الباحث القرآني
(p-٤٥)﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يَسْألُونَ﴾
الأظْهَرُ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ حالٌ مُكَمِّلَةٌ لِمَدْلُولِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ولا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ﴾ [الأنبياء: ٢١] إلَخْ. فالمَعْنى أنَّ مَن عِنْدَهُ - وهُمُ المُقَرَّبُونَ مِنَ المَخْلُوقاتِ - هم مَعَ قُرْبِهِمْ يُسْألُونَ عَمّا يَفْعَلُونَ ولا يَسْألُونَهُ عَمّا يَفْعَلُ، أيْ لَمْ يَبْلُغْ بِهِمْ قُرْبُهم إلى حَدِّ الإدْلالِ عَلَيْهِ وانَتِصابِهِمْ لِتَعَقُّبِ أفْعالِهِ. فَلَمّا كانَ الضَّمِيرُ المَرْفُوعُ بِالنِّيابَةِ عَنِ الفاعِلِ مُشْعِرًا بِفاعِلٍ حُذِفَ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، أيْ لا يَسْألُ سائِلٌ اللَّهَ تَعالى عَمّا يَفْعَلُ، وكانَ مِمَّنْ يَشْمَلُهُمُ الفاعِلُ المَحْذُوفُ هم مَن عِنْدَهُ مِنَ المُقَرَّبِينَ - صَحَّ كَوْنُ هَذِهِ الجُمْلَةِ حالًا مِن ”مَن عِنْدَهُ“، عَلى أنَّ جُمْلَةَ ”﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾“ تَمْهِيدٌ لِجُمْلَةِ ”﴿وهم يُسْألُونَ﴾“ . عَلى أنَّ تَقْدِيمَهُ عَلى جُمْلَةِ ”﴿وهم يُسْألُونَ﴾“ اقْتَضَتْهُ مُناسَبَةُ الحَدِيثِ عَنْ تَنْزِيهِهِ تَعالى عَنِ الشُّرَكاءِ، فَكانَ انْتِقالًا بَدِيعًا بِالرُّجُوعِ إلى بَقِيَّةِ أحْوالِ المُقَرَّبِينَ. فالمَقْصُودُ أنَّ مَن عِنْدَهُ مَعَ قُرْبِهِمْ ورِفْعَةِ شَأْنِهِمْ يُحاسِبُهُمُ اللَّهُ عَلى أعْمالِهِمْ، فَهم يَخافُونَ التَّقْصِيرَ فِيما كُلِّفُوا بِهِ مِنَ الأعْمالِ؛ ولِذَلِكَ كانُوا لا يَسْتَحْسِرُونَ ولا يَفْتُرُونَ. وبِهَذا تَعْلَمُ أنَّ ضَمِيرَ ”﴿وهم يُسْألُونَ﴾“ لَيْسَ بِراجِعٍ إلى ما رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ ”يَصِفُونَ“؛ لِأنَّ أُولَئِكَ لا جَدْوى لِلْإخْبارِ بِأنَّهم يَسْألُونَ؛ إذْ لا يَتَرَدَّدُ في العِلْمِ بِذَلِكَ أحَدٌ، ولا بِراجِعٍ إلى ”﴿آلِهَةً مِنَ الأرْضِ﴾ [الأنبياء: ٢١]“؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ سُؤالِهِمْ، وذَلِكَ هو ما دَعانا إلى اعْتِبارِ جُمْلَةِ ”﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾“ حالًا مِن ”مَن عِنْدَهُ“ .
(p-٤٦)والسُّؤالُ هُنا بِمَعْنى المُحاسَبَةِ، وطَلَبِ بَيانِ سَبَبِ الفِعْلِ، وإبْداءِ المَعْذِرَةِ عَنْ فِعْلِ بَعْضِ ما يُفْعَلُ، وتَخَلُّصٍ مِن مَلامٍ أوْ عِتابٍ عَلى ما يُفْعَلُ. وهو مِثْلُ السُّؤالِ في الحَدِيثِ «كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . فَكَوْنُهم يُسْألُونَ كِنايَةً عَنِ العُبُودِيَّةِ؛ لِأنَّ العَبْدَ بِمَظِنَّةِ المُؤاخَذَةِ عَلى ما يُفْعَلُ وما لا يُفْعَلُ وبِمَظِنَّةٍ لِلْخَطَأِ في بَعْضِ ما يُفْعَلُ.
ولَيْسَ المَقْصُودُ هُنا نَفْيَ سُؤالِ الِاسْتِشارَةِ أوْ تَطَلُّبِ العِلْمِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] في البَقَرَةِ، ولا سُؤالَ الدُّعاءِ، ولا سُؤالَ الِاسْتِفادَةِ والِاسْتِنْباطِ مِثْلَ أسْئِلَةِ المُتَفَقِّهِينَ أوِ المُتَكَلِّمِينَ عَنِ الحِكَمِ المَبْثُوثَةِ في الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ أوْ في النُّظُمِ الكَوْنِيَّةِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ اسْتِنْباطٌ وتَتَبُّعٌ ولَيْسَ مُباشَرَةً بِسُؤالِ اللَّهِ تَعالى، ولا لِتَطُلُّبِ مُخَلِّصٍ مِن مَلامٍ. وفي هَذا إبْطالٌ لِإلَهِيَّةِ المُقَرَّبِينَ الَّتِي زَعَمَها المُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَبَدُوا المَلائِكَةَ وزَعَمُوهم بَناتِ اللَّهِ تَعالى - بِطَرِيقَةِ انْتِفاءِ خاصِّيَّةِ الإلَهِ الحَقِّ عَنْهم؛ إذْ هم يُسْألُونَ عَمّا يَفْعَلُونَ، وشَأْنُ الإلَهِ أنْ لا يُسْألَ. وتُسْتَخْرَجُ مِن جُمْلَةِ ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾ كِنايَةٌ عَنْ جَرَيانِ أفْعالِ اللَّهِ تَعالى عَلى مُقْتَضى الحِكْمَةِ بِحَيْثُ إنَّها لا مَجالَ فِيها لِانْتِقادِ مُنْتَقِدٍ إذا أتْقَنَ النّاظِرُ التَّدَبُّرَ فِيها أوْ كُشِفَ لَهُ عَمّا خَفِيَ مِنها.
{"ayah":"لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق