الباحث القرآني
(p-٢٤٠)﴿وإذْ بَوَّأْنا لِإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ أنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ والقائِمِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ومَن يُرِدْ فِيهِ بِإلْحادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] عَطْفُ قِصَّةٍ عَلى قِصَّةٍ. ويُعْلَمُ مِنها تَعْلِيلُ الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ عَلَيْها بِأنَّ المُلْحِدَ في المَسْجِدِ الحَرامِ قَدْ خالَفَ بِإلْحادِهِ فِيهِ ما أرادَهُ اللَّهُ مِن تَطْهِيرِهِ حِينَ أمَرَ بِبِنائِهِ. والتَّخَلُّصُ مِن ذَلِكَ إلى إثْباتِ ظُلْمِ المُشْرِكِينَ وكُفْرانِهِمْ نِعْمَةَ اللَّهِ في إقامَةِ المَسْجِدِ الحَرامِ وتَشْرِيعِ الحَجِّ. و(إذا) اسْمُ زَمانٍ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ فَهو مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ عَلى ما هو مُتَعارَفٌ في أمْثالِهِ، والتَّقْدِيرُ: واذْكُرْ إذْ بَوَّأْنا، أيِ اذْكُرْ زَمانَ بَوَّأْنا لِإبْراهِيمَ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، أيِ اذْكُرْ ذَلِكَ الوَقْتَ العَظِيمَ. وعُرِفَ مَعْنى تَعْظِيمِهِ مِن إضافَةِ اسْمِ الزَّمانِ إلى الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ دُونَ المَصْدَرِ فَصارَ بِما يَدُلُّ عَلَيْهِ الفِعْلُ مِنَ التَّجَدُّدِ كَأنَّهُ زَمَنٌ حاضِرٌ.
والتَّبْوِئَةُ: الإسْكانُ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنها﴾ [يوسف: ٥٦] .
والمَكانُ: السّاحَةُ مِنَ الأرْضِ ومَوْضِعٌ لِلْكَوْنِ فِيهِ، فَهو فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الكَوْنِ، فَتَبْوِئَتُهُ المَكانَ: إذْنُهُ بِأنْ يَتَّخِذَهُ مَباءَةً، أيْ مَقَرًّا يَبْنِي فِيهِ بَيْتًا، فَوَقَعَ بِذِكْرِ (مَكانَ) إيجازٌ في الكَلامِ كَأنَّهُ قِيلَ: وإذْ أعْطَيْناهُ مَكانًا لِيَتَّخِذَ فِيهِ بَيْتًا، فَقالَ: مَكانَ البَيْتِ، لِأنَّ هَذا حِكايَةٌ عَنْ قِصَّةٍ مَعْرُوفَةٍ لَهم. وسَبَقَ ذِكْرُها فِيما نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ مِنَ القُرْآنِ. واللّامُ في (لِإبْراهِيمَ) لامُ العِلَّةِ لِأنَّ (إبْراهِيمَ) مَفْعُولٌ أوَّلُ لِـ (بَوَّأْنا) الَّذِي هو مِن بابِ أعْطى، فاللّامُ مِثْلُها في قَوْلِهِمْ: شَكَرْتُ (p-٢٤١)لَكَ، أيْ شَكَرَتْكَ لِأجْلِكَ. وفي ذِكْرِ اللّامِ في مِثْلِهِ ضَرْبٌ مِنَ العِنايَةِ والتَّكْرِمَةِ. و(البَيْتِ) مَعْرُوفٌ مَعْهُودٌ عِنْدَ نُزُولِ القُرْآنِ فَلِذَلِكَ عُرِّفَ بِلامِ العَهْدِ ولَوْلا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَكانَ ذِكْرُ (مَكانَ) حَشْوًا. والمَقْصُودُ أنْ يَكُونَ مَأْوًى لِلدِّينِ، أيْ مَعْهَدًا لِإقامَةِ شَعائِرِ الدِّينِ. فَكانَ يَتَضَمَّنُ بِوَجْهِ الإجْمالِ أنَّهُ يَتَرَقَّبُ تَعَلُّمًا بِالدِّينِ فَلِذَلِكَ أُعْقِبَ بِحِرَفِ (أنْ) التَّفْسِيرِيَّةِ الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ جُمْلَةٍ فِيها مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ. وكانَ أصْلُ الدِّينِ هو نَفْيَ الإشْراكِ بِاللَّهِ فَعُلِمَ أنَّ البَيْتَ جُعِلَ مَعْلَمًا لِلتَّوْحِيدِ بِحَيْثُ يُشْتَرَطُ عَلى الدّاخِلِ إلَيْهِ أنْ لا يَكُونَ مُشْرِكًا، فَكانَتِ الكَعْبَةُ لِذَلِكَ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ، لِإعْلانِ التَّوْحِيدِ كَما بَيَّناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وهُدًى لِلْعالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ مُؤْذِنٌ بِكَلامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ ﴿بَوَّأْنا لِإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ﴾ . والمَعْنى: وأمَرْناهُ بِبِناءِ البَيْتِ في ذَلِكَ المَكانِ، وبَعْدَ أنْ بَناهُ قُلْنا لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وطَهِّرْ بَيْتِيَ. وإضافَةُ البَيْتِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ تَشْرِيفٌ لِلْبَيْتِ. والتَّطْهِيرُ: تَنْزِيهُهُ عَنْ كُلِّ خَبِيثٍ: مَعْنًى كالشِّرْكِ والفَواحِشِ وظُلْمِ النّاسِ وبَثِّ الخِصالِ الذَّمِيمَةِ، وحِسًّا مِنَ الأقْذارِ ونَحْوِها، أيْ أعْدِدْهُ طاهِرًا لِلطّائِفِينَ والقائِمِينَ فِيهِ.
والطَّوافُ: المَشْيُ حَوْلَ الكَعْبَةِ، وهو عِبادَةٌ قَدِيمَةٌ مِن زَمَنِ إبْراهِيمَ قَرَّرَها الإسْلامُ وقَدْ كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ حَوْلَ أصْنامِهِمْ كَما يَطُوفُونَ بِالكَعْبَةِ. (p-٢٤٢)والمُرادُ بِالقائِمِينَ الدّاعُونَ تُجاهَ الكَعْبَةِ، ومِنهُ سُمِّيَ مَقامُ إبْراهِيمَ، وهو مَكانُ قِيامِهِ لِلدُّعاءِ فَكانَ المُلْتَزَمَ مَوْضِعًا لِلدُّعاءِ. قالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ:
؎عُذْتُ بِما عاذَ بِهِ إبْراهِمْ مُسْتَقْبِلَ الكَعْبَةِ وهْوَ قائِمْ
والرُّكَّعُ: جَمْعُ راكِعٍ، ووَزْنُ فُعَّلٍ يَكْثُرُ جَمْعًا لِفاعِلٍ وصْفًا إذا كانَ صَحِيحَ اللّامِ نَحْوَ: عُذَّلٍ وسُجَّدٍ.
والسُّجُودُ: جَمْعُ ساجِدٍ مِثْلُ: الرُّقُودِ، والقُعُودِ، وهو مِن جُمُوعِ أصْحابِ الأوْصافِ المُشابِهَةِ مَصادِرَ أفْعالِها.
{"ayah":"وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَ ٰهِیمَ مَكَانَ ٱلۡبَیۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِی شَیۡـࣰٔا وَطَهِّرۡ بَیۡتِیَ لِلطَّاۤىِٕفِینَ وَٱلۡقَاۤىِٕمِینَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق