الباحث القرآني
﴿وتَقَطَّعُوا أمْرَهم بَيْنَهم كُلٌّ إلَيْنا راجِعُونَ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكم أُمَّةً واحِدَةً وأنا رَبُّكم فاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٩٢] أيْ أعْرَضُوا عَنْ قَوْلِنا و(تَقَطَّعُوا) وضَمائِرُ الغَيْبَةِ عائِدَةٌ إلى مَفْهُومٍ مِنَ المَقامِ وهُمُ الَّذِينَ مِنَ الشَّأْنِ التَّحَدُّثُ عَنْهم في القُرْآنِ المَكِّيِّ بِمِثْلِ هَذِهِ المَذامِّ، وهُمُ المُشْرِكُونَ. ومِثْلُ هَذِهِ الضَّمائِرِ المُرادُ مِنها المُشْرِكُونَ كَثِيرٌ في القُرْآنِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الضَّمائِرُ عائِدَةً إلى أُمَمِ الرُّسُلِ. فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ الَّذِي قَدَّمْناهُ في ضَمائِرِ الخِطابِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ [الأنبياء: ٩٢] يَكُونُ الكَلامُ انْتِقالًا مِنَ الحِكايَةِ عَنِ الرُّسُلِ (p-١٤٢)إلى الحِكايَةِ عَنْ حالِ أُمَمِهِمْ في حَياتِهِمْ أوِ الَّذِينَ جاءُوا بَعْدَهم مِثْلَ اليَهُودِ والنَّصارى إذْ نَقَضُوا وصايا أنْبِيائِهِمْ. وعَلى الوَجْهِ الثّانِي تَكُونُ ضَمائِرُ الغَيْبَةِ التِفاتًا. ثُمَّ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الواوُ عاطِفَةً قِصَّةً عَلى قِصَّةٍ لِمُناسَبَةٍ واضِحَةٍ كَما عُطِفَ نَظِيرُها بِالفاءِ في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ، ويَجُوزُ كَوْنُها لِلْحالِ، أيْ أمَرْنا الرُّسُلَ بِمِلَّةِ الإسْلامِ، وهي المِلَّةُ الواحِدَةُ، فَكانَ مِن ضَلالِ المُشْرِكِينَ أنْ تَقَطَّعُوا أمْرَهم وخالَفُوا الرُّسُلَ وعَدَلُوا عَنْ دِينِ التَّوْحِيدِ وهو شَرِيعَةُ إبْراهِيمَ أصْلِهِمْ. ويُؤَيِّدُ هَذا الوَجْهَ أنَّ نَظِيرَ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ جاءَ فِيهِ العَطْفُ بِفاءِ التَّفْرِيعِ.
والتَّقَطُّعُ: مُطاوِعُ قَطَعَ، أيْ تَفَرَّقُوا. وأسْنَدَ التَّقَطُّعَ إلَيْهِمْ لِأنَّهم جَعَلُوا أنْفُسَهم فِرَقًا فَعَبَدُوا آلِهَةً مُتَعَدِّدَةً واتَّخَذَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ لِنَفْسِها إلَهًا مِنَ الأصْنامِ مَعَ اللَّهِ، فَشَبَّهَ فِعْلَهم ذَلِكَ بِالتَّقَطُّعِ.
وفِي جَمْهَرَةِ الأنْسابِ لِابْنِ حَزْمٍ: كانَ الحُصَيْنُ بْنُ عُبَيْدٍ الخُزاعِيُّ، وهو والِدُ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «يا حُصَيْنُ ما تَعْبُدُ ؟ قالَ: عَشَرَةَ آلِهَةٍ، قالَ: ما هم وأيْنَ هم ؟ قالَ: تِسْعَةٌ في الأرْضِ وواحِدٌ في السَّماءِ، قالَ: فَمَن لِحاجَتِكَ ؟ قالَ: الَّذِي في السَّماءِ، قالَ: فَمَن لِطِلْبَتِكَ ؟ قالَ: الَّذِي في السَّماءِ، قالَ: فَمَن لِكَذا ؟ فَمَن لِكَذا ؟ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: الَّذِي في السَّماءِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَألْغِ التِّسْعَةَ» . وفي كِتابِ الدَّعَواتِ مِن سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ أنَّهُ قالَ: سَبْعَةً: سِتَّةٌ في الأرْضِ وواحِدٌ في السَّماءِ.
والأمْرُ: الحالُ. والمُرادُ بِهِ الدِّينُ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٩] في سُورَةِ الأنْعامِ. ولَمّا ضَمِنَ (تَقَطَّعُوا) مَعْنى تَوَزَّعُوا عُدِّيَ إلى (دِينِهِمْ) فَنَصَبَهُ. والأصْلُ: تَقَطَّعُوا في دِينِهِمْ وتَوَزَّعُوهُ. (p-١٤٣)وزِيادَةُ (بَيْنَهم) لِإفادَةِ أنَّهم تَعاوَنُوا وتَظاهَرُوا عَلى تَقَطُّعِ أمْرِهِمْ. فَرُبَّ قَبِيلَةٍ اتَّخَذَتْ صَنَمًا لَمْ تَكُنْ تَعْبُدُهُ قَبِيلَةٌ أُخْرى ثُمَّ سَوَّلُوا لِجِيرَتِهِمْ وأحْلافِهِمْ أنْ يَعْبُدُوهُ فَألْحَقُوهُ بِآلِهَتِهِمْ. وهَكَذا حَتّى كانَ في الكَعْبَةِ عِدَّةُ أصْنامٍ وتَماثِيلَ لِأنَّ الكَعْبَةَ مَقْصُودَةٌ لِجَمِيعِ قَبائِلِ العَرَبِ. وقَدْ رُوِيَ أنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ المُلَقَّبَ بِخُزاعَةَ هو الَّذِي نَقَلَ الأصْنامَ إلى العَرَبِ.
وجُمْلَةُ ﴿كُلٌّ إلَيْنا راجِعُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِجَوابِ سُؤالٍ يَجِيشُ في نَفْسِ سامِعِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وتَقَطَّعُوا أمْرَهُمْ﴾ وهو مَعْرِفَةُ عاقِبَةِ هَذا التَّقَطُّعِ.
وتَنْوِينُ (كُلٌّ) عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، أيْ كُلُّهم، أيْ أصْحابُ ضَمائِرِ الغَيْبَةِ وهُمُ المُشْرِكُونَ. والكَلامُ يُفِيدُ تَعْرِيضًا بِالتَّهْدِيدِ. ودَلَّ عَلى ذَلِكَ التَّفْرِيعُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ﴾ [الأنبياء: ٩٤] إلى آخِرِهِ.
{"ayah":"وَتَقَطَّعُوۤا۟ أَمۡرَهُم بَیۡنَهُمۡۖ كُلٌّ إِلَیۡنَا رَ ٰجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق