الباحث القرآني
﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ لا إلَهَ إلّا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وماتُوا وهم كُفّارٌ﴾ [البقرة: ١٦١] .
والمُناسَبَةُ أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ ما يَنالُهم عَلى الشِّرْكِ مِنَ اللَّعْنَةِ والخُلُودِ في النّارِ بَيَّنَ أنَّ الَّذِي كَفَرُوا بِهِ وأشْرَكُوا هو إلَهٌ واحِدٌ وفي هَذا العَطْفِ زِيادَةُ تَرْجِيحٍ لِما انْتَمَيْناهُ مِن كَوْنِ المُرادِ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا المُشْرِكِينَ لِأنَّ أهْلَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِإلَهٍ واحِدٍ.
والخِطابُ بِكافِ الجَمْعِ لِكُلِّ مَن يَتَأتّى خِطابُهُ وقْتَ نُزُولِ الآيَةِ أوْ بَعْدَهُ مِن كُلِّ قارِئٍ لِلْقُرْآنِ وسامِعٍ فالضَّمِيرُ عامٌّ، والمَقْصُودُ بِهِ ابْتِداءً المُشْرِكُونَ لِأنَّهم جَهِلُوا أنَّ الإلَهَ لا يَكُونُ إلّا واحِدًا.
والإلَهُ في كَلامِ العَرَبِ هو المَعْبُودُ ولِذَلِكَ تَعَدَّدَتِ الآلِهَةُ عِنْدَهم وأُطْلِقَ لَفْظُ الإلَهِ عَلى كُلِّ صَنَمٍ عَبَدُوهُ وهو إطْلاقٌ ناشِئٌ عَنِ الضَّلالِ في حَقِيقَةِ الإلَهِ لِأنَّ عِبادَةَ مَن لا يُغْنِي عَنْ نَفْسِهِ ولا عَنْ عابِدِهِ شَيْئًا عَبَثٌ وغَلَطٌ، فَوَصْفُ الإلَهِ هُنا بِالواحِدِ لِأنَّهُ في نَفْسِ الأمْرِ هو المَعْبُودُ بِحَقٍّ فَلَيْسَ إطْلاقُ الإلَهِ عَلى المَعْبُودِ بِحَقٍّ نَقَلًا في لُغَةِ الإسْلامِ ولَكِنَّهُ تَحْقِيقٌ لِلْحَقِّ.
وما ورَدَ في القُرْآنِ مِن إطْلاقِ جَمْعِ الآلِهَةِ عَلى أصْنامِهِمْ فَهو في مَقامِ التَّغْلِيطِ لِزَعْمِهِمْ نَحْوُ ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهم وذَلِكَ إفْكُهم وما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٨]، والقَرِينَةُ هي الجَمْعُ، ولِذَلِكَ لَمْ يُطْلَقْ في القُرْآنِ الإلَهُ بِالإفْرادِ عَلى المَعْبُودِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وبِهَذا تَسْتَغْنِي عَنْ إكْدادِ عَقْلِكَ في تَكَلُّفاتٍ تَكَلَّفَها بَعْضُ المُفَسِّرِينَ في مَعْنى ﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ .
والإخْبارُ عَنْ إلَهِكم بِـ إلَهٍ تَكْرِيرٌ لِيَجْرِيَ عَلَيْهِ الوَصْفُ بِواحِدٍ والمَقْصُودُ: وإلَهُكم واحِدٌ لَكِنَّهُ وسَّطَ لَفْظَ إلَهٍ بَيْنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ لِتَقْرِيرِ مَعْنى الأُلُوهِيَّةِ في المُخْبَرِ عَنْهُ كَما تَقُولُ: عالَمُ المَدِينَةِ عالَمٌ فائِقٌ. ولِيَجِيءَ ما كانَ أصْلُهُ خَبَرًا مَجِيءَ النَّعْتِ فَيُفِيدُ أنَّهُ وصْفٌ ثابِتٌ لِلْمَوْصُوفِ لِأنَّهُ صارَ نَعْتًا
(p-٧٥)إذْ أصْلُ النَّعْتِ أنْ يَكُونَ وصْفًا ثابِتًا وأصْلُ الخَبَرِ أنْ يَكُونَ وصْفًا حادِثًا، وهَذا اسْتِعْمالٌ مُتَّبَعٌ في فَصِيحِ الكَلامِ أنْ يُعادَ الِاسْمُ أوِ الفِعْلُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِيُبْنى عَلَيْهِ وصْفٌ أوْ مُتَعَلِّقٌ كَقَوْلِهِ إلَهًا واحِدًا وقَوْلِهِ ﴿وإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى. . . . والتَّنْكِيرُ في إلَهٍ لِلنَّوْعِيَّةِ لِأنَّ المَقْصُودَ مِنهُ تَقْرِيرُ مَعْنى الأُلُوهِيَّةِ، ولَيْسَ لِلْإفْرادِ لِأنَّ الإفْرادَ اسْتُفِيدَ مِن قَوْلِهِ واحِدٌ خِلافًا لِصاحِبِ المِفْتاحِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ﴾ [الأنعام: ١٩] إذْ جَعَلَ التَّنْكِيرَ في إلَهٍ لِلْإفْرادِ وجَعَلَ تَفْسِيرَهُ بِالواحِدِ بَيانًا لِلْوَحْدَةِ لِأنَّ المَصِيرَ إلى الإفْرادِ في القَصْدِ مِنَ التَّنْكِيرِ مَصِيرٌ لا يَخْتارُهُ البَلِيغُ ما وجَدَ عَنْهُ مَندُوحَةً.
وقَوْلُهُ لا إلَهَ إلّا هو تَأْكِيدٌ لِمَعْنى الوَحْدَةِ وتَنْصِيصٌ عَلَيْها لِرَفْعِ احْتِمالِ أنْ يَكُونَ المُرادُ الكَمالَ كَقَوْلِهِمْ في المُبالَغَةِ: هو نَسِيجُ وحْدِهِ، أوْ أنْ يَكُونَ المُرادُ إلَهَ المُسْلِمِينَ خاصَّةً كَما يَتَوَهَّمُهُ المُشْرِكُونَ ألا تَرى إلى قَوْلِ أبِي سُفْيانَ: لَنا العُزّى ولا عُزّى لَكم.
وقَدْ أفادَتْ جُمْلَةُ لا إلَهَ إلّا هو التَّوْحِيدَ لِأنَّها نَفَتْ حَقِيقَةَ الأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى. وخَبَرُ ”لا“ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ما في ”لا“ مِن مَعْنى النَّفْيِ لِأنَّ كُلَّ سامِعٍ يَعْلَمُ أنَّ المُرادَ نَفْيُ هَذِهِ الحَقِيقَةِ فالتَّقْدِيرُ: لا إلَهَ إلّا هو. وقَدْ عَرَضَتْ حَيْرَةٌ لِلنُّحاةِ في تَقْدِيرِ الخَبَرِ في هاتِهِ الكَلِمَةِ لِأنَّ تَقْدِيرَ مَوْجُودٍ يُوهِمُ أنَّهُ قَدْ يُوجَدُ إلَهٌ لَيْسَ هو مَوْجُودًا في وقْتِ التَّكَلُّمِ بِهاتِهِ الجُمْلَةِ، وأنا أُجِيبُ بِأنَّ المَقْصُودَ إبْطالُ وُجُودِ إلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ رَدًّا عَلى الَّذِينَ ادَّعَوْا آلِهَةً مَوْجُودَةً الآنَ وأمّا انْتِفاءُ وُجُودِ إلَهٍ في المُسْتَقْبَلِ فَمَعْلُومٌ لِأنَّ الأجْناسَ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ لا يُتَرَقَّبُ وجُودُها مِن بَعْدُ لِأنَّ مُثْبِتِي الآلِهَةَ يُثْبِتُونَ لَها القِدَمَ فَلا يُتَوَهَّمُ تَزايُدُها، ونُسِبَ إلى الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّهُ لا تَقْدِيرَ لِخَبَرٍ هُنا وأنَّ أصْلَ لا إلَهَ إلّا هو هو إلَهٌ فَقَدَّمَ إلَهَ وأخَّرَ هو لِأجْلِ الحَصْرِ بِإلّا وذَكَرُوا أنَّهُ ألَّفَ في ذَلِكَ رِسالَةً، وهَذا تَكَلُّفٌ والحَقُّ عِنْدِي أنَّ المُقَدَّراتِ لا مَفاهِيمَ لَها فَلَيْسَ تَقْدِيرُ: لا إلَهَ مَوْجُودٌ بِمَنزِلَةِ النُّطْقِ بِقَوْلِكَ لا إلَهَ مَوْجُودٌ بَلْ إنَّ التَّقْدِيرَ لِإظْهارِ مَعانِي الكَلامِ وتَقْرِيبِ الفَهْمِ وإلّا فَإنَّ ”لا“ النّافِيَةَ إذا نَفَتِ النَّكِرَةَ فَقَدْ دَلَّتْ عَلى نَفْيِ الجِنْسِ أيْ نَفْيِ تَحَقُّقِ الحَقِيقَةِ فَمَعْنى لا إلَهَ انْتِفاءُ الأُلُوهِيَّةِ إلّا اللَّهُ أيْ إلّا لِلَّهِ.
وقَوْلُهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وصْفانِ لِلضَّمِيرِ، أيِ المُنْعِمِ بِجَلائِلِ النِّعَمِ ودَقائِقِها وهُما وصْفانِ لِلْمَدْحِ وفِيهِما تَلْمِيحٌ لِدَلِيلِ الأُلُوهِيَّةِ والِانْفِرادِ بِها لِأنَّهُ مِنهم، وغَيْرُهُ لَيْسَ بِمُنْعِمٍ ولَيْسَ في الصِّفَتَيْنِ دَلالَةٌ عَلى الحَصْرِ ولَكِنَّهُما تَعْرِيضٌ بِهِ هُنا لِأنَّ الكَلامَ مَسُوقٌ لِإبْطالِ أُلُوهِيَّةِ غَيْرِهِ (p-٧٦)فَكانَ ما يَذْكُرُ مِنَ الأوْصافِ المُقْتَضِيَةِ لِلْأُلُوهِيَّةِ هو في مَعْنى قَصْرِها عَلَيْهِ تَعالى، وفي الجَمْعِ بَيْنَ وصْفَيِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في سُورَةِ الفاتِحَةِ عَلى أنَّ في ذِكْرِ صِفَةِ الرَّحْمَنِ إغاظَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَإنَّهم أبَوْا وصْفَ اللَّهِ بِالرَّحْمَنِ كَما حَكى اللَّهُ عَنْهم بِقَوْلِهِ ﴿قالُوا وما الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٦٠] .
واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ إلّا هو اسْتِثْناءٌ مِنَ الإلَهِ المَنفِيِّ أيْ أنَّ جِنْسَ الإلَهِ مَنفِيٌّ إلّا هَذا الفَرْدَ، وخَبَرُ ”لا“ في مِثْلِ هاتِهِ المَواضِعِ يَكْثُرُ حَذْفُهُ لِأنَّ لا التَّبْرِئَةِ مُفِيدَةٌ لِنَفْيِ الجِنْسِ فالفائِدَةُ حاصِلَةٌ مِنها ولا تَحْتاجُ لِلْخَبَرِ إلّا إذا أُرِيدَ تَقْيِيدُ النَّفْيِ بِحالَةٍ نَحْوَ: لا رَجُلَ في الدّارِ غَيْرَ أنَّهم لَمّا كَرِهُوا بَقاءَ صُورَةِ اسْمٍ وحَرْفٍ بِلا خَبَرٍ ذَكَرُوا مَعَ اسْمِ لا خَبَرًا ألا تَرى أنَّهم إذا وجَدُوا شَيْئًا يَسُدُّ مَسَدَّ الخَبَرِ في الصُّورَةِ حَذَفُوا الخَبَرَ مَعَ ”لا“ نَحْوَ الِاسْتِثْناءِ في: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ونَحْوَ التَّكْرِيرِ في قَوْلِهِ: لا نَسَبَ اليَوْمَ ولا خُلَّةَ. ولِأبِي حَيّانَ هُنا تَكَلُّفاتٌ.
وقَوْلُهُ ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ زِيادَةٌ في الرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ لِأنَّهم قالُوا ﴿وما الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٦٠] .
{"ayah":"وَإِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق