الباحث القرآني
﴿ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أزْواجًا مِنهم زَهْرَةَ الحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهم فِيهِ ورِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبْقى﴾
أُعْقِبَ أمْرُهُ بِالصَّبْرِ عَلى ما يَقُولُونَهُ بِنَهْيِهِ عَنِ الإعْجابِ بِما يَنْعَمُ بِهِ مِن تَنَعَّمَ مِنَ المُشْرِكِينَ بِأمْوالٍ وبَنِينَ في حِينِ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ بِأنَّ (p-٣٤٠)ذَلِكَ لِحِكَمٍ يَعْلَمُها اللَّهُ تَعالى، مِنها إقامَةُ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، كَما قالَ تَعالى: ﴿أيَحْسَبُونَ أنَّما نُمِدُّهم بِهِ مِن مالٍ وبَنِينَ نُسارِعُ لَهم في الخَيْراتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥] .
وذِكْرُ الأزْواجُ هُنا لِدَلالَتِهِ عَلى العائِلاتِ والبُيُوتِ، أيْ إلى ما مَتَّعْناهم وأزْواجَهم بِهِ مِنَ المُتَعِ؛ فَكُلُّ زَوْجٍ مُمَتَّعٌ بِمُتْعَةٍ في زَوْجِهِ مِمّا يَحْسُنُ في نَظَرِ كُلٍّ مِن مَحاسِنِ قَرِينِهِ وما يُقارِنُ ذَلِكَ مِن مَحاسِنَ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كالبَنِينَ، والرِّياشِ، والمَنازِلِ، والخَدَمِ. ومَدُّ العَيْنَيْنِ: مُسْتَعْمَلٌ في إطالَةِ النَّظَرِ لِلتَّعْجِيبِ لا لِلْإعْجابِ؛ شُبِّهَ ذَلِكَ بِمَدِّ اليَدِ لِتَناوُلِ شَيْءٍ مُشْتَهًى. وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في آخِرِ سُورَةِ الحِجْرِ. والزَّهْرَةُ بِفَتْحِ الزّايِ وسُكُونِ الهاءِ: واحِدَةُ الزَّهْرِ، وهو نَوْرُ الشَّجَرِ والنَّباتِ، وتُسْتَعارُ لِلزِّينَةِ المُعْجِبَةِ المُبْهِتَةِ، لِأنَّ مَنظَرَ الزَّهْرَةِ يُزَيِّنُ النَّباتَ ويُعْجِبُ النّاظِرَ، فَزَهْرَةُ الحَياةِ: زِينَةُ الحَياةِ، أيْ زِينَةُ أُمُورِ الحَياةِ مِنَ اللِّباسِ والأنْعامِ والجَنانِ والنِّساءِ والبَنِينَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا وزِينَتُها﴾ [القصص: ٦٠] . وانْتُصِبَ ﴿زَهْرَةَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ عَلى الحالِ مِنَ اسْمِ المَوْصُولِ في قَوْلِهِ: ﴿ما مَتَّعْنا بِهِ أزْواجًا مِنهُمْ﴾ .
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”زَهْرَةَ“ بِسُكُونِ الهاءِ. وقَرَأهُ يَعْقُوبُ بِفَتْحِ الهاءِ وهي لُغَةٌ.
”لِنَفْتِنَهم“ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”مَتَّعْنا“ . و”في“ لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، أيْ لِيَحْصُلَ فِتْنَتُهم في خِلالِهِ، فَفي كُلِّ صِنْفٍ مِن ذَلِكَ المَتاعِ فِتْنَةٌ مُناسِبَةٌ لَهُ. واللّامُ لِلْعِلَّةِ المَجازِيَّةِ الَّتِي هي عاقِبَةُ الشَّيْءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] .
(p-٣٤١)وإنَّما مَتَّعَهُمُ اللَّهُ بِزَهْرَةِ الدُّنْيا لِأسْبابٍ كَثِيرَةٍ مُتَسَلْسِلَةٍ عَنْ نُظُمِ الِاجْتِماعِ، فَكانَتْ لَهم فِتْنَةً في دِينِهِمْ، فَجُعِلَ الحاصِلُ بِمَنزِلَةِ الباعِثِ. والفِتْنَةُ: اضْطِرابُ النَّفْسِ وتَبَلْبُلِ البالِ مِن خَوْفٍ أوْ تَوَقُّعٍ أوِ التِواءِ الأُمُورِ، وكانُوا لا يَخْلُونَ مِن ذَلِكَ، فَلِشِرْكِهِمْ يَقْذِفُ اللَّهُ في قُلُوبِهِمُ الغَمَّ والتَّوَقُّعَ، وفِتْنَتُهم في الآخِرَةِ ظاهِرَةٌ. فالظَّرْفِيَّةُ هُنا كالَّتِي في قَوْلِ سَبْرَةَ بْنِ عَمْرٍو الفَقْعَسِيِّ:
؎نُحابِي بِها أكْفاءَنا وُنُهِينُها ونَشْرَبُ في أثْمانِها ونُقامِرُ
وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وارْزُقُوهم فِيها واكْسُوهُمْ﴾ [النساء: ٥] في سُورَةِ النِّساءِ. وجُمْلَةُ ﴿ورِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبْقى﴾ تَذْيِيلٌ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ”﴿ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى﴾“ آخِرِهِ يُفِيدُ أنَّ ما يَبْدُو لِلنّاظِرِ مِن حُسْنِ شارَتِهِمْ مَشُوبٌ ومُبَطَّنٌ بِفِتْنَةٍ في النَّفْسِ وشَقاءٍ في العَيْشِ وعِقابٍ عَلَيْهِ في الآخِرَةِ، فَذُيِّلَ بِأنَّ الرِّزْقَ المُيَسَّرَ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِن ذَلِكَ وأبْقى في الدُّنْيا ومَنفَعَتُهُ باقِيَةٌ في الآخِرَةِ لِما يُقارِنُهُ في الدُّنْيا مِنَ الشُّكْرِ. فَإضافَةُ ”رِزْقُ رَبِّكَ“ إضافَةُ تَشْرِيفٍ، وإلّا فَإنَّ الرِّزْقَ كُلَّهُ مِنَ اللَّهِ، ولَكِنَّ رِزْقَ الكافِرِينَ لَمّا خالَطَهُ وحَفَّ بِهِ حالُ أصْحابِهِ مِن غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، ولِما فِيهِ مِنَ التَّبِعَةِ عَلى أصْحابِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ لِكُفْرانِهِمُ النِّعْمَةَ جُعِلَ كالمَنكُورِ انْتِسابُهُ إلى اللَّهِ، وجُعِلَ رِزْقُ اللَّهِ هو السّالِمُ مِن مُلابَسَةِ الكُفْرانِ ومِن تَبِعاتِ ذَلِكَ.
و”خَيْرٌ“ تَفْضِيلٌ، والخَيْرِيَّةٌ حَقِيقَةٌ اعْتِبارِيَّةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ نَواحِيها. فَمِنها: خَيْرٌ لِصاحِبِهِ في العاجِلِ شَرٌّ عَلَيْهِ في الآجِلِ، ومِنها خَيْرٌ مَشُوبٌ بِشُرُورٍ وفِتَنٍ، وخَيْرٌ صافٍ مِن ذَلِكَ، ومِنها مُلائِمٌ مُلاءَمَةً قَوِيَّةً، وخَيْرٌ مُلائِمٌ مُلاءَمَةً ضَعِيفَةً، فالتَّفْضِيلُ بِاعْتِبارِ تُوَفُّرِ السَّلامَةِ مِنَ العَواقِبِ (p-٣٤٢)السَّيِّئَةِ والفِتَنِ كالمَقْرُونِ بِالقَناعَةِ، فَتَفْضِيلُ الخَيْرِيَّةِ جاءَ مُجْمَلًا يَظْهَرُ بِالتَّدَبُّرِ.
”وأبْقى“ تَفْضِيلٌ عَلى ما مُتِّعَ بِهِ الكافِرُونَ؛ لِأنَّ في رِزْقِ الكافِرِينَ بَقاءً، وهو أيْضًا يَظْهَرُ بَقاؤُهُ بِالتَّدَبُّرِ فِيما يَحِفُّ بِهِ وعَواقِبِهُ.
{"ayah":"وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰجࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق