الباحث القرآني
﴿وأسَرُّوا النَّجْوى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١] إلى آخِرِها؛ لِأنَّ كِلْتا الجُمْلَتَيْنِ مَسُوقَةٌ لِذِكْرِ أحْوالِ تَلَقِّي المُشْرِكِينَ لِدَعْوَةِ النَّبِيءِ ﷺ بِالتَّكْذِيبِ والبُهْتانِ والتَّآمُرِ عَلى رَفْضِها. فالَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ المُرادُ بِالنّاسِ كَما تَقَدَّمَ، وواوُ الجَماعَةِ عائِدٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمائِرُ الغَيْبَةِ الرّاجِعَةُ إلى ”لِلنّاسِ“ ولَيْسَتْ جُمْلَةُ ﴿وأسَرُّوا النَّجْوى﴾ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿اسْتَمَعُوهُ وهم يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢]؛ لِأنَّ مَضْمُونَها لَيْسَ في مَعْنى التَّقْيِيدِ لِما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ. (p-١٣)و”الَّذِينَ ظَلَمُوا“ بَدَلٌ مِن واوِ الجَماعَةِ؛ لِزِيادَةِ تَقْرِيرِ أنَّهُمُ المَقْصُودُ مِنَ النَّجْوى؛ ولِما في المَوْصُولِ مِنَ الإيماءِ إلى سَبَبِ تَناجِيهِمْ بِما ذُكِرَ وأنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كُفْرُهم وظُلْمُهم أنْفُسَهم، ولِلنِّداءِ عَلى قُبْحِ ما هم مُتَّصِفُونَ بِهِ. وجُمْلَةُ ﴿هَلْ هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ بَدَلٌ مِنَ ”النَّجْوى“؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو ما تَناجَوْا بِهِ. فَهو بَدَلٌ مُطابِقٌ. ولَيْسَتْ هي كَجُمْلَةِ ﴿قالُوا إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ [طه: ٦٣] مِن جُمْلَةِ ﴿فَتَنازَعُوا أمْرَهم بَيْنَهم وأسَرُّوا النَّجْوى﴾ [طه: ٦٢] في سُورَةِ طَهَ، فَإنَّ تِلْكَ بَدَلُ بَعْضٍ مِن كُلٍّ؛ لِأنَّ ذَلِكَ القَوْلَ هو آخِرُ ما أسْفَرَتْ عَلَيْهِ النَّجْوى.
ووَجْهُ إسْرارِهِمْ بِذَلِكَ الكَلامِ قَصْدُهم أنْ لا يَطَّلِعَ المُسْلِمُونَ عَلى ما تَآمَرُوا بِهِ؛ لِئَلّا يَتَصَدّى الرَّسُولُ ﷺ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّهم عَلِمُوا أنَّ حُجَّتَهم في ذَلِكَ واهِيَةٌ، يَرُومُونَ بِها أنْ يُضَلِّلُوا الدَّهْماءَ، أوْ أنَّهم أسَرُّوا بِذَلِكَ لِفَرِيقٍ رَأوْا مِنهم مَخائِلَ التَّصْدِيقِ لِما جاءَ بِهِ النَّبِيءُ ﷺ لَمّا تَكاثَرَ بِمَكَّةَ الَّذِينَ أسْلَمُوا، فَخَشَوْا أنْ يَتَتابَعَ دُخُولُ النّاسِ في الإسْلامِ، فاخْتَلُوا بِقَوْمٍ ما زالُوا عَلى الشِّرْكِ وناجَوْهم بِذَلِكَ لِيُدْخِلُوا الشَّكَّ في قُلُوبِهِمْ.
والنَّجْوى: المُحادَثَةُ الخَفِيَّةُ. والإسْرارُ: هو الكِتْمانُ والكَلامُ الخَفِيُّ جِدًّا. وقَدْ تَقَدَّمَ الجَمْعُ بَيْنَهُما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهم ونَجْواهُمْ﴾ [التوبة: ٧٨] في سُورَةِ بَراءَةَ، وتَقَدَّمَ وجْهُ جَعْلِ النَّجْوى مَفْعُولًا لِـ ”أسَرُّوا“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأسَرُّوا النَّجْوى﴾ في ”سُورَةِ طَهَ“، أيْ جَعَلُوا نَجْواهم مَقْصُودَةً بِالكِتْمانِ، وبالَغُوا في إخْفائِها؛ لِأنَّ شَأْنَ التَّشاوُرِ في المُهِمِّ كِتْمانُهُ؛ كَيْلا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ المُخالِفُ فَيُفْسِدَهُ.
والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿هَلْ هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ إنْكارِيٌّ يَقْتَضِي أنَّهم خاطَبُوا مَن قارَبَ أنْ يُصَدِّقَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أيْ فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ بِنُبُوءَتِهِ وهو أحَدٌ مِنكم.
(p-١٤)وكَذَلِكَ الِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ﴾ إنْكارِيٌّ، وأرادَ بِالسِّحْرِ الكَلامَ الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْكم. والمَعْنى: أنَّهُ لَمّا كانَ بَشَرًا مِثْلَكم فَما تَصْدِيقُكم لِنُبُوءَتِهِ إلّا مِن أثَرِ سِحْرٍ سَحَرَكم بِهِ، فَتَأْتُونَ السِّحْرَ بِتَصْدِيقِكم بِما يَدْعُوكم إلَيْهِ.
وأُطْلِقَ الإتْيانُ عَلى القَبُولِ والمُتابَعَةِ عَلى طَرِيقِ المَجازِ أوِ الِاسْتِعارَةِ؛ لِأنَّ الإتْيانَ لِشَيْءٍ يَقْتَضِي الرَّغْبَةَ فِيهِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالإتْيانِ هُنا حُضُورُ النَّبِيءِ ﷺ لِسَماعِ دَعْوَتِهِ، فَجَعَلُوهُ إتْيانًا؛ لِأنَّ غالِبَ حُضُورِ المَجالِسِ أنْ يَكُونَ بِإتْيانٍ إلَيْها، وجَعَلُوا كَلامَهُ سِحْرًا؛ فَنَهَوْا مَن ناجَوْهم عَنِ الِاسْتِماعِ إلَيْهِ. وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكم تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] في سُورَةِ فُصِّلَتْ.
وقَوْلُهُ: ﴿وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ تَأْتُونَ السِّحْرَ وبَصَرُكم سَلِيمٌ، وأرادُوا بِهِ العِلْمَ البَدِيهِيَّ، فَعَبَّرُوا عَنْهُ بِالبَصَرِ؛ لِأنَّ المُبْصَراتِ لا يَحْتاجُ إدْراكُها إلى تَفْكِيرٍ.
{"ayah":"لَاهِیَةࣰ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ هَلۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق