الباحث القرآني
﴿وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ أوْحَيْنا أيْ حِينَ أوْحَيْنا إلى أُمِّكَ ما كانَ بِهِ سَلامَتُكَ مِنَ المَوْتِ، وحِينَ ألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً لِتَحْصُلَ السَّرِقَةُ لِواجِدِهِ في اليَمِّ، فَيَحْرِصُ عَلى حَياتِهِ ونَمائِهِ ويَتَّخِذُهُ ولَدًا كَما جاءَ في الآيَةِ الأُخْرى (﴿وقالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي ولَكَ لا تَقْتُلُوهُ﴾ [القصص: ٩])؛ لِأنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ غَلَبَ عَلى ظَنِّهِ أنَّهُ مِن غِلْمانِ إسْرائِيلَ ولَيْسَ مِن أبْناءِ القِبْطِ، أوْ لِأنَّهُ يَخْطُرُ بِبالِهِ الأخْذُ بِالِاحْتِياطِ.
وإلْقاءُ المَحَبَّةِ مَجازٌ في تَعَلُّقِ المُحِبَّةِ بِهِ، أيْ خَلْقُ المَحَبَّةِ في قَلْبِ المُحِبِّ بِدُونِ سَبَبٍ عادِيٍّ حَتّى كَأنَّهُ وُضِعَ بِاليَدِ لا مُقْتَضًى لَهُ في العادَةِ.
ووَصْفُ المَحَبَّةِ بِأنَّها مِنَ اللَّهِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّها مَحَبَّةٌ خارِقَةٌ لِلْعادَةِ لِعَدَمِ ابْتِداءِ أسْبابِ المَحَبَّةِ العُرْفِيَّةِ مِنَ الإلْفِ والِانْتِفاعِ، ألا تَرى قَوْلَ امْرَأةِ فِرْعَوْنَ (﴿عَسى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ [القصص: ٩]) مَعَ قَوْلِها (﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي ولَكَ﴾ [القصص: ٩]) . فَكانَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَها قَبْلَ أنْ يَنْفَعَها وقَبْلَ اتِّخاذِهِ ولَدًا.
* * *
(p-٢١٨)﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِيَ﴾ ﴿إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكم عَلى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ﴾ [طه: ٤٠] .
جُمْلَةُ (﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي﴾) عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿إذْ أوْحَيْنا إلى أُمِّكَ﴾ [طه: ٣٨]) إلَخْ.
جُعِلَ الأمْرانِ إتْمامًا لِمِنَّةٍ واحِدَةٍ لِأنَّ إنْجاءَهُ مِنَ القَتْلِ لا يَظْهَرُ أثَرُهُ إلّا إذا أنْجاهُ مِنَ المَوْتِ بِالذُّبُولِ لِتَرْكِ الرَّضاعَةِ، ومِنَ الإهْمالِ المُفْضِي إلى الهَلاكِ أوِ الوَهْنِ إذا ولِيَ تَرْبِيَتَهُ مَن لا يُشْفِقُ عَلَيْهِ الشَّفَقَةَ الجَبِلِّيَّةَ. والتَّقْدِيرُ: وإذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكم عَلى مَن يَكْفُلُهُ لِأجْلِ أنْ تُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.
والصُّنْعُ: مُسْتَعارٌ لِلتَّرْبِيَةِ والتَّنْمِيَةِ، تَشْبِيهًا لِذَلِكَ بِصُنْعِ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ، ومِنهُ يُقالُ لِمَن أنْعَمَ عَلَيْهِ أحَدٌ نِعْمَةً عَظِيمَةً: هو صَنِيعَةُ فُلانٍ.
وأُخْتُ مُوسى: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرانَ. وفي التَّوْراةِ: أنَّها كانَتْ نَبِيئَةً كَما في الإصْحاحِ الخامِسَ عَشَرَ مِن سِفْرِ الخُرُوجِ. وتُوُفِّيَتْ مَرْيَمُ سَنَةَ ثَلاثٍ مِن خُرُوجِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن مِصْرَ في بَرِّيَّةِ صِينَ كَما في الإصْحاحِ التّاسِعَ عَشَرَ مِن سِفْرِ العَدَدِ. وذَلِكَ سَنَةَ ١٤١٧ قَبْلَ المَسِيحِ.
وقَرَأهُ الجُمْهُورُ بِكَسْرِ اللّامِ عَلى أنَّها لامُ كَيْ، وبِنَصْبِ فِعْلِ (تُصْنَعَ)، وقَرَأهُ أبُو جَعْفَرٍ بِسُكُونِ اللّامِ عَلى أنَّها لامُ الأمْرِ وبِجَزْمِ الفِعْلِ عَلى أنَّهُ أمْرٌ تَكْوِينِيٌّ، أيْ وقُلْنا: لِتُصْنَعَ.
وقَوْلُهُ (﴿عَلى عَيْنِي﴾) (عَلى) مِنهُ لِلِاسْتِلاءِ المَجازِيِّ، أيِ المُصاحَبَةِ المُتَمَكِّنَةِ، فَ (عَلى) هُنا بِمَعْنى باءِ المُصاحَبَةِ قالَ تَعالى (﴿فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا﴾ [الطور: ٤٨]) .
(p-٢١٩)والعَيْنُ: مَجازٌ في المُراعاةِ والمُراقَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعالى (﴿واصْنَعِ الفُلْكَ بِأعْيُنِنا﴾ [هود: ٣٧])، وقَوْلِ النّابِغَةِ:
؎عَهِدْتُكَ تَرْعانِيَ بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ وتَبْعَثُ حُرّاسًا عَلَيَّ وناظِرًا
ووَقَعَ اخْتِصارٌ في حِكايَةِ قِصَّةِ مَشْيِ أُخْتِهِ، وفُصِّلَتْ في سُورَةِ القَصَصِ.
والِاسْتِفْهامُ في (﴿هَلْ أدُلُّكُمْ﴾ [القصص: ١٢]) لِلْعَرْضِ. وأرادَتْ بِ (﴿مَن يَكْفُلُهُ﴾ [طه: ٤٠]) أُمَّهُ. فَلِذَلِكَ قالَ (﴿فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ﴾ [طه: ٤٠]) .
وهَذِهِ مِنَّةٌ عَلَيْهِ لِإكْمالِ نَمائِهِ، وعَلى أُمِّهِ بِنَجاتِهِ فَلَمْ تُفارِقِ ابْنَها إلّا ساعاتٍ قَلائِلَ، أكْرَمَها اللَّهُ بِسَبَبِ ابْنِها.
وعَطْفُ نَفْيِ الحُزْنِ عَلى قُرَّةِ العَيْنِ لِتَوْزِيعِ المِنَّةِ، لِأنَّ قُرَّةَ عَيْنِها بِرُجُوعِهِ إلَيْها، وانْتِفاءُ حُزْنِها بِتَحْقِيقِ سَلامَتِهِ مِنَ الهَلاكِ ومِنَ الغَرَقِ وبِوُصُولِهِ إلى أحْسَنِ مَأْوًى. وتَقْدِيمُ قُرَّةِ العَيْنِ عَلى انْتِفاءِ الحُزْنِ مَعَ أنَّها أخَصُّ فَيُغْنِي ذِكْرُها عَنْ ذِكْرِ انْتِفاءِ الحُزْنِ؛ رُوعِيَ فِيهِ مُناسَبَةُ تَعْقِيبِ (﴿فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ﴾ [طه: ٤٠]) بِما فِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ، ثُمَّ أُكْمِلَ بِذِكْرِ الحِكْمَةِ في مَشْيِ أُخْتِهِ فَتَقُولُ (﴿هَلْ أدُلُّكم عَلى مَن يَكْفُلُهُ﴾ [طه: ٤٠]) في بَيْتِها، وكَذَلِكَ كانَ شَأْنُ المَراضِعِ ذَواتِ الأزْواجِ كَما جاءَ في حَدِيثِ حَلِيمَةَ، وكَذَلِكَ ثَبَتَ في التَّوْراةِ في سِفْرِ الخُرُوجِ.
{"ayah":"أَنِ ٱقۡذِفِیهِ فِی ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ فَلۡیُلۡقِهِ ٱلۡیَمُّ بِٱلسَّاحِلِ یَأۡخُذۡهُ عَدُوࣱّ لِّی وَعَدُوࣱّ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَیۡتُ عَلَیۡكَ مَحَبَّةࣰ مِّنِّی وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَیۡنِیۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق