الباحث القرآني
﴿قالُوا حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكم إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ ﴿قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ﴾
لَمّا غَلَبَهم بِالحُجَّةِ القاهِرَةِ لَمْ يَجِدُوا مُخَلِّصًا إلّا بِإهْلاكِهِ، وكَذَلِكَ المُبْطِلُ إذا قَرَعَتْ باطِلَهُ حُجَّةُ فَسادِهِ غَضِبَ عَلى المُحِقِّ، ولَمْ يَبْقَ لَهُ مَفْزَعٌ إلّا مُناصَبَتُهُ والتَّشَفِّي مِنهُ، كَما فَعَلَ المُشْرِكُونَ مِن قُرَيْشٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ عَجَزُوا عَنِ المُعارَضَةِ، واخْتارَ قَوْمُ إبْراهِيمَ أنْ يَكُونَ إهْلاكُهُ بِالإحْراقِ لِأنَّ النّارَ أهْوَلُ ما يُعاقَبُ بِهِ وأفْظَعُهُ.
والتَّحْرِيقُ: مُبالَغَةٌ في الحَرْقِ، أيْ حَرْقًا مُتْلِفًا.
وأُسْنِدَ قَوْلُ الأمْرِ بِإحْراقِهِ إلى جَمِيعِهِمْ لِأنَّهم قَبِلُوا هَذا القَوْلَ وسَألُوا مَلِكَهم، وهو النُّمْرُوذُ إحْراقَ إبْراهِيمَ فَأمَرَ بِإحْراقِهِ لِأنَّ العِقابَ بِإتْلافِ النُّفُوسِ لا يَمْلِكُهُ إلّا وُلاةُ أُمُورِ الأقْوامِ. قِيلَ الَّذِي أشارَ بِالرَّأْيِ بِإحْراقِ إبْراهِيمَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ كُرْدِيٌّ اسْمُهُ هِينُونُ، واسْتَحْسَنَ القَوْمُ ذَلِكَ، والَّذِي أمَرَ بِالإحْراقِ نُمْرُوذُ، فالأمْرُ في قَوْلِهِمْ (حَرِّقُوهُ) مُسْتَعْمَلٌ في المُشاوَرَةِ.
ويَظْهَرُ أنَّ هَذا القَوْلَ كانَ مُؤامَرَةً سِرِّيَّةً بَيْنَهم دُونَ حَضْرَةِ إبْراهِيمَ، وأنَّهم دَبَّرُوهُ لِيَبْغَتُوهُ بِهِ خَشْيَةَ هُرُوبِهِ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأرادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ [الأنبياء: ٧٠] .
ونُمْرُوذُ هَذا يَقُولُونَ: إنَّهُ ابْنُ كُوشَ بْنِ حامِ بْنِ نُوحٍ. ولا يَصِحُّ ذَلِكَ لِبُعْدِ ما بَيْنَ زَمَنِ إبْراهِيمَ وزَمَنِ كُوشَ. فالصَّوابُ أنَّ نُمْرُوذَ (p-١٠٦)مِن نَسْلِ (كُوشَ)، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ كَلِمَةُ (نُمْرُوذَ) لَقَبًا لِمَلِكِ الكَلْدانِ ولَيْسَتْ عَلَمًا، والمُقَدَّرُ في التّارِيخِ أنَّ مَلِكَ مَدِينَةِ أُورَ في زَمَنِ إبْراهِيمَ هو (ألْغى بْنُ أُورَخَ) وهو الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ أنْ آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ﴾ [البقرة: ٢٥٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ونَصْرُ الآلِهَةِ بِإتْلافِ عَدُوِّها.
ومَعْنى ﴿إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ النَّصْرَ. وهَذا تَحْرِيضٌ وتَلْهِيبٌ لِحَمِيَّتِهِمْ.
وجُمْلَةُ ﴿قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ﴾ مَفْصُولَةٌ عَنِ الَّتِي قَبْلَها: إمّا لِأنَّها وقَعَتْ كالجَوابِ عَنْ قَوْلِهِمْ (حَرِّقُوهُ) فَأشْبَهَتْ جُمَلَ المُحاوَرَةِ، وإمّا لِأنَّها اسْتِئْنافٌ عَنْ سُؤالٍ يَنْشَأُ عَنْ قِصَّةِ التَّآمُرِ عَلى الإحْراقِ، وبِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ جُمْلَةٍ أُخْرى، أيْ فَألْقَوْهُ في النّارِ قُلْنا: يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ. وقَدْ أظْهَرَ اللَّهُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِإبْراهِيمَ إذْ وجَّهَ إلى النّارِ تَعَلُّقَ الإرادَةِ بِسَلْبِ قُوَّةِ الإحْراقِ، وأنْ تَكُونَ بَرْدًا وسَلامًا إنْ كانَ الكَلامُ عَلى الحَقِيقَةِ، أوْ أزالَ عَنْ مِزاجِ إبْراهِيمَ التَّأثُّرَ بِحَرارَةِ النّارِ إنْ كانَ الكَلامُ عَلى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ، أيْ كُونِي كَبَرْدٍ في عَدَمِ تَحْرِيقِ المُلْقى فِيكِ بِحَرِّكِ.
وأمّا كَوْنُها سَلامًا فَهو حَقِيقَةٌ لا مَحالَةَ، وذِكْرُ (سَلامًا) بَعْدَ ذِكْرِ البَرْدِ كالِاحْتِراسِ لِأنَّ البَرْدَ مُؤْذٍ بِدَوامِهِ رُبَّما إذا اشْتَدَّ، فَعَقَّبَ ذِكْرَهُ بِذِكْرِ السَّلامِ لِذَلِكَ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَأهْلَكَتْهُ بِبَرْدِها، وإنَّما ذَكَرَ (بَرْدًا) ثُمَّ أتْبَعَ بِـ (سَلامًا) ولَمْ يَقْتَصِرْ عَلى (بَرْدًا) لِإظْهارِ عَجِيبِ صُنْعِ القُدْرَةِ إذْ صَيَّرَ النّارَ بَرْدًا، و(عَلى إبْراهِيمَ) يَتَنازَعُهُ (بَرْدًا وسَلامًا) . وهو أشَدُّ مُبالَغَةً في حُصُولِ نَفْعِهِما لَهُ. ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ الكَوْنِ.
{"ayahs_start":68,"ayahs":["قَالُوا۟ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤا۟ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ","قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدࣰا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ"],"ayah":"قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدࣰا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق