الباحث القرآني
﴿قُلْ يا أيُّها النّاسُ إنَّما أنا لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾
اسْتِئْنافٌ بَعْدَ المَواعِظِ السّالِفَةِ والإنْذاراتِ. وافْتِتاحُهُ بِـ (قُلْ) لِلِاهْتِمامِ بِهِ: وافْتِتاحُ المَقُولِ بِنِداءِ النّاسِ لِلَفْتِ ألْبابِهِمْ إلى الكَلامِ. والمُخاطَبُونَ هُمُ المُشْرِكُونَ.
(p-٢٩٤)والغَرَضُ مِن خِطابِهِمْ إعْلامُهم بِأنَّ تَكْذِيبَهم واسْتِهْزاءَهم لا يَغِيظُ النَّبِيءَ ﷺ ولا يَصُدُّهُ عَنْ أداءِ رِسالَتِهِ: فَفي ذَلِكَ قَمْعٌ لَهم إذا كانُوا يَحْسَبُونَ أنَّهم بِتَكْذِيبِهِمْ واسْتِهْزائِهِمْ يُمِلُّونَهُ فَيَتْرُكُ دَعْوَتَهم. وفِيهِ تَثْبِيتٌ لِلنَّبِيءِ وتَسْلِيَةٌ فِيما يَلْقاهُ مِنهم. وقَصْرُ النَّبِيءِ عَلى صِفَةِ النِّذارَةِ قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ لَسْتُ طالِبًا نِكايَتَكم ولا تَزَلُّفًا فَمَن آمَنَ فَلِنَفْسِهِ ومَن عَمِيَ فَعَلَيْها.
والنَّذِيرُ: المُحَذِّرُ مِن شَرٍّ يُتَوَقَّعُ.
وفِي تَقْدِيمِ المَجْرُورِ المُؤْذِنِ بِالِاهْتِمامِ بِنِذارَتِهِمْ إيماءٌ إلى أنَّهم مُشْرِفُونَ عَلى شَرٍّ عَظِيمٍ فَهم أحْرِياءُ بِالنِّذارَةِ.
والمُبِينُ: المُفْصِحُ المُوَضِّحُ، أيْ مُبِينٌ لِلْإنْذارِ بِما لا إيهامَ فِيهِ ولا مُصانَعَةَ. وفُرِّعَ عَلى الأمْرِ بِالقَوْلِ تَقْسِيمٌ لِلنّاسِ في تَلَقِّي هَذا الإنْذارِ المَأْمُورِ الرَّسُولُ بِتَبْلِيغِهِ إلى مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبٍ لِبَيانِ حالِ كِلا الفَرِيقَيْنِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ تَرْغِيبًا في الحالَةِ الحُسْنى وتَحْذِيرًا مِنَ الحالَةِ السُّوأى فَقالَ تَعالى فالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم إلى آخِرِهِ، فَهَذا إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى كَما يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ (﴿فِي آياتِنا﴾) والجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بِالفاءِ.
والمَغْفِرَةُ: غُفْرانُ ما قَدَّمُوهُ مِنَ الشِّرْكِ وما يَتْبَعُهُ مِن شَرائِعِ الشِّرْكِ وضَلالاتِهِ ومَفاسِدِهِ. وهَذِهِ المَغْفِرَةُ تُفْضِي إلى نَعِيمِ الآخِرَةِ، فالمَعْنى: أنَّهم فازُوا في الدّارِ الآخِرَةِ.
والرِّزْقُ: العَطاءُ. ووَصْفُهُ بِالكَرِيمِ يَجْمَعُ وفْرَتَهُ وصَفاءَهُ مِنَ المُكَدِّراتِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] ذَلِكَ هو الجَنَّةُ.
(p-٢٩٥)والرِّزْقُ مِنهُ ما هو حاصِلٌ لَهم في الدُّنْيا، فَهم مُتَمَتِّعُونَ بِانْشِراحِ صُدُورِهِمْ ورِضاهم عَنْ رَبِّهِمْ، وأعْظَمُهُ ما يَحْصُلُ لَهم في الآخِرَةِ.
والَّذِينَ سَعَوْا هُمُ الفَرِيقُ المُقابِلُ لِلَّذِينَ آمَنُوا، فَمَعْناهُ: والَّذِينَ اسْتَمَرُّوا عَلى الكُفْرِ، فَعُبِّرَ عَنِ الِاسْتِمْرارِ بِالسَّعْيِ في الآياتِ لِأنَّهُ أخَصُّ مِنَ الكُفْرِ، وذَلِكَ حالُ المُشْرِكِينَ المُتَحَدَّثِ عَنْهم.
والسَّعْيُ: المَشْيُ الشَّدِيدُ، ويُطْلَقُ عَلى شِدَّةِ الحِرْصِ في العَمَلِ تَشْبِيهًا لِلْعامِلِ الحَرِيصِ بِالماشِي الشَّدِيدِ في كَوْنِهِ يَكِدُّ لِلْوُصُولِ إلى غايَةٍ كَما قالَ تَعالى ﴿ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى﴾ [النازعات: ٢٢] . فَلَيْسَ المُرادُ أنَّ فِرْعَوْنَ خَرَجَ يَمْشِي وإنَّما المُرادُ أنَّهُ صَرَفَ عِنايَتَهُ لِإحْضارِ السَّحَرَةِ لِإحْباطِ دَعْوَةِ مُوسى، وقالَ تَعالى ﴿ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا﴾ [المائدة: ٣٣] . والكَلامُ تَمْثِيلٌ، شُبِّهَتْ هَيْئَةُ تَفَنُّنِهِمْ في التَّكْذِيبِ بِالقُرْآنِ وتَطَلُّبِ المَعاذِيرِ لِنَقْضِ دَلائِلِهِ مِن قَوْلِهِمْ: هو سِحْرٌ، هو شِعْرٌ، هو أساطِيرُ الأوَّلِينَ، هو قَوْلُ مَجْنُونٍ، وتَعَرُّضُهِمْ بِالمُجادَلاتِ والمُناقَضاتِ لِلنَّبِيءِ ﷺ بِهَيْئَةِ السّاعِي في طَرِيقٍ يُسابِقُ غَيْرَهُ لِيَفُوزَ بِالوُصُولِ.
والمُعاجِزُ: المُسابِقُ الطّالِبُ عَجْزَ مُسايِرِهِ عَنِ الوُصُولِ إلى غايَتِهِ وعَنِ اللِّحاقِ بِهِ، فَصِيغَ لَهُ المُفاعَلَةُ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ يَطْلُبُ عَجْزَ الآخَرِ عَنْ لِحاقِهِ. والمَعْنى: أنَّهم بِعَمَلِهِمْ يُغالِبُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهم لا يَشْعُرُونَ أنَّهم يُحاوِلُونَ أنْ يَغْلِبُوا اللَّهَ وقَدْ ظَنُّوا أنَّهم نالُوا مُرادَهم في الدُّنْيا ولَمْ يَعْلَمُوا ما لَهم مِن سُوءِ العاقِبَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (مُعاجِزِينَ) بِألِفٍ بَعْدَ العَيْنِ وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو (مُعَجِّزِينَ) بِفَتْحِ العَيْنِ وتَضْعِيفِ الجِيمِ أيْ مُحاوِلِينَ إعْجازَ اللَّهِ تَعالى وهم لا يَعْلَمُونَ. (p-٢٩٦)والتَّصْدِيرُ بِاسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُخَبَرَ عَنْهم جَدِيرُونَ بِما سَيَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الحُكْمِ لِأجْلِ ما ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنَ الأوْصافِ، أيْ هم أصْحابُ الجَحِيمِ لِأنَّهم سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ. ومِن أحْسَنِ ما يُفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ ما جاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ: «إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أتى قَوْمَهُ فَقالَ: يا قَوْمِ إنِّي رَأيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنِي وأنا النَّذِيرُ العُرْيانُ. فالنِّجاءَ النِّجاءَ، فَأطاعَتْهُ طائِفَةٌ مِن قَوْمِهِ فَأدْلَجُوا، وانْطَلَقُوا عَلى مَهَلِهِمْ. وكَذَّبَتْ طائِفَةٌ مِنهم فَأصْبَحُوا مَكانَهم فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَأهْلَكَهم واجْتاحَهم. فَذَلِكَ مَثَلِي ومَثَلُ مَن أطاعَنِي واتَّبَعَ ما جِئْتُ بِهِ، ومَثَلُ مَن عَصانِي وكَذَّبَ ما جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ» .
{"ayahs_start":49,"ayahs":["قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِیرࣱ مُّبِینࣱ","فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ سَعَوۡا۟ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِینَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ سَعَوۡا۟ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِینَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق