الباحث القرآني
﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا﴾ [الحج: ٧١] لِبَيانِ جُرْمٍ آخَرَ مِن أجْرامِهِمْ مَعَ جُرْمِ عِبادَةِ الأصْنامِ. وهو جُرْمُ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ والتَّكْذِيبِ بِالقُرْآنِ.
والآياتُ هي القُرْآنُ لا غَيْرُهُ مِنَ المُعْجِزاتِ لِقَوْلِهِ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ﴾ [مريم: ٧٣] .
والمُنْكَرُ: إمّا الشَّيْءُ الَّذِي تُنْكِرُهُ الأنْظارُ والنُّفُوسُ فَيَكُونُ هُنا اسْمًا، أيْ دَلائِلُ كَراهِيَتِهِمْ وغَضَبِهِمْ وعَزْمِهِمْ عَلى السُّوءِ، وإمّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنى الإنْكارِ كالمُكْرَمِ بِمَعْنى الإكْرامِ. والمَحْمَلانِ آيِلانِ إلى مَعْنى أنَّهم يَلُوحُ عَلى وُجُوهِهِمُ الغَيْظُ والغَضَبُ عِنْدَما يُتْلى عَلَيْهِمُ القُرْآنُ ويُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ. وهَذا كِنايَةٌ عَنِ امْتِلاءِ نُفُوسِهِمْ مِنَ الإنْكارِ والغَيْظِ حَتّى تَجاوَزَ أثَرُهُ بَواطِنَهم عَلى وُجُوهِهِمْ. كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] كِنايَةً عَنْ وفْرَةِ نَعِيمِهِمْ وفَرْطِ مَسَرَّتِهِمْ بِهِ. ولِأجْلِ هَذِهِ الكِنايَةِ عُدِلَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِنَحْوِ: اشْتَدَّ غَيْظُهم، أوْ يَكادُونَ يَتَمَيَّزُونَ غَيْظًا، ونَحْوِ قَوْلِهِ ﴿قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ وهم مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢] .
(p-٣٣٥)وتَقْيِيدُ الآياتِ بِوَصْفِ البَيِّناتِ لِتَفْظِيعِ إنْكارِهِمْ إيّاها. إذْ لَيْسَ فِيها ما يُعْذَرُ بِهِ مُنْكِرُوها.
والخِطابُ في قَوْلِهِ (تَعْرِفُ) لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لِلْخِطابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﴿بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ . والتَّعْبِيرُ بِـ (الَّذِينَ كَفَرُوا) إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ. ومُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يَكُونَ ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ . أيْ وُجُوهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا. فَخُولِفَ مُقْتَضى الظّاهِرِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالإيماءِ إلى أنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ هو ما يُبْطِنُونَهُ مِنَ الكُفْرِ.
والسَّطْوُ: البَطْشُ، أيْ يُقارِبُونَ أنْ يَصُولُوا عَلى الَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمُ الآياتِ مِن شِدَّةِ الغَضَبِ والغَيْظِ مِن سَماعِ القُرْآنِ.
والَّذِينَ يَتْلُونَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادًا بِهِ النَّبِيءُ ﷺ مِن إطْلاقِ اسْمِ الجَمْعِ عَلى الواحِدِ كَقَوْلِهِ ﴿وقَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أغْرَقْناهُمْ﴾ [الفرقان: ٣٧]، أيْ كَذَّبُوا الرَّسُولَ.
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ مَن يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ مِنَ المُسْلِمِينَ والرَّسُولُ. أمّا الَّذِينَ سَطَوْا عَلَيْهِمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَلَعَلَّهم غَيْرُ الَّذِينَ قَرَءُوا عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، أوْ لَعَلَّ السَّطْوَ عَلَيْهِمْ كانَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ فَلا إشْكالَ في ذِكْرِ فِعْلِ المُقارَبَةِ. وجُمْلَةُ ﴿يَكادُونَ يَسْطُونَ﴾ في مَوْضِعِ بَدَلِ الِاشْتِمالِ لِجُمْلَةِ ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ﴾ لِأنَّ الهَمَّ بِالسَّطْوِ مِمّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ المُنْكَرُ.
* * *
(p-٣٣٦)﴿قُلْ أفَأُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكُمُ النّارُ وعَدَها اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وبِئْسَ المَصِيرُ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ يُفِيدُ زِيادَةَ إغاظَتِهِمْ بِأنَّ أمْرَ اللَّهِ النَّبِيءَ ﷺ أنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِمْ ما يُفِيدُ أنَّهم صائِرُونَ إلى النّارِ.
والتَّفْرِيعُ بِالفاءِ ناشِئٌ مِن ظُهُورِ أثَرِ المُنْكَرِ عَلى وُجُوهِهِمْ فَجُعِلَ دَلالَةُ مَلامِحِهِمْ بِمَنزِلَةِ دَلالَةِ الألْفاظِ. فَفُرِّعَ عَلَيْها ما هو جَوابٌ عَنْ كَلامٍ فَيَزِيدُهم غَيْظًا، ويَجُوزُ كَوْنُ التَّفْرِيعِ عَلى التِّلاوَةِ المَأْخُوذَةِ مِن قَوْلِهِ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾ أيِ اتْلُ عَلَيْهِمُ الآياتِ المُنْذِرَةَ والمُبَيِّنَةَ لِكُفْرِهِمْ، وفُرِّعَ عَلَيْها وعِيدُهم بِالنّارِ.
والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في الِاسْتِئْذانِ، وهو اسْتِئْذانٌ تَهَكُّمِيٌّ لِأنَّهُ قَدْ نَبَّأهم بِذَلِكَ دُونَ أنْ يَنْتَظِرَ جَوابَهم.
و”شَرٍّ“: اسْمُ تَفْضِيلٍ، أصْلُهُ أشَرُّ. كَثُرَ حَذْفُ الهَمْزَةِ تَخْفِيفًا، كَما حُذِفَتْ في خَيْرٍ بِمَعْنى أخْيَرَ. والإشارَةُ بِـ (ذَلِكم) إلى ما أثارَ نُكْرَهم وحَفِيظَتَهم، أيْ بِما هو أشَدُّ شَرًّا عَلَيْكم في نُفُوسِكم مِمّا سَمِعْتُمُوهُ فَأغْضَبَكم، أيْ فَإنْ كُنْتُمْ غاضِبِينَ لِما تُلِيَ عَلَيْكم مِنَ الآياتِ فازْدادُوا غَضَبًا بِهَذا الَّذِي أُنَبِّئُكم بِهِ. وقَوْلُهُ (النّارُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿بِشَرٍّ مِن ذَلِكُمُ﴾ . والتَّقْدِيرُ: شَرٌّ مِن ذَلِكُمُ النّارُ. (p-٣٣٧)فالجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، أيْ إنْ سَألْتُمْ عَنِ الَّذِي هو أشَدُّ شَرًّا فاعْلَمُوا أنَّهُ النّارُ.
وجُمْلَةُ (وعَدَها اللَّهُ) حالٌ مِنَ النّارِ، أوْ هي اسْتِئْنافٌ. والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِقَوْلِهِ (الَّذِينَ كَفَرُوا) إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ، أيْ وعَدَها اللَّهُ إيّاكم لِكُفْرِكم.
(وبِئْسَ المَصِيرُ) أيْ بِئْسَ مَصِيرُهم هي، فَحَرْفُ التَّعْرِيفِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ إنْشاءَ ذَمٍّ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ الحالِ عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلْجِنْسِ فَيُفِيدَ العُمُومَ، أيْ بِئْسَ المَصِيرُ هي لِمَن صارَ إلَيْها، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ تَذْيِيلًا لِما فِيها مِن عُمُومِ الحُكْمِ لِلْمُخاطَبِينَ وغَيْرِهِمْ وتَكُونُ الواوُ اعْتِراضِيَّةً تَذْيِيلِيَّةً.
{"ayah":"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا بَیِّنَـٰتࣲ تَعۡرِفُ فِی وُجُوهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡمُنكَرَۖ یَكَادُونَ یَسۡطُونَ بِٱلَّذِینَ یَتۡلُونَ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَ ٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق