الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ ﴿فَقالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم يُرِيدُ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكم ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَأنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهَذا في آبائِنا الأوَّلِينَ﴾ ﴿إنْ هو إلّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ﴾ لَمّا كانَ الِاسْتِدْلالُ والِامْتِنانُ اللَّذانِ تَقَدَّما مُوَجَّهَيْنِ إلى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالنَّبِيءِ ﷺ واعْتَلُّوا لِذَلِكَ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِرِسالَةِ بَشَرٍ مِثْلِهِمْ وسَألُوا إنْزالَ مَلائِكَةٍ ووَسَمُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالجُنُونِ، فَلَمّا شابَهُوا بِذَلِكَ قَوْمَ نُوحٍ ومَن جاءَ بَعْدَهم ناسَبَ أنْ يُضْرَبَ لَهم بِقَوْمِ نُوحٍ مَثَلٌ تَحْذِيرًا مِمّا أصابَ قَوْمَ نُوحٍ مِنَ العَذابِ. وقَدْ جَرى في أثْناءِ الِاسْتِدْلالِ والِامْتِنانِ ذِكْرُ الحَمْلِ في الفُلْكِ فَكانَ ذَلِكَ مُناسَبَةً لِلِانْتِقالِ فَحَصَلَ بِذَلِكَ حُسْنُ التَّخَلُّصِ، فَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ قَصَصِ الرُّسُلِ إمّا اسْتِطْرادًا في خِلالِ الِاسْتِدْلالِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ، وإمّا انْتِقالًا كَما سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ﴾ [المؤمنون: ٧٨] .
وتَصْدِيرُ الجُمْلَةِ بِلامِ القَسَمِ تَأْكِيدٌ لِلْمَضْمُونِ التَّهْدِيدِيِّ مِنَ القِصَّةِ، فالمَعْنى تَأْكِيدُ الإرْسالِ إلى نُوحٍ وما عَقَّبَ بِهِ ذَلِكَ.
(p-٤١)وعَطْفُ مَقالَةِ نُوحٍ عَلى جُمْلَةِ إرْسالِهِ بِفاءِ التَّعْقِيبِ لِإفادَةِ أدائِهِ رِسالَةَ رَبِّهِ بِالفَوْرِ مِن أمْرِهِ وهو شَأْنُ الِامْتِثالِ.
وأمْرُهُ قَوْمَهُ بِأنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ يَقْتَضِي أنَّهم كانُوا مُعْرِضِينَ عَنْ عِبادَةِ اللَّهِ بِأنْ أقْبَلُوا عَلى عِبادَةِ أصْنامِهِمْ: (ودٍّ، وسُواعَ، ويَغُوثَ، ويَعُوقَ، ونَسْرٍ) حَتّى أهْمَلُوا عِبادَةَ اللَّهِ ونَسُوها. وكَذَلِكَ حُكِيَتْ دَعْوَةُ نُوحٍ قَوْمَهُ في أكْثَرِ الآياتِ بِصِيغَةِ أمْرٍ بِأصْلِ عِبادَةِ اللَّهِ دُونَ الأمْرِ بِقَصْرِ عِبادَتِهِمْ عَلى اللَّهِ مَعَ الدَّلالَةِ عَلى أنَّهم ما كانُوا يُنْكِرُونَ وُجُودَ اللَّهِ ولِذَلِكَ عَقَّبَ كَلامَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ .
ويَدُلُّ عَلى هَذا قَوْلُهم ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَأنْزَلَ مَلائِكَةً﴾ فَهم مُثْبِتُونَ لِوُجُودِ اللَّهِ. فَجُمْلَةُ ﴿ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ في مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ لِلْأمْرِ بِعِبادَتِهِ وهو تَعْلِيلٌ أخَصُّ مِنَ المُعَلَّلِ، وهو أوْقَعُ لِما فِيهِ مِنَ الإيجازِ لِاقْتِضائِهِ مَعْنى: اعْبُدُوا اللَّهَ وحْدَهُ. فالمَعْنى: اعْبُدُوا اللَّهَ الَّذِي تَرَكْتُمْ عِبادَتَهُ وهو إلَهُكم دُونَ غَيْرِهِ فَلا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ العِبادَةَ فَلا تَعْبُدُوا أصْنامَكم مَعَهُ.
و(غَيْرُهُ) نَعْتٌ لِـ (إلَهٍ) قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ عَلى اعْتِبارِ مَحَلِّ المَنعُوتِ بِـ (غَيْرِ)؛ لِأنَّ المَنعُوتَ مَجْرُورٌ بِحَرْفِ جَرٍّ زائِدٍ. وقَرَأهُ الكِسائِيُّ بِالجَرِّ عَلى اعْتِبارِ اللَّفْظِ المَجْرُورِ بِالحَرْفِ الزّائِدِ.
وفُرِّعَ عَلى الأمْرِ بِإفْرادِهِ بِالعِبادَةِ اسْتِفْهامُ إنْكارٍ عَلى عَدَمِ اتِّقائِهِمْ عَذابَ اللَّهِ تَعالى. وقَدْ خُولِفَتْ في حِكايَةِ جَوابِ المَلَأِ مِن قَوْمِهِ الطَّرِيقَةُ المَأْلُوفَةُ في القُرْآنِ في حِكايَةِ المُحاوَراتِ وهي تَرْكُ العَطْفِ الَّتِي جَرى عَلَيْها قَوْلُهُ: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ. فَعُطِفَ هُنا جَوابُ المَلَأِ مِن قَوْمِهِ بِالفاءِ لِوَجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهم لَمْ يُوَجِّهُوا الكَلامَ إلَيْهِ بَلْ تَرَكُوهُ، وأقْبَلُوا عَلى قَوْمِهِمْ يُفَنِّدُونَ لَهم ما دَعاهم إلَيْهِ نُوحٌ.
والثّانِي: لِيُفادَ أنَّهم أسْرَعُوا لِتَكْذِيبِهِ وتَزْيِيفِ دَعْوَتِهِ قَبْلَ النَّظَرِ. ووَصْفُ المَلَأِ بِأنَّهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْإيماءِ إلى أنَّ كُفْرَهم هو الَّذِي أنْطَقَهم (p-٤٢)بِهَذا الرَّدِّ عَلى نُوحٍ، وهو تَعْرِيضٌ بِأنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الرَّدِّ لا نُهُوضَ لَهُ ولَكِنَّهم رَوَّجُوا بِهِ كُفْرَهم خَشْيَةً عَلى زَوالِ سِيادَتِهِمْ.
وقَوْلُهُ: (مِن قَوْمِهِ) صِفَةٌ ثانِيَةٌ.
وقَوْلُ المَلَأِ مِن قَوْمِهِ: ﴿ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ خاطَبَ بِهِ بَعْضُهم بَعْضًا؛ إذِ المَلَأُ هُمُ القَوْمُ ذَوُو السِّيادَةِ والشّارَةِ، أيْ فَقالَ عُظَماءُ القَوْمِ لِعامَّتِهِمْ.
وإخْبارُهم بِأنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهم مُسْتَعْمَلٌ كِنايَةً عَنْ تَكْذِيبِهِ في دَعْوى الرِّسالَةِ بِدَلِيلٍ مِن ذاتِهِ، أوْهَمُوهم أنَّ المُساواةَ في البَشَرِيَّةِ مانِعَةٌ مِنَ الوَساطَةِ بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ خَلْقِهِ، وهَذا مِنَ الأوْهامِ الَّتِي أضَلَّتْ أُمَمًا كَثِيرَةً. واسْمُ الإشارَةِ مُنْصَرِفٌ إلى نُوحٍ وهو يَقْتَضِي أنَّ كَلامَ المَلَأِ وقَعَ بِحَضْرَةِ نُوحٍ في وقْتِ دَعْوَتِهِ، فَعَدَلُوا مِنَ اسْمِهِ العَلَمِ إلى الإشارَةِ؛ لِأنَّ مَقْصُودَهم تَصْغِيرُ أمْرِهِ وتَحْقِيرُهُ لَدى عامَّتِهِمْ كَيْلا يَتَقَبَّلُوا قَوْلَهُ. وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذا في سُورَةِ هُودٍ.
وزادَتْ هَذِهِ القِصَّةُ بِحِكايَةِ قَوْلِهِمْ ﴿يُرِيدُ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ فَإنَّ سادَةَ القَوْمِ ظَنُّوا أنَّهُ ما جاءَ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ إلّا حُبًّا في أنْ يُسَوَّدَ عَلى قَوْمِهِمْ فَخَشُوا أنْ تَزُولَ سِيادَتُهم وهم بِجَهْلِهِمْ لا يَتَدَبَّرُونَ أحْوالَ النُّفُوسِ ولا يَنْظُرُونَ مَصالِحَ النّاسِ ولَكِنَّهم يَقِيسُونَ غَيْرَهم عَلى مِقْياسِ أنْفُسِهِمْ.
فَلَمّا كانَتْ مَطامِحُ أنْفُسِهِمْ حُبَّ الرِّئاسَةِ والتَّوَسُّلَ إلَيْها بِالِانْتِصابِ لِخِدْمَةِ الأصْنامِ تَوَهَّمُوا أنَّ الَّذِي جاءَ بِإبْطالِ عِبادَةِ الأصْنامِ إنَّما أرادَ مُنازَعَتَهم سُلْطانَهم.
والتَّفَضُّلُ: تَكَلُّفُ الفَضْلِ وطَلَبُهُ، والفَضْلُ أصْلُهُ الزِّيادَةُ ثُمَّ شاعَ في زِيادَةِ الشَّرَفِ والرِّفْعَةِ، أيْ أنْ يَكُونَ أفْضَلَ النّاسِ؛ لِأنَّهُ نَسَبَهم كُلَّهم إلى الضَّلالِ.
وقَوْلُهم ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَأنْزَلَ مَلائِكَةً﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ بَعْدَ أنْ مَهَّدُوا لَهُ بِأنَّ البَشَرِيَّةَ مانِعَةٌ مِن أنْ يَكُونَ صاحِبُها رَسُولًا لِلَّهِ.
وحَذْفُ مَفْعُولِ فِعْلِ المَشِيئَةِ لِظُهُورِهِ مِن جَوابِ (لَوْ)، أيْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ إرْسالَ (p-٤٣)رَسُولٍ لَأنْزَلَ مَلائِكَةً رُسُلًا. وحَذْفُ مَفْعُولِ المَشِيئَةِ جائِزٌ إذا دَلَّتْ عَلَيْهِ القَرِينَةُ، وذَلِكَ مِنَ الإيجازِ. ولا يَخْتَصُّ بِالمَفْعُولِ الغَرِيبِ مِثْلَما قالَ صاحِبُ المِفْتاحِ: ألا تَرى قَوْلَ المَعَرِّي:
؎وإنْ شِئْتَ فازْعُمْ أنَّ مَن فَوْقَ ظَهْرِها عَبِيدُكَ واسْتَشْهِدْ إلَـهَـكَ يَشْـهَـدِ
وهَلْ أغْرَبُ مِن هَذا الزَّعْمِ لَوْ كانَتِ الغَرابَةُ مُقْتَضِيَةً ذِكْرَ مَفْعُولِ المَشِيئَةِ. فَلَمّا دَلَّ عَلَيْهِ مَفْعُولُ جَوابِ الشَّرْطِ حَسُنَ حَذْفُهُ مِن فِعْلِ الشَّرْطِ.
وجُمْلَةِ ﴿ما سَمِعْنا بِهَذا في آبائِنا الأوَّلِينَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ قَصَدُوا بِها تَكْذِيبَ الدَّعْوَةِ بَعْدَ تَكْذِيبِ الدّاعِي، فَلِذَلِكَ جِيءَ بِها مُسْتَأْنَفَةً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ تَنْبِيهًا عَلى أنَّها مَقْصُودَةٌ بِذاتِها ولَيْسَتْ تَكْمِلَةً لِما قَبْلَها، بِخِلافِ أُسْلُوبِ عَطْفِ جُمْلَةِ ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَأنْزَلَ مَلائِكَةً﴾ إذْ كانَ مَضْمُونُها مِن تَمامِ غَرَضِ ما قَبْلَها.
فالإشارَةُ بِـ (هَذا) إلى الكَلامِ الَّذِي قالَهُ نُوحٌ، أيْ: ما سَمِعْنا بِأنْ لَيْسَ لَنا إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ في مُدَّةِ أجْدادِنا، فالمَقْصُودُ بِالإشارَةِ مَعْنى الكَلامِ لا نَفْسُهُ، وهو اسْتِعْمالٌ شائِعٌ. ولَمّا كانَ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ يَقْتَضِي زَمَنًا تَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَدْخُولُهُ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ في مُدَّةِ آبائِنا؛ لِأنَّ الآباءَ لا يَصْلُحُ لِلظَّرْفِيَّةِ.
والآباءُ الأوَّلُونَ هُمُ الأجْدادُ.
ولَمّا كانَ السَّماعُ المَنفِيُّ لَيْسَ سَماعًا بِآذانِهِمْ لِكَلامٍ في زَمَنِ آبائِهِمْ بَلِ المُرادُ: ما بَلَغَ إلَيْنا وُقُوعُ مِثْلِ هَذا في زَمَنِ آبائِنا، عُدِّيَ فِعْلُ (سَمِعْنا) بِالباءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الِاتِّصالِ. جَعَلُوا انْتِفاءَ عِلْمِهِمْ بِالشَّيْءِ حُجَّةً عَلى بُطْلانِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وهو مُجادَلَةٌ سُوفِسْطائِيَّةٌ؛ إذْ قَدْ يَكُونُ انْتِفاءُ العِلْمِ عَنْ تَقْصِيرٍ في اكْتِسابِ المَعْلُوماتِ، وقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَ مِثْلِهِ بِأنْ كانَ النّاسُ عَلى حَقٍّ فَلَمْ يَكُنْ داعٍ إلى مُخاطَبَتِهِمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وقَدْ كانَ النّاسُ مِن زَمَنِ آدَمَ عَلى الفِطْرَةِ حَتّى حَدَثَ الشِّرْكُ في النّاسِ فَأرْسَلَ اللَّهُ نُوحًا فَهو أوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ إلى أهْلِ الأرْضِ كَما ورَدَ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ.
(p-٤٤)وجُمْلَةُ ﴿إنْ هو إلّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيُّ؛ لِأنَّ جَمِيعَ ما قالُوهُ يُثِيرُ في نُفُوسِ السّامِعِينَ أنْ يَتَساءَلُوا إذا كانَ هَذا حالُ دَعْوَتِهِ في البُطْلانِ والزَّيْفِ فَماذا دَعاهُ إلى القَوْلِ بِها ؟ فَيُجابُ بِأنَّهُ أصابَهُ خَلَلٌ في عَقْلِهِ فَطَلَبَ ما لَمْ يَكُنْ لِيَنالُهُ مِثْلَهُ عَلى النّاسِ كُلِّهِمْ بِنِسْبَتِهِمْ إلى الضَّلالِ فَقَدْ طَمِعَ فِيما لا يَطْمَعُ عاقِلٌ في مِثْلِهِ فَدَلَّ طَمَعُهُ في ذَلِكَ عَلى أنَّهُ مَجْنُونٌ.
والتَّنْوِينُ في (جِنَّةٍ) لِلنَّوْعِيَّةِ، أيْ: هو مُتَلَبِّسٌ بِشَيْءٍ مِنَ الجُنُونِ، وهَذا اقْتِصادٌ مِنهم في حالِهِ حَيْثُ احْتَرَزُوا مِن أنْ يُوَرِّطُوا أنْفُسَهَمْ في وصْفِهِ بِالخَبالِ مَعَ أنَّ المُشاهَدَ مِن حالِهِ يُنافِي ذَلِكَ فَأوْهَمُوا قَوْمَهم أنَّ بِهِ جُنُونًا خَفِيفًا لا تَبْدُو آثارُهُ واضِحَةً.
وقَصَرُوهُ عَلى صِفَةِ المَجْنُونِ وهو قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ لَيْسَ بِرَسُولٍ مِنَ اللَّهِ.
وفَرَّعُوا عَلى ذَلِكَ الحُكْمِ أمْرًا لِقَوْمِهِمْ بِانْتِظارِ ما يَنْكَشِفُ عَنْهُ أمْرُهُ بَعْدَ زَمانٍ: إمّا شِفاءٌ مِنَ الجِنَّةِ فَيَرْجِعُ إلى الرُّشْدِ، أوِ ازْدِيادُ الجُنُونِ بِهِ فَيَتَّضِحُ أمْرُهُ فَتَعْلَمُوا أنْ لا اعْتِدادَ بِكَلامِهِ.
والحِينُ: اسْمٌ لِلزَّمانِ غَيْرِ المَحْدُودِ.
والتَّرَبُّصُ: التَّوَقُّفُ عَنْ عَمَلٍ، يُرادُ عَمَلُهُ والتَّرَيُّثُ فِيهِ انْتِظارًا لِما قَدْ يُغْنِي عَنِ العَمَلِ أوِ انْتِظارًا لِفُرْصَةٍ تُمَكِّنُ مِن إيقاعِهِ عَلى أتْقَنِ كَيْفِيَّةٍ لِنَجاحِهِ، وهو فِعْلٌ قاصِرٌ يَتَعَدّى إلى المَفْعُولِ بِالباءِ الَّتِي هي لِلتَّعْدِيَةِ ومَعْناها: السَّبَبِيَّةُ، أيْ كانَ تَرَبُّصُ المُتَرَبِّصِ بِسَبَبِ مَدْخُولِ الباءِ. والمُرادُ: بِسَبَبِ ما يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِن أحْوالٍ، فَهو عَلى نِيَّةِ مُضافٍ حُذِفَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ﴾ [التوبة: ٩٨] في سُورَةِ بَراءَةٌ فانْظُرْهُ مَعَ ما هُنا.
{"ayahs_start":23,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ","فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُا۟ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُرِیدُ أَن یَتَفَضَّلَ عَلَیۡكُمۡ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ مَّا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِیۤ ءَابَاۤىِٕنَا ٱلۡأَوَّلِینَ","إِنۡ هُوَ إِلَّا رَجُلُۢ بِهِۦ جِنَّةࣱ فَتَرَبَّصُوا۟ بِهِۦ حَتَّىٰ حِینࣲ"],"ayah":"فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُا۟ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُرِیدُ أَن یَتَفَضَّلَ عَلَیۡكُمۡ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ مَّا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِیۤ ءَابَاۤىِٕنَا ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق