الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾ هَذِهِ صِفَةٌ أُخْرى مِن جَلائِلِ صِفاتِ المُؤْمِنِينَ تَنْحَلُّ إلى فَضِيلَتَيْنِ هُما: فَضِيلَةُ أداءِ الأمانَةِ الَّتِي يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْها وفَضِيلَةُ الوَفاءِ بِالعَهْدِ.
(p-١٦)فالأمانَةُ تَكُونُ غالِبًا مِنَ النَّفائِسِ الَّتِي يَخْشى صاحِبُها عَلَيْها التَّلَفَ فَيَجْعَلُها عِنْدَ مَن يَظُنُّ فِيهِ حِفْظَها، وفي الغالِبِ يَكُونُ ذَلِكَ عَلى انْفِرادٍ بَيْنَ المُؤْتَمِنِ والأمِينِ، فَهي لِنَفاسَتِها قَدْ تُغْرِي الأمِينَ عَلَيْها بِأنْ لا يَرُدَّها وبِأنْ يَجْحَدَها رَبَّها، ولِكَوْنِ دَفْعِها في الغالِبِ عَرِيًّا عَنِ الإشْهادِ تَبْعَثُ مَحَبَّتُها الأمِينَ عَلى التَّمَسُّكِ بِها وعَدَمِ رَدِّها، فَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ رَدَّها مِن شُعَبِ الإيمانِ.
وقَدْ جاءَ في الحَدِيثِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ قالَ: «حَدَّثَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنَّ الأمانَةَ نَزَلَتْ في جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»، وحَدَّثَنا عَنْ رَفْعِها قالَ: «يَنامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمانَةُ مِن قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أثَرُها مِثْلَ أثَرِ الوَكْتِ ثُمَّ يَنامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقى أثَرُها مِثْلَ المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَراهُ مُنْتَبِرًا ولَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَيُصْبِحُ النّاسُ يَتَبايَعُونَ فَلا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمانَةَ، فَيُقالُ: إنَّ في بَنِي فُلانٍ رَجُلًا أمِينًا، ويُقالُ لِلرَّجُلِ: ما أعْقَلَهُ وما أظْرَفَهُ وما أجْلَدَهُ وما في قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن إيمانٍ» اهـ.
الوَكْتُ: سَوادٌ يَكُونُ في قِشْرِ التَّمْرِ. والمَجْلُ: انْتِفاخٌ في الجِلْدِ الرَّقِيقِ يَكُونُ شِبْهَ قِشْرِ العِنَبَةِ يَنْشَأُ مِن مَسِّ النّارِ الجِلْدَ ومِن كَثْرَةِ العَمَلِ بِاليَدِ، وقَوْلُهُ: («مِثْقالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن إيمانٍ» ): هو مَصْدَرُ آمَنَهُ، أيْ: وما في قَرارَةِ نَفْسِهِ مِن إيمانِ النّاسِ إيّاهُ فَلا يَأْتَمِنُهُ إلّا مَغْرُورٌ.
وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الأمانَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكم أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهْلِها﴾ [النساء: ٥٨] في سُورَةِ النِّساءِ.
وجَمَعَ (الأماناتِ) بِاعْتِبارِ تَعَدُّدِ أنْواعِها وتَعَدُّدِ القائِمِينَ بِالحِفْظِ تَنْصِيصًا عَلى العُمُومِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (لِأماناتِهِمْ) بِصِيغَةِ الجَمْعِ، وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ (لِأمانَتِهِمْ) بِالإفْرادِ بِاعْتِبارِ المَصْدَرِ مِثْلَ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] .
(p-١٧)والعَهْدُ: التِزامٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أوْ أكْثَرَ عَلى شَيْءٍ يُعامِلُ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الجانِبَيْنِ الآخَرَ بِهِ. وسُمِّيَ عَهْدًا لِأنَّهم يَتَحالَفانِ بِعَهْدِ اللَّهِ، أيْ: بِأنْ يَكُونَ اللَّهُ رَقِيبًا عَلَيْهِما في ذَلِكَ لا يُفِيتُهُمُ المُؤاخَذَةَ عَلى تَخَلُّفِهِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ [البقرة: ٢٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والوَفاءُ بِالعَهْدِ مِن أعْظَمِ الخُلُقِ الكَرِيمِ لِدَلالَتِهِ عَلى شَرَفِ النَّفْسِ وقُوَّةِ العَزِيمَةِ، فَإنَّ المَرْأيْنِ قَدْ يَلْتَزِمُ كُلُّ مِنهُما لِلْآخَرِ عَمَلًا عَظِيمًا فَيُصادِفُ أنْ يَتَوَجَّهَ الوَفاءُ بِذَلِكَ الِالتِزامِ عَلى أحَدِهِما فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ أنْ يَتَجَشَّمَ عَمَلًا لِنَفْعِ غَيْرِهِ بِدُونِ مُقابِلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ هو، فَتُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ الخَتْرَ بِالعَهْدِ شُحًّا أوْ خَوْرًا في العَزِيمَةِ، فَلِذَلِكَ كانَ الوَفاءُ بِالعَهْدِ عَلامَةً عَلى عِظَمٍ النَّفْسِ، قالَ تَعالى: ﴿وأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٤] .
والرَّعْيُ: مُراقَبَةُ شَيْءٍ بِحِفْظِهِ مِنَ التَّلاشِي وبِإصْلاحِ ما يَفْسَدُ مِنهُ، فَمِنهُ رَعْيُ الماشِيَةِ، ومِنهُ رَعْيُ النّاسِ، ومِنهُ أُطْلِقَتِ المُراعاةُ عَلى ما يَسْتَحِقُّهُ ذُو الأخْلاقِ الحَمِيدَةِ مِن حُسْنِ المُعامَلَةِ. والقائِمُ بِالرَّعْيِ: راعٍ.
فَرَعْيُ الأمانَةِ: حِفْظُها. ولَمّا كانَ الحِفْظُ مَقْصُودًا لِأجْلِ صاحِبِها كانَ رَدُّها إلَيْهِ أوْلى مِن حِفْظِها.
ورَعْيُ العَهْدِ مَجازٌ، أيْ: مُلاحَظَتُهُ عِنْدَ كُلِّ مُناسَبَةٍ.
والقَوْلُ في تَقْدِيمٍ (﴿لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ﴾) عَلى (راعُونَ) كالقَوْلِ في نَظائِرِهِ السّابِقَةِ، وكَذَلِكَ إعادَةُ اسْمِ المَوْصُولِ.
والجَمْعُ بَيْنَ رَعْيِ الأماناتِ ورَعْيِ العَهْدِ؛ لِأنَّ العَهْدَ كالأمانَةِ؛ لِأنَّ الَّذِي عاهَدَكَ قَدِ ائْتَمَنَكَ عَلى الوَفاءِ بِما يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ العَهْدُ.
وذَكَرَهُما عَقِبَ أداءِ الزَّكاةِ؛ لِأنَّ الزَّكاةَ أمانَةُ اللَّهِ عِنْدَ الَّذِينَ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالمالِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَتْ: حَقَّ اللَّهِ، وحَقَّ المالِ، وحَقَّ المِسْكِينِ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق