الباحث القرآني
﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا﴾ ﴿فَيَذَرُها قاعًا صَفْصَفًا﴾ ﴿لا تَرى فِيها عِوَجًا ولا أمْتًا﴾
لَمّا جَرى ذِكْرُ البَعْثِ ووُصِفَ ما سَيَنْكَشِفُ لِلَّذِينَ أنْكَرُوهُ مِن خَطَئِهِمْ في شُبْهَتِهِمْ بِتَعَذُّرِ إعادَةِ الأجْسامِ بَعْدَ تَفَرُّقِ أجْزائِها ذُكِرَتْ أيْضًا شُبْهَةٌ مِن شُبُهاتِهِمْ كانُوا يَسْألُونَ بِها النَّبِيءَ ﷺ سُؤالَ تَعَنُّتٍ لا سُؤالَ اسْتِهْداءٍ، فَكانُوا يُحِيلُونَ انْقِضاءَ هَذا العالَمِ ويَقُولُونَ: فَأيْنَ تَكُونُ هَذِهِ الجِبالُ الَّتِي نَراها. ورُوِيَ أنَّ رَجُلًا مِن ثَقِيفٍ سَألَ النَّبِيءَ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، وهم أهْلُ جِبالٍ لِأنَّ مَوْطِنَهُمُ الطّائِفُ وفِيهِ جَبَلُ كَرى. وسَواءٌ كانَ سُؤالُهُمُ اسْتِهْزاءً أمِ اسْتِرْشادًا. فَقَدْ أنْبَأهُمُ اللَّهُ بِمَصِيرِ (p-٣٠٧)الجِبالِ إبْطالًا لِشُبْهَتِهِمْ وتَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ. قالَ القُرْطُبِيُّ: جاءَ هُنا - أيْ قَوْلُهُ: ”﴿فَقُلْ يَنْسِفُها﴾“ بِفاءٍ وكُلُّ سُؤالٍ في القُرْآنِ ”قُلْ“ - أيْ كُلُّ جَوابٍ في لَفْظٍ مِنهُ مادَّةُ سُؤالٍ - بِغَيْرِ فاءٍ إلّا هَذا؛ لِأنَّ المَعْنى: إنْ سَألُوكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ، فَتَضَمَّنَ الكَلامُ مَعْنى الشَّرْطِ، وقَدْ عَلِمَ أنَّهم يَسْألُونَهُ عَنْها فَأجابَهم قَبْلَ السُّؤالِ. وتِلْكَ أسْئِلَةٌ تَقَدَّمَتْ سَألُوا عَنْها النَّبِيءَ ﷺ فَجاءَ الجَوابُ عَقِبَ السُّؤالِ.
وأكَّدَ ”يَنْسِفُها نَسْفًا“ لِإثْباتِ أنَّهُ حَقِيقَةٌ لا اسْتِعارَةٌ. فَتَقْدِيرُ الكَلامِ: ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا. . . إلى آخِرِهِ، ونَنْسِفُ الجِبالَ نَسْفًا، فَقُلْ ذَلِكَ لِلَّذِينَ يَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ.
والنَّسْفُ: تَفْرِيقٌ وإذْراءٌ، وتَقَدَّمَ آنِفًا.
والقاعُ: الأرْضُ السَّهْلَةُ.
والصَّفْصَفُ: الأرْضُ المُسْتَوِيَةُ الَّتِي لا نُتُوءَ فِيها.
ومَعْنى يَذَرُها قاعًا صَفْصَفًا أنَّها تَنْدَكُّ في مَواضِعِها وتُسَوّى مَعَ الأرْضِ حَتّى تَصِيرَ في مُسْتَوى أرْضِها، وذَلِكَ يَحْصُلُ بِزِلْزالٍ أوْ نَحْوِهُ، قالَ تَعالى: ﴿إذا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا وبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة: ٤] . وجُمْلَةُ ﴿لا تَرى فِيها عِوَجًا ولا أمْتًا﴾ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنى ”قاعًا صَفْصَفًا“ لِزِيادَةِ تَصْوِيرِ حالَةٍ فَيَزِيدُ تَهْوِيلُها، والخِطابُ في ﴿لا تَرى فِيها عِوَجًا﴾ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، يُخاطِبُ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ سائِلِيهِ.
والعِوَجُ - بِكَسْرِ العَيْنِ وفَتْحِ الواوِ -: ضِدُّ الِاسْتِقامَةِ، ويُقالُ بِفَتْحِ العَيْنِ والواوِ كَذَلِكَ، فَهُما مُتَرادِفانِ عَلى الصَّحِيحِ مِن أقْوالِ أئِمَّةِ اللُّغَةِ. وهو ما جَزَمَ بِهِ عَمْرٌو واخْتارَهُ المَرْزُوقِيُّ في ”شَرْحِ الفَصِيحِ“ . وقالَ جَماعَةٌ: مَكْسُورُ العَيْنِ يَجْرِي عَلى الأجْسامِ غَيْرِ المُنْتَصِبَةِ كالأرْضِ (p-٣٠٨)وعَلى الأشْياءِ المَعْنَوِيَّةِ كالدِّينِ. ومَفْتُوحُ العَيْنِ يُوصَفُ بِهِ الأشْياءُ المُنْتَصِبَةُ كالحائِطِ والعَصا، وهو ظاهِرُ ما في ”لِسانِ العَرَبِ“ عَنِ الأزْهَرِيِّ، وقالَ فَرِيقٌ: مَكْسُورُ العَيْنِ تُوصَفُ بِهِ المَعانِي، ومَفْتُوحُ العَيْنِ تُوصَفُ بِهِ الأعْيانُ. وهَذا أضْعَفُ الأقْوالِ، وهو مَنقُولٌ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ في الجَمْهَرَةِ، وتَبِعَهُ في الكَشّافِ هُنا، وكَأنَّهُ مالَ إلى ما فِيهِ مِنَ التَّفْرِقَةِ في الِاسْتِعْمالِ، وذَلِكَ مِنَ الدَّقائِقِ الَّتِي يَمِيلُ إلَيْها المُحَقِّقُونَ. ولَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ صاحِبُ ”القامُوسِ“، وتَعَسَّفَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ تَأْوِيلَ الآيَةِ عَلى اعْتِبارِهِ خِلافًا لِظاهِرِها. وهو يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ إطْلاقِهِ في كُلِّ مَوْضِعٍ. وتَقَدَّمَ هَذا اللَّفْظُ في أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ فانْظُرْهُ.
والأمْتُ: النُّتُوءُ اليَسِيرُ، أيْ لا تَرى فِيها وهْدَةً ولا نُتُوءًا ما.
والمَعْنى: لا تَرى في مَكانِ نَسْفِها عِوَجًا ولا أمْتًا.
{"ayahs_start":105,"ayahs":["وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا","فَیَذَرُهَا قَاعࣰا صَفۡصَفࣰا","لَّا تَرَىٰ فِیهَا عِوَجࣰا وَلَاۤ أَمۡتࣰا"],"ayah":"وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق