الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وماتُوا وهم كُفّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ ﴿خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ ولا هم يُنْظَرُونَ﴾ اسْتِئْنافُ كَلامٍ لِإفادَةِ حالِ فَرِيقٍ آخَرَ مُشارِكٍ لِلَّذِي قَبْلَهُ في اسْتِحْقاقِ لَعْنَةِ اللَّهِ واللّاعِنِينَ وهي لَعْنَةٌ أُخْرى.
وهَذا الفَرِيقُ هُمُ المُشْرِكُونَ فَإنَّ الكُفْرَ يُطْلَقُ كَثِيرًا في القُرْآنِ مُرادًا بِهِ الشِّرْكُ قالَ تَعالى ﴿ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ قَدْ قُرِنُوا سابِقًا مَعَ أهْلِ الكِتابِ (p-٧٣)قالَ تَعالى ﴿ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ ولا المُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٠٥] الآيَةَ ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنا اللَّهُ أوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذَلِكَ قالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [البقرة: ١١٨] فَلَمّا اسْتُؤْنِفَ الكَلامُ بِبَيانِ لَعْنَةِ أهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ عُقِّبَ ذَلِكَ بِبَيانِ عُقُوبَةِ المُشْرِكِينَ أيْضًا فالقَوْلُ في الِاسْتِئْنافِ هُنا كالقَوْلِ في الِاسْتِئْنافِ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩] مِن كَوْنِهِ بَيانِيًّا أوْ مُجَرَّدًا.
وقالَ الفَخْرُ: الَّذِينَ كَفَرُوا عامٌّ وهو شامِلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُمُونَ وغَيْرِهِمْ والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ أيْ لِما فِيها مِن تَعْمِيمِ الحُكْمِ بَعْدَ إناطَتِهِ بِبَعْضِ الأفْرادِ، وجَعَلَ في الكَشّافِ المُرادَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا خُصُوصَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ وماتُوا عَلى ذَلِكَ وأنَّهُ ذَكَرَ لَعْنَتَهم أحْياءً ثُمَّ لَعَنْتَهم أمْواتًا، وهو بَعِيدٌ عَنْ مَعْنى الآيَةِ لِأنَّ إعادَةَ ”وكَفَرُوا“ لا نُكْتَةَ لَها لِلِاسْتِغْناءِ بِأنْ يُقالَ: والَّذِينَ ماتُوا وهم كُفّارٌ، عَلى أنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْ ذَلِكَ أيْضًا بِأنَّهُ مَفادُ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ مَعَ اسْتِثْنائِها، واللَّعْنَةُ لا يَظْهَرُ أثَرُها إلّا بَعْدَ المَوْتِ فَلا مَعْنى لِجَعْلِها لَعْنَتَيْنِ، ولِأنَّ تَعْقِيبَهُ بِقَوْلِهِ ﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣] يُؤْذِنُ بِأنَّ المُرادَ هُنا المُشْرِكُونَ لِتَظْهَرَ مُناسَبَةُ الِانْتِقالِ.
وإنَّما قالَ هُنا والنّاسِ أجْمَعِينَ لِأنَّ المُشْرِكِينَ يَلْعَنُهم أهْلُ الكِتابِ وسائِرُ المُتَدَيِّنِينَ المُوَحِّدِينَ لِلْخالِقِ بِخِلافِ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أُنْزِلَ مِنَ البَيِّناتِ فَإنَّما يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ والصّالِحُونَ مِن أهْلِ دِينِهِمْ كَما تَقَدَّمَ وتَلْعَنُهُمُ المَلائِكَةُ، وعُمُومُ النّاسِ عُرْفِيٌّ أيِ الَّذِينَ هم مِن أهْلِ التَّوْحِيدِ.
وقَوْلُهُ خالِدِينَ فِيها تَصْرِيحٌ بِلازِمِ اللَّعْنَةِ الدّائِمَةِ فالضَّمِيرُ عائِدٌ لِجَهَنَّمَ لِأنَّها مَعْرُوفَةٌ مِنَ المُقامِ مِثْلُ ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ [ص: ٣٢]، ﴿كَلّا إذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ﴾ [القيامة: ٢٦]، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ إلى اللَّعْنَةِ ويُرادَ أثَرُها ولازِمُها.
وقَوْلُهُ ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ﴾ أيْ لِأنَّ كُفْرَهم عَظِيمٌ يَصُدَّهم عَنْ خَيْراتٍ كَثِيرَةٍ بِخِلافِ كُفْرِ أهْلِ الكِتابِ.
والإنْظارُ: الإمْهالُ، نَظَرَهُ نَظْرَةً أمْهَلَهُ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ ولا هم يُمْهَلُونَ في نُزُولِ العَذابِ بِهِمْ في الدُّنْيا وهو عَذابُ القَتْلِ إذْ لا يُقْبَلُ مِنهم إلّا الإسْلامُ دُونَ الجِزْيَةِ بِخِلافِ أهْلِ الكِتابِ وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنّا كاشِفُوا العَذابِ قَلِيلًا إنَّكم عائِدُونَ﴾ [الدخان: ١٥] ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى إنّا مُنْتَقِمُونَ﴾ [الدخان: ١٦] وهي بَطْشَةُ يَوْمِ بَدْرٍ.
(p-٧٤)وقِيلَ يُنْظَرُونَ هُنا مِن نَظَرِ العَيْنِ وهو يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ كَما يَتَعَدّى بِإلى؛ أيْ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ وهو كِنايَةٌ عَنِ الغَضَبِ والتَّحْقِيرِ.
وجِيءَ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ هُنا لِدَلالَتِها عَلى الثَّباتِ والِاسْتِقْرارِ بِخِلافِ قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٥٩] فالمَقْصُودُ التَّجَدُّدُ لِيَكُونُوا غَيْرَ آيِسِينَ مِنَ التَّوْبَةِ.
{"ayahs_start":161,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ","خَـٰلِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ"],"ayah":"خَـٰلِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق