بِهِ، ومَدْحُ خِصالِهِمْ ومَزايا أخْلاقِهِمْ، والإشارَةُ إلى عَذابٍ قَرِيبٍ يَحُلُّ بِالمُكَذِّبِينَ.
{"ayah":"أَلَاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ یَعۡلَمُ مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ وَیَوۡمَ یُرۡجَعُونَ إِلَیۡهِ فَیُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا۟ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق