الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾
لَيْسَ اسْمُ الإشارَةِ مُسْتَعْمَلًا في الفَصْلِ بَيْنَ الكَلامَيْنِ مِثْلَ شَبِيهِهِ الَّذِي قَبْلَهُ، بَلِ الإشارَةُ هُنا إلى الكَلامِ السّابِقِ الدّالِّ عَلى تَكَفُّلِ النَّصْرِ، فَإنَّ النَّصْرَ يَقْتَضِي تَغْلِيبَ أحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلى ضِدِّهِ وإقْحامَ الجَيْشِ في الجَيْشِ الآخَرِ في المَلْحَمَةِ، فَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا بِتَغْلِيبِ مُدَّةِ النَّهارِ عَلى مُدَّةِ اللَّيْلِ في بَعْضِ السَّنَةِ، وتَغْلِيبِ مُدَّةِ اللَّيْلِ عَلى مُدَّةِ النَّهارِ في بَعْضِها، لِما تَقَرَّرَ مِنِ اشْتِهارِ التَّضادِّ بَيْنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ، أيِ الظُّلْمَةِ والنُّورِ. وقَرِيبٌ مِنها اسْتِعارَةُ التَّلْبِيسِ لِلْإقْحامِ في الحَرْبِ في قَوْلِ المَرّارِ السُّلَمِيِّ:
؎وكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُها بِكَتِيبَةٍ حَتّى إذا التَبَسَتْ نَفَضْتُ لَها يَدِي
فَخَبَرُ اسْمِ الإشارَةِ هُنا هو قَوْلُهُ ﴿بِأنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ﴾ إلَخْ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْمُ الإشارَةِ تَكْرِيرًا لِشَبِيهِهِ السّابِقِ لِقَصْرِ تَوْكِيدِهِ لِأنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ لِأنَّ جُمْلَةَ ﴿بِأنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ﴾ إلَخْ، مُرْتَبِطَةٌ بِجُمْلَةِ ﴿ومَن عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ﴾ [الحج: ٦٠] إلَخْ. ولِذَلِكَ يَصِحُّ جَعْلُ ﴿بِأنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ﴾ إلَخْ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ ﴿لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ [الحج: ٦٠] .
والإيلاجُ: الإدْخالُ. مُثِّلَ بِهِ اخْتِفاءُ ظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدَ ظُهُورِ نُورِ النَّهارِ وعَكْسِهِ تَشْبِيهًا لِذَلِكَ التَّصْيِيرِ بِإدْخالِ جِسْمٍ في جِسْمٍ آخَرَ، (p-٣١٥)فَإيلاجُ اللَّيْلِ في النَّهارِ: غَشَيانُ ضَوْءِ النَّهارِ عَلى ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وإيلاجُ النَّهارِ في اللَّيْلِ: غَشَيانُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ عَلى ما كانَ مِن ضَوْءِ النَّهارِ. فالمُولَجُ هو المُخْتَفِي. فَإيلاجُ اللَّيْلِ انْقِضاؤُهُ. واسْتِعارَةُ الإيلاجِ لِذَلِكَ اسْتِعارَةٌ بَدِيعَةٌ لِأنَّ تَقَلُّصَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يَحْصُلُ تَدْرِيجًا. وكَذَلِكَ تَقَلُّصُ ضَوْءِ النَّهارِ يَحْصُلُ تَدْرِيجًا، فَأشْبَهَ ذَلِكَ إيلاجَ شَيْءٍ في شَيْءٍ إذْ يَبْدُو داخِلًا فِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا.
والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. أيْ لا عَجَبَ في النَّصْرِ المَوْعُودِ بِهِ المُسْلِمُونَ عَلى الكافِرِينَ مَعَ قِلَّةِ المُسْلِمِينَ، فَإنَّ القادِرَ عَلى تَغْلِيبِ النَّهارِ عَلى اللَّيْلِ حِينًا بَعْدَ أنْ كانَ أمْرُهُما عَلى العَكْسِ حِينًا آخَرَ قادِرٌ عَلى تَغْلِيبِ الضَّعِيفِ عَلى القَوِيِّ، فَصارَ حاصِلُ المَعْنى: ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى نَصْرِهِمْ.
والجَمْعُ بَيْنَ ذِكْرِ إيلاجِ اللَّيْلِ في النَّهارِ وإيلاجِ النَّهارِ في اللَّيْلِ لِلْإيماءِ إلى تَقَلُّبِ أحْوالِ الزَّمانِ فَقَدْ يَصِيرُ المَغْلُوبُ غالِبًا ويَصِيرُ ذَلِكَ الغالِبُ مَغْلُوبًا. مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ بِحَيْثُ تَتَعَلَّقُ بِالأفْعالِ المُتَضادَّةِ ولا تَلْزَمُ طَرِيقَةً واحِدَةً كَقُدْرَةِ الصُّنّاعِ مِنَ البَشَرِ. وفِيهِ إدْماجُ التَّنْبِيهِ بِأنَّ العَذابَ الَّذِي اسْتَبْطَأهُ المُشْرِكُونَ مَنُوطٌ بِحُلُولِ أجَلِهِ، وما الأجَلُ إلّا إيلاجُ لَيْلٍ في نَهارٍ ونَهارٍ في لَيْلٍ.
وفِي ذِكْرِ اللَّيْلِ والنَّهارِ في هَذا المَقامِ إدْماجُ تَشْبِيهِ الكُفْرِ بِاللَّيْلِ والإسْلامِ بِالنَّهارِ؛ لِأنَّ الكُفْرَ ضَلالَةُ اعْتِقادٍ، فَصاحِبُهُ مِثْلُ الَّذِي يَمْشِي في ظُلْمَةٍ، ولِأنَّ الإيمانَ نُورٌ يَتَجَلّى بِهِ الحَقُّ والِاعْتِقادُ الصَّحِيحُ، فَصاحِبُهُ كالَّذِي يَمْشِي في النَّهارِ. فَفي هَذا إيماءٌ إلى أنَّ الإيلاجَ المَقْصُودَ هو ظُهُورُ النَّهارِ بَعْدَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. أيْ ظُهُورُ الدِّينِ الحَقِّ بَعْدَ ظُلْمَةِ الإشْراكِ. ولِذَلِكَ ابْتُدِئَ في الآيَةِ بِإيلاجِ اللَّيْلِ في النَّهارِ، أيْ دُخُولِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ تَحْتَ ضَوْءِ النَّهارِ. (p-٣١٦)وقَوْلُهُ ﴿ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ﴾ تَتْمِيمٌ لِإظْهارِ صَلاحِيَّةِ القُدْرَةِ الإلَهِيَّةِ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ﴾ [آل عمران: ٢٧] . وعَطْفُ ﴿وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ عَلى السَّبَبِ لِلْإشارَةِ إلى عِلْمِ اللَّهِ بِالأحْوالِ كُلِّها فَهو يَنْصُرُ مَن يَنْصُرُهُ بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ ويَعِدُ بِالنَّصْرِ مَن عَلِمَ أنَّهُ ناصِرُهُ لا مَحالَةَ، فَلا يَصْدُرُ مِنهُ شَيْءٌ إلّا عَنْ حِكْمَةٍ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق