الباحث القرآني
﴿قُلْ إنَّما يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
عَقَّبَ الوَصْفَ الجامِعَ لِرِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِن حَيْثُ ما لَها مِنَ الأثَرِ في أحْوالِ البَشَرِ بِوَصْفٍ جامِعٍ لِأصْلِ الدَّعْوَةِ الإسْلامِيَّةِ في ذاتِها الواجِبِ عَلى كُلِّ مُتَّبِعٍ لَها وهو الإيمانُ بِوَحْدانِيَّةِ اللَّهِ تَعالى وإبْطالِ إلَهِيَّةِ ما سِواهُ، لِنَبْذِ الشِّرْكِ المَبْثُوثِ بَيْنَ الأُمَمِ يَوْمَئِذٍ. ولِلِاهْتِمامِ بِذَلِكَ صُدِّرَتْ جُمْلَتُهُ بِالأمْرِ بِأنْ يَقُولَ لَهم لِاسْتِصْغاءِ أسْماعِهِمْ. وصِيغَتِ الجُمْلَةُ في صِيغَةِ حَصْرِ الوَحْيِ إلَيْهِ في مَضْمُونِها لِأنَّ مَضْمُونَها هو أصْلُ الشَّرِيعَةِ الأعْظَمُ، وكُلُّ ما تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ، فالدَّعْوَةُ إلَيْهِ هي مَقادَةُ الِاجْتِلابِ إلى الشَّرِيعَةِ كُلِّها، إذْ كانَ أصْلُ الخِلافِ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ الرَّسُولِ ومُعانِدِيهِ هو قَضِيَّةَ الوَحْدانِيَّةِ ولِذَلِكَ قالُوا ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ [ص: ٥] . وما كانَ إنْكارُهُمُ البَعْثَ إلّا لِأنَّهم لَمْ يَجِدُوهُ في دِينِ شِرْكِهِمْ إذْ كانَ الَّذِينَ وضَعُوا لَهُمُ الشِّرْكَ لا يُحَدِّثُونَهم إلّا عَنْ حالِهِمْ في الدُّنْيا فَما كانَ تَصَلُّبُهم في إنْكارِ البَعْثِ إلّا شُعْبَةً مِن شُعَبِ الشِّرْكِ. فَلا جَرَمَ كانَ الِاهْتِمامُ بِتَقْرِيرِ الوَحْدانِيَّةِ تَضْيِيقًا لِشُقَّةِ الخِلافِ بَيْنَ النَّبِيءِ وبَيْنَ المُشْرِكِينَ المُعْرِضِينَ الَّذِينَ افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِوَصْفِ حالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى (p-١٧١)﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهم وهم في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلّا اسْتَمَعُوهُ وهم يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢] ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] . وأفادَتْ (إنَّما) المَكْسُورَةُ الهَمْزَةِ وإتْلاؤُها بِفِعْلِ (يُوحى) قَصْرَ الوَحْيِ إلى الرَّسُولِ عَلى مَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ . وهو قَصْرُ صِفَةٍ عَلى مَوْصُوفٍ. و(أنَّما) المَفْتُوحَةُ الهَمْزَةِ هي أُخْتُ (إنَّما) المَكْسُورَةِ الهَمْزَةِ في إفادَةِ القَصْرِ لِأنَّ (أنَّما) المَفْتُوحَةَ مُرَكَّبَةٌ مِن ”أنَّ“ المَفْتُوحَةِ الهَمْزَةِ و”ما“ الكافَّةِ. كَما رُكِّبَتْ (إنَّما) المَكْسُورَةُ مِن ”إنَّ“ المَكْسُورَةِ الهَمْزَةِ و”ما“ الكافَّةِ. وإذْ كانَتْ ”أنَّ“ المَفْتُوحَةَ أُخْتُ ”إنَّ“ المَكْسُورَةِ في إفادَةِ التَّأْكِيدِ فَكَذَلِكَ كانَتْ عِنْدَ اتِّصالِها بِـ ”ما“ الكافَّةِ أُخْتًا لَها في إفادَةِ القَصْرِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فاعْلَمُوا أنَّما عَلى رَسُولِنا البَلاغُ المُبِينُ﴾ [المائدة: ٩٢] في سُورَةِ العُقُودِ. وإذْ قَدْ أتُلِيَتْ (أنَّما) المَفْتُوحَةُ بِالِاسْمِ الجامِعِ لِحَقِيقَةِ الإلَهِ، وأُخْبِرَ عَنْهُ بِأنَّهُ إلَهٌ واحِدٌ فَقَدْ أفادَتْ أنَّ صاحِبَ هَذِهِ الحَقِيقَةِ مُسْتَأْثِرٌ بِالوَحْدانِيَّةِ فَلا يَكُونُ في هَذِهِ الحَقِيقَةِ تَعَدُّدُ أفْرادٍ فَأفادَتْ قَصْرًا ثانِيًا، وهو قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلى صِفَةٍ. والقَصْرُ الأوَّلُ إضافِيٌّ؛ أيْ ما يُوحى إلَيَّ في شَأْنِ الإلَهِ إلّا أنَّ الإلَهَ إلَهٌ واحِدٌ. والقَصْرُ الثّانِي أيْضًا إضافِيٌّ. أيْ في شَأْنِ الإلَهِ مِن حَيْثُ الوَحْدانِيَّةُ. ولَمّا كانَ القَصْرُ الإضافِيُّ مِن شَأْنِهِ رَدُّ اعْتِقادِ المُخاطَبِ بِجُمْلَةِ القَصْرِ لَزِمَ اعْتِبارُ رَدِّ اعْتِقادِ المُشْرِكِينَ بِالقَصْرَيْنِ. فالقَصْرُ الأوَّلُ لِإبْطالِ ما يُلَبِّسُونَ بِهِ عَلى النّاسِ مِن أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ يَدْعُو إلى التَّوْحِيدِ ثُمَّ يَذْكُرُ اللَّهَ والرَّحْمَنَ. ويُلِّبِسُونَ تارَةً بِأنَّهُ ساحِرٌ لِأنَّهُ يَدْعُو إلى ما لا يُعْقَلُ. قالَ تَعالى ﴿وقالَ الكافِرُونَ هَذا ساحِرٌ كَذّابٌ﴾ [ص: ٤] ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ [ص: ٥] فَيَكُونُ مَعْنى الآيَةِ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩] (p-١٧٢)وقَوْلِهِ تَعالى ﴿مَن أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا أجَعَلْنا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥] . ثُمَّ إنَّ كِلا القَصْرَيْنِ كانَ كَلِمَةً جامِعَةً لِدَعْوَةِ الإسْلامِ تَقْرِيبًا لِشُقَّةِ الخِلافِ والتَّشْعِيبِ. وعَلى جَمِيعِ هَذِهِ الِاعْتِباراتِ تَفَرَّعَ عَلَيْها جُمْلَةُ ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
والِاسْتِفْهامُ حَقِيقِيٌّ؛ أيْ فَهَلْ تُسْلِمُونَ بَعْدَ هَذا البَيانِ. وهو مُسْتَعْمَلٌ أيْضًا في مَعْنًى كِنائِيٍّ وهو التَّحْرِيضُ عَلى نَبْذِ الإشْراكِ وعَلى الدُّخُولِ في دَعْوَةِ الإسْلامِ.
واسْمُ الفاعِلِ مُسْتَعْمَلٌ في الحالِ عَلى أصْلِهِ؛ أيْ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ الآنَ اسْتِبْطاءً لِتَأخُّرِ إسْلامِهِمْ. وصِيغَ ذَلِكَ في الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى الثَّباتِ دُونَ أنْ يُقالَ: فَهَلْ تُسْلِمُونَ، لِإفادَةِ أنَّ المَطْلُوبَ مِنهم إسْلامٌ ثابِتٌ. وكَأنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِهِمْ بِأنَّهم في رَيْبٍ يَتَرَدَّدُونَ.
{"ayah":"قُلۡ إِنَّمَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق