الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ وما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ﴾
انْتِقالٌ مِنَ الِاسْتِدْلالِ بِخَلْقِ الإنْسانِ إلى الِاسْتِدْلالِ بِخَلْقِ العَوالِمِ العُلْوِيَّةِ؛ لِأنَّ أمْرَها أعْجَبُ، وإنْ كانَ الإنْسانُ إلى نَظِيرِهِ أقْرَبَ، فالجُمْلَةُ عَطْفٌ (p-٢٧)عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] . وإنَّما ذُكِرَ هَذا عَقِبَ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٦] لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الَّذِي خَلَقَ هَذا العالَمَ العُلْوِيَّ ما خَلَقَهُ إلّا لِحِكْمَةٍ، وأنَّ الحَكِيمَ لا يُهْمِلُ ثَوابَ الصّالِحِينَ عَلى حَسَناتِهِمْ، ولا جَزاءَ المُسِيئِينَ عَلى سَيِّئاتِهِمْ، وأنَّ جَعْلَهُ تِلْكَ الطَّرائِقَ فَوْقَنا بِحَيْثُ نَراها لَيَدُلُّنا عَلى أنَّ لَها صِلَةً بِنا؛ لِأنَّ عالَمَ الجَزاءِ كائِنٌ فِيها ومَخْلُوقاتِهِ مُسْتَقِرَّةٌ فِيها، فالإشارَةُ بِهَذا التَّرْتِيبِ مِثْلَ الإشارَةِ بِعَكْسِهِ في قَوْلِهِ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ [الدخان: ٣٨] ﴿ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الدخان: ٣٩] ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيقاتُهم أجْمَعِينَ﴾ [الدخان: ٤٠] .
والطَّرائِقُ: جَمْعُ طَرِيقَةٍ وهي اسْمٌ لِلطَّرِيقِ تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ. والمُرادُ بِها هُنا: طَرائِقُ سَيْرِ الكَواكِبِ السَّبْعَةِ وهي أفْلاكُها، أيِ: الخُطُوطُ الفَرْضِيَّةُ الَّتِي ضَبَطَ النّاسُ بِها سُمُوتَ سَيْرِ الكَواكِبِ. وقَدْ أُطْلِقَ عَلى الكَوْكَبِ اسْمُ الطّارِقِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والسَّماءِ والطّارِقِ﴾ [الطارق: ١] مِن أجْلِ أنَّهُ يَنْتَقِلُ في سَمْتٍ يُسَمّى طَرِيقَةً فَإنَّ السّايِرَ في طَرِيقٍ يُقالُ لَهُ: طارِقٌ، ولا شَكَّ أنَّ الطَّرائِقَ تَسْتَلْزِمُ سائِراتٍ فِيها، فَكانَ المَعْنى: خَلَقْنا سَيّاراتٍ وطَرائِقَها.
وذُكِرَ (فَوْقَكم) لِلتَّنْبِيهِ عَلى وُجُوبِ النَّظَرِ في أحْوالِها لِلِاسْتِدْلالِ بِها عَلى قُدْرَةِ الخالِقِ لَها تَعالى فَإنَّها بِحالَةِ إمْكانِ النَّظَرِ إلَيْها والتَّأمُّلِ فِيها.
ولِأنَّ كَوْنَها فَوْقَ النّاسِ مِمّا سَهَّلَ انْتِفاعَهم بِها في التَّوْقِيتِ ولِذَلِكَ عَقَّبَ بِجُمْلَةِ ﴿وما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ﴾ المُشْعِرِ بِأنَّ في ذَلِكَ لُطْفًا بِالخَلْقِ وتَيْسِيرًا عَلَيْهِمْ في شُئُونِ حَياتِهِمْ، وهَذا امْتِنانٌ. فالواوُ في جُمْلَةِ وما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ لِلْحالِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ. وفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلنَّظَرِ في أنَّ عالَمَ الجَزاءِ كائِنٌ بِتِلْكَ العَوالِمِ قالَ تَعالى: ﴿وفِي السَّماءِ رِزْقُكم وما تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢] .
والخَلْقُ مَفْعُولٌ سُمِّيَ بِالمَصْدَرِ، أيْ: ما كُنّا غافِلِينَ عَنْ حاجَةِ مَخْلُوقاتِنا يَعْنِي البَشَرَ. ونَفْيُ الغَفْلَةِ كِنايَةٌ عَنِ العِنايَةِ والمُلاحَظَةِ، فَأفادَ ذَلِكَ أنَّ في خَلْقِ الطَّرائِقِ السَّماوِيَّةِ لِما خُلِقَتْ لَهُ لُطْفًا بِالنّاسِ أيْضًا إذْ كانَ نِظامُ خَلْقِها صالِحًا (p-٢٨)لِانْتِفاعِ النّاسِ بِهِ في مَواقِيتِهِمْ وأسْفارِهِمْ في البَرِّ والبَحْرِ كَما قالَ: ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ﴾ [الأنعام: ٩٧] . وأعْظَمُ تِلْكَ الطَّرائِقِ طَرِيقَةُ الشَّمْسِ مَعَ ما زادَتْ بِهِ مِنَ النَّفْعِ بِالإنارَةِ وإصْلاحِ الأرْضِ والأجْسادِ فَصارَ المَعْنى: خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ لِحِكْمَةٍ لا تَعْلَمُونَها وما أهْمَلْنا في خَلْقِها رَعْيَ مَصالِحِكم أيْضًا.
والعَدْلُ عَنِ الإضْمارِ إلى الإظْهارِ في قَوْلِهِ: ﴿وما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ﴾ دُونَ أنْ يُقالَ: وما كُنّا عَنْكم غافِلِينَ، لِما يُفِيدُهُ المُشْتَقُّ مِن مَعْنى التَّعْلِيلِ، أيْ: ما كُنّا عَنْكم غافِلِينَ؛ لِأنَّكم مَخْلُوقاتُنا فَنَحْنُ نُعامِلُكم بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ، وفي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلى وُجُوبِ الشُّكْرِ والإقْلاعِ عَنِ الكُفْرِ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَاۤىِٕقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَـٰفِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق