الباحث القرآني
﴿قالَ فَما بالُ القُرُونِ الأُولى﴾ ﴿قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رِبِّي ولا يَنْسى﴾ .
والبالُ: كَلِمَةٌ دَقِيقَةُ المَعْنى، تُطْلَقُ عَلى الحالِ المُهِمِّ، ومَصْدَرُهُ البالَهُ بِتَخْفِيفِ اللّامِ، قالَ تَعالى (﴿كَفَّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ وأصْلَحَ بالَهُمْ﴾ [محمد: ٢])، أيْ حالَهم. وفي الحَدِيثِ ”«كُلُّ أمْرٍ ذِي بالٍ» . .“ إلَخْ، وتُطْلَقُ عَلى الرَّأْيِ يُقالُ: خَطَرَ كَذا بِبالِيَ. ويَقُولُونَ: ما ألْقى لَهُ بالًا، وإيثارُ هَذِهِ الكَلِمَةِ هُنا مِن دَقِيقِ الخَصائِصِ البَلاغِيَّةِ.
(p-٢٣٤)أرادَ فِرْعَوْنُ أنْ يُحاجَّ مُوسى بِما حَصَلَ لِلْقُرُونِ الماضِيَةِ الَّذِينَ كانُوا عَلى مِلَّةِ فِرْعَوْنَ، أيْ قُرُونِ أهْلِ مِصْرَ، أيْ ما حالُهم، أفَتَزْعُمُ أنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلى ضَلالَةٍ. وهَذِهِ شَنْشَنَةُ مَن لا يَجِدْ حُجَّةً فَيَعْمِدُ إلى التَّشْغِيبِ بِتَخْيِيلِ اسْتِبْعادِ كَلامِ خَصْمِهِ، وهو في مَعْنى قَوْلِ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ في الآيَةِ الأُخْرى (﴿قالُوا أجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمّا وجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا﴾ [يونس: ٧٨]) .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّ فِرْعَوْنَ أرادَ التَّشْغِيبَ عَلى مُوسى حِينَ نَهَضَتْ حُجَّتُهُ بِأنْ يَنْقُلَهُ إلى الحَدِيثِ عَنْ حالِ القُرُونِ الأُولى: هَلْ هم في عَذابٍ بِمُناسَبَةِ قَوْلِ مُوسى (﴿أنَّ العَذابَ عَلى مَن كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ [طه: ٤٨])، فَإذا قالَ: إنَّهم في عَذابٍ، ثارَتْ ثائِرَةُ أبْنائِهِمْ فَصارُوا أعْداءً لِمُوسى، وإذا قالَ: هم في سَلامٍ، نَهَضَتْ حُجَّةُ فِرْعَوْنَ لِأنَّهُ مُتابِعٌ لِدِينِهِمْ. ولِأنَّ مُوسى لَمّا أعْلَمَهُ بِرَبِّهِ وكانَ ذَلِكَ مُشْعِرًا بِـ الخَلْقِ الأوَّلِ خَطَرَ بِبالِ فِرْعَوْنَ أنْ يَسْألَهُ عَنِ الِاعْتِقادِ في مَصِيرِ النّاسِ بَعْدَ الفَناءِ، فَسَألَ: ما بالُ القُرُونِ الأُولى ؟ وما شَأْنُهم وما الخَبَرُ عَنْهم ؟ وهو سُؤالُ تَعْجِيزٍ وتَشْغِيبٍ.
وقَوْلُ مُوسى في جَوابِهِ (﴿عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي في كِتابٍ﴾) صالِحٌ لِلِاحْتِمالَيْنِ، فَعَلى الِاحْتِمالِ الأوَّلِ يَكُونُ مُوسى صَرَفَهُ عَنِ الخَوْضِ فِيما لا يُجْدِي في مَقامِهِ ذَلِكَ الَّذِي هو المُتَمَحِّضُ لِدَعْوَةِ الأحْياءِ لا البَحْثِ عَنِ الأمْواتِ الَّذِينَ أفْضَوْا إلى عالَمِ الجَزاءِ. وهَذا نَظِيرُ «قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ لَمّا سُئِلَ عَنْ ذَرارِيِّ المُشْرِكِينَ فَقالَ: اللَّهُ أعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ» .
وعَلى الِاحْتِمالِ الثّانِي يَكُونُ مُوسى قَدْ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ حالِهِمْ خَيْبَةً لِمُرادِ فِرْعَوْنَ وعُدُولًا عَنِ الِاشْتِغالِ بِغَيْرِ الغَرَضِ الَّذِي جاءَ لِأجْلِهِ.
والحاصِلُ أنَّ مُوسى تَجَنَّبَ التَّصَدِّيَ لِلْمُجادَلَةِ والمُناقَضَةِ في غَيْرِ ما جاءَ لِأجْلِهِ لِأنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ بِذَلِكَ. وفي هَذا الإعْراضِ فَوائِدٌ كَثِيرَةٌ (p-٢٣٥)وهُوَ عالِمٌ بِمُجْمَلِ أحْوالِ القُرُونِ الأوْلى وغَيْرُ عالِمٍ بِتَفاصِيلِ أحْوالِهِمْ وأحْوالِ أشْخاصِهِمْ.
وإضافَةُ (عِلْمُها) مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِهِ. وضَمِيرُ (عِلْمُها) عائِدٌ إلى القُرُونِ الأُولى لِأنَّ لَفْظَ الجَمْعِ يَجُوزُ أنْ يُؤَنَّثَ ضَمِيرُهُ.
وقَوْلُهُ (في كِتابٍ) يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الكِتابُ مَجازًا في تَفْصِيلِ العِلْمِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالأُمُورِ المَكْتُوبَةِ، وأنْ يَكُونَ كِنايَةً عَنْ تَحْقِيقِ العِلْمِ لِأنَّ الأشْياءَ المَكْتُوبَةَ تَكُونُ مُحَقَّقَةً كَقَوْلِ الحارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ: وهَلْ يَنْقُضُ ما في المَهارِقِ الأهْواءُ
ويُؤَكِّدُ هَذا المَعْنى قَوْلُهُ (﴿لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى﴾) والضَّلالُ: الخَطَأُ في العِلْمِ، شُبِّهَ بِخَطَأِ الطَّرِيقِ. والنِّسْيانُ: عَدَمُ تَذَكُّرِ الأمْرِ المَعْلُومِ في ذِهْنِ العالِمِ.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ","قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّی فِی كِتَـٰبࣲۖ لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى"],"ayah":"قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّی فِی كِتَـٰبࣲۖ لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق