الباحث القرآني
﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ﴾ ﴿فَأوْحَيْنا إلَيْهِ أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا فَإذا جاءَ أمْرُنا وفارَ التَّنُّورُ فاسْلُكْ فِيها مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ مِنهم ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾
(p-٤٥)اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ؛ لِأنَّ ما حُكِيَ عَنْ صَدِّهِمُ النّاسَ عَنْ تَصْدِيقِ دَعْوَةِ نُوحٍ وما لَفَّقُوهُ مِنَ البُهْتانِ في نِسْبَتِهِ إلى الجُنُونِ، مِمّا يُثِيرُ سُؤالَ مَن يَسْألُ عَمّاذا صَنَعَ نُوحٌ حِينَ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ فَيُجابُ بِأنَّهُ قالَ: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي﴾ إلَخْ.
ودُعاؤُهُ بِطَلَبِ النَّصْرِ يَقْتَضِي أنَّهُ عَدَّ فِعْلَهم مَعَهُ اعْتِداءً عَلَيْهِ بِوَصْفِهِ رَسُولًا مِن عِنْدِ رَبِّهِ.
والنَّصْرُ: تَغْلِيبُ المُعْتَدى عَلَيْهِ عَلى المُعْتَدِي، فَقَدْ سَألَ نُوحٌ نَصْرًا مُجْمَلًا كَما حُكِيَ هُنا، وأعْلَمَهُ اللَّهُ أنَّهُ لا رَجاءَ في إيمانِ قَوْمِهِ إلّا مَن آمَنَ مِنهم كَما جاءَ في سُورَةِ هُودٍ، فَلا رَجاءَ في أنْ يَكُونَ نَصْرُهُ بِرُجُوعِهِمْ إلى طاعَتِهِ وتَصْدِيقِهِ واتِّباعِ مِلَّتِهِ، فَسَألَ نُوحٌ حِينَ ذاكَ نَصْرًا خاصًّا وهو اسْتِئْصالُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا كَما جاءَ في سُورَةِ نُوحٍ ﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نوح: ٢٦] ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ﴾ [نوح: ٢٧] . فالتَّعْقِيبُ الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى هُنا: ﴿فَأوْحَيْنا إلَيْهِ﴾ تَعْقِيبٌ بِتَقْدِيرِ جُمَلٍ مَحْذُوفَةٍ كَما عَلِمْتَ، وهو إيجازٌ في حِكايَةِ القِصَّةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] إلَخْ في سُورَةِ الشُّعَراءِ.
والباءُ في (﴿بِما كَذَّبُونِ﴾) سَبَبِيَّةٌ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ النَّصْرِ المَأْخُوذِ مِن فِعْلِ الدُّعاءِ، أيْ نَصْرًا كائِنًا بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ، فَجَعَلَ حَظَّ نَفْسِهِ فِيما اعْتَدَوْا عَلَيْهِ مُلْغًى واهْتَمَّ بِحَظِّ الرِّسالَةِ عَنِ اللَّهِ؛ لِأنَّ الِاعْتِداءَ عَلى الرَّسُولِ اسْتِخْفافٌ بِمَن أرْسَلَهُ.
وجُمْلَةُ (أنِ اصْنَعْ) جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِجُمْلَةِ ”أوْحَيْنا“؛ لِأنَّ فِعْلَ (أوْحَيْنا) فِيهِ مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ، وتَقَدَّمَ نَظِيرُ جُمْلَةِ ﴿واصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا ووَحْيِنا﴾ [هود: ٣٧] في سُورَةِ هُودٍ.
(p-٤٦)وفُرِّعَ عَلى الأمْرِ بِصُنْعِ الفُلْكِ تَفْصِيلُ ما يَفْعَلُهُ عِنْدَ الحاجَةِ إلى اسْتِعْمالِ الفُلْكِ فَوُقِّتَ لَهُ اسْتِعْمالُهُ بِوَقْتِ الِاضْطِرارِ إلى إنْجاءِ المُؤْمِنِينَ والحَيَوانِ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مَعْنى ﴿وفارَ التَّنُّورُ﴾ ومَعْنى ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ﴾ في سُورَةِ هُودٍ.
والزَّوْجُ: اسْمٌ لِكُلِّ شَيْءٍ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ مُتَّصِلٌ بِهِ بِحَيْثُ يَجْعَلُهُ شَفْعًا في حالَةٍ ما. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ هُودٍ. وإنَّما عُبِّرَ هُنالِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْنا احْمِلْ فِيها﴾ [هود: ٤٠] وهُنا بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْلُكْ فِيها﴾؛ لِأنَّ آيَةَ سُورَةِ هُودٍ حَكَتْ ما خاطَبَهُ اللَّهُ بِهِ عِنْدَ حُدُوثِ الطُّوفانِ وذَلِكَ وقْتٌ ضَيِّقٌ فَأُمِرَ بِأنْ يَحْمِلَ في السَّفِينَةِ مَن أرادَ اللَّهُ إبْقاءَهم، فَأُسْنِدَ الحَمْلُ إلى نُوحٍ تَمْثِيلًا لِلْإسْراعِ بِإرْكابِ ما عُيِّنَ لَهُ في السَّفِينَةِ حَتّى كَأنَّ حالَهُ في إدْخالِهِ إيّاهم حالُ مَن يَحْمِلُ شَيْئًا لِيَضَعَهُ في مَوْضِعٍ، وآيَةُ هَذِهِ السُّورَةِ حَكَتْ ما خاطَبَهُ اللَّهُ بِهِ مِن قَبْلِ حُدُوثِ الطُّوفانِ إنْباءً بِما يَفْعَلُهُ عِنْدَ حُدُوثِ الطُّوفانِ فَأمَرَهُ بِأنَّهُ حِينَئِذٍ يُدْخِلُ في السَّفِينَةِ مَن عَيَّنَ اللَّهُ إدْخالَهم، مَعَ ما في ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ في حِكايَةِ القِصَّةِ.
ومَعْنى (اسْلُكْ): أدْخِلْ، وفِعْلُ (سَلَكَ) يَكُونُ قاصِرًا بِمَعْنى: دَخَلَ ومُتَعَدِّيًا بِمَعْنى: أدْخَلَ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما سَلَكَكم في سَقَرَ﴾ [المدثر: ٤٢] . وقَوْلُ الأعْشى:
؎كَما سَلَكَ السَّكِّيَّ في البابِ فَيْتَقُ
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِ قَوْلِهِ: ﴿ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ في سُورَةِ هُودٍ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ﴾ بِإضافَةِ (كُلٍّ) إلى (زَوْجَيْنِ) . وقَرَأهُ حَفْصٌ بِالتَّنْوِينِ (كُلٍّ) عَلى أنْ يَكُونَ (زَوْجَيْنِ) مَفْعُولَ (فاسْلُكْ)، وتَنْوِينُ (كُلٍّ) تَنْوِينُ عِوَضٍ يُشْعِرُ بِمَحْذُوفٍ أُضِيفَ إلَيْهِ (كُلٍّ) . وتَقْدِيرُهُ: مِن كُلِّ ما أمَرْتُكَ أنْ تَحْمِلَهُ في السَّفِينَةِ.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ","فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا فَإِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَـٰطِبۡنِی فِی ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ"],"ayah":"قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی بِمَا كَذَّبُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











