الباحث القرآني
﴿والَّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِن رُوحِنا وجَعَلْناها وابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾
لَمّا انْتَهى التَّنْوِيهُ بِفَضْلِ رِجالٍ مِنَ الأنْبِياءِ أعْقَبَ بِالثَّناءِ عَلى امْرَأةٍ نَبِيئَةٍ إشارَةً إلى أنَّ أسْبابَ الفَضْلِ غَيْرُ مَحْجُورَةٍ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] الآيَةَ. هَذِهِ هي مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرانَ. وعَبَّرَ عَنْها بِالمَوْصُولِ دَلالَةً عَلى أنَّها قَدِ اشْتُهِرَتْ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ كَما هو شَأْنُ طَرِيقِ المَوْصُولِيَّهِ غالِبًا، وأيْضًا لِما في الصِّلَةِ مِن مَعْنى تَسْفِيهِ اليَهُودِ الَّذِينَ تَقَوَّلُوا عَنْها إفْكًا وزُورًا، ولِيُبْنى عَلى تِلْكَ الصِّلَةِ ما تَفَرَّعَ عَلَيْها مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَنَفَخْنا فِيها مِن رُوحِنا﴾ الَّذِي هو في حُكْمِ (p-١٣٨)الصِّلَةِ أيْضًا، فَكَأنَّهُ قِيلَ: والَّتِي نَفَخْنا فِيها مِن رُوحِنا،؛ لِأنَّ كِلا الأمْرَيْنِ مُوجِبُ ثَناءٍ. وقَدْ أرادَ اللَّهُ إكْرامَها بِأنْ تَكُونَ مَظْهَرَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ في مُخالَفَةِ السُّنَّةِ البَشَرِيَّةِ لِحُصُولِ حَمْلِ أُنْثى دُونَ قُرْبانِ ذَكَرٍ، لِيَرى النّاسُ مِثالًا مِنَ التَّكْوِينِ الأوَّلِ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] .
والنَّفْخُ، حَقِيقَتُهُ: إخْراجُ هَواءِ الفَمِ بِتَضْيِيقِ الشَّفَتَيْنِ. وأُطْلِقَ هُنا تَمْثِيلًا لِإلْقاءِ رُوحِ التَّكْوِينِ لِلنَّسْلِ في رَحِمِ المَرْأةِ دَفْعَةً واحِدَةً بِدُونِ الوَسائِلِ المُعْتادَةِ تَشْبِيهًا لِهَيْئَةِ التَّكْوِينِ السَّرِيعِ بِهَيْئَةِ النَّفْخِ. وقَدْ قِيلَ: إنَّ المَلَكَ نَفَخَ مِمّا هو لَهُ كالفَمِ.
والظَّرْفِيَّةُ المُفادَةُ بِـ (في) كَوْنُ مَرْيَمَ ظَرْفًا لِحُلُولِ الرُّوحِ المَنفُوخِ فِيها إذْ كانَتْ وِعاءَهُ، ولِذَلِكَ قِيلَ (فِيها) ولِمَ قِيلَ (فِيهِ) لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الحَمْلَ الَّذِي كُوِّنَ في رَحِمِها حَمْلٌ مِن غَيْرِ الطَّرِيقِ المُعْتادِ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَنَفَخْنا في بَطْنِها. وذَلِكَ أعْرَقُ في مُخالَفَةِ العادَةِ لِأنَّ خَرْقَ العادَةِ تَقْوى دَلالَتُهُ بِمِقْدارِ ما يَضْمَحِلُّ فِيهِ مِنَ الوَسائِلِ المُعْتادَةِ.
والرُّوحُ: هو القُوَّةُ الَّتِي بِها الحَياةُ؛ قالَ تَعالى ﴿فَإذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩]، أيْ جَعَلْتُ آدَمَ رُوحًا فَصارَ حَيًّا. وحَرْفُ (مِن) تَبْعِيضِيٌّ، والمَنفُوخُ رُوحٌ لِأنَّهُ جُعِلَ بَعْضَ رُوحِ اللَّهِ، أيْ بَعْضَ جِنْسِ الرُّوحِ الَّذِي بِهِ يَجْعَلُ اللَّهُ الأجْسامَ ذاتَ حَياةٍ. وإضافَةُ الرُّوحِ إلى اللَّهِ إضافَةُ تَشْرِيفٍ لِأنَّهُ رُوحٌ مَبْعُوثٌ مِن لَدُنِ (p-١٣٩)اللَّهِ تَعالى بِدُونِ وساطَةِ التَّطَوُّراتِ الحَيَوانِيَّةِ لِلتَّكْوِينِ النَّسْلِيِّ. وجَعْلُها وابْنِها آيَةً هو مِن أسْبابِ تَشْرِيفِهِما والتَّنْوِيهِ بِهِما إذْ جَعَلَهُما اللَّهُ وسِيلَةً لِلْيَقِينِ بِقُدْرَتِهِ ومُعْجِزاتِ أنْبِيائِهِ كَما قالَ في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ ﴿وجَعَلْنا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٠] . وبِهَذا الِاعْتِبارِ حَصَلَ تَشْرِيفُ بَعْضِ المَخْلُوقاتِ فَأقْسَمَ اللَّهُ بِها نَحْوَ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ [الليل: ١] ﴿والشَّمْسِ وضُحاها والقَمَرِ إذا تَلاها﴾ [الشمس: ١] . وإفْرادُ الآيَةِ لِأنَّهُ أُرِيدَ بِها الجِنْسُ. وحَيْثُ كانَ المَذْكُورُ ذاتَيْنِ فَأخْبَرَ عَنْهُما بِأنَّهُما آيَةٌ عُلِمَ أنَّ كُلَّ واحِدٍ آيَةٌ خاصَّةٌ. ومِن لَطائِفِ هَذا الإفْرادِ أنَّ بَيْنَ مَرْيَمَ وابْنِها حالَةً مُشْتَرَكَةً هي آيَةٌ واحِدَةٌ. ثُمَّ في كُلٍّ مِنهُما آيَةٌ أُخْرى مُسْتَقِلَّةٌ بِاخْتِلافِ حالِ النّاظِرِ المُتَأمِّلِ.
{"ayah":"وَٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَـٰهَا وَٱبۡنَهَاۤ ءَایَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق