الباحث القرآني
﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا أيُّ الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا وأحْسَنُ نَدِيًّا﴾ ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرَنٍ هم أحْسَنُ أثاثًا ورِيًّا﴾ .
عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ (﴿ويَقُولُ الإنْسانُ أإذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجَ حَيًّا﴾ [مريم: ٦٦]) . وهَذا صِنْفٌ آخَرٌ مِن غُرُورِ المُشْرِكِينَ بِالدُّنْيا وإناطَتُهم دَلالَةٌ عَلى السَّعادَةِ بِأحْوالِ طِيبِ العَيْشِ في الدُّنْيا فَكانَ المُشْرِكُونَ يَتَشَفّفُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ ويَرَوْنَ أنْفُسَهم أسْعَدَ مِنهم.
والتِّلاوَةُ: القِراءَةُ. وقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿واتَّبَعُوا ما تَتْلُو الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]) في البَقَرَةِ، وقَوْلِهِ (﴿وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهم إيمانًا﴾ [الأنفال: ٢]) في أوَّلِ الأنْفالِ. كانَ النَّبِيءُ ﷺ يَقْرَأُ عَلى المُشْرِكِينَ القُرْآنَ فَيَسْمَعُونَ آياتِ النَّعْيِ عَلَيْهِمْ وإنْذارِهِمْ بِسُوءِ المَصِيرِ، وآياتِ البِشارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِحُسْنِ العاقِبَةِ، فَكانَ المُشْرِكُونَ يُكَذِّبُونَ بِذَلِكَ ويَقُولُونَ: لَوْ كانَ لِلْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ لَعُجِّلَ لَهم، فَنَحْنُ في نِعْمَةٍ وأهْلُ سِيادَةٍ، وأتْباعُ مُحَمَّدٍ مِن عامَّةِ النّاسِ، وكَيْفَ يَفُوقُونَنا بَلْ كَيْفَ يَسْتَوُونَ مَعَنا، ولَوْ كُنّا عِنْدَ اللَّهِ كَما يَقُولُ مُحَمَّدٌ لَمَنَّ عَلى المُؤْمِنِينَ بِرَفاهِيَةِ العَيْشِ فَإنَّهم في حالَةِ ضَنْكٍ ولا يُساوُونَنا، فَلَوْ أقْصاهم مُحَمَّدٌ عَنْ مَجْلِسِهِ لاتَّبَعْناهُ.
قالَ تَعالى (﴿ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِن حِسابِهِمْ مِن شَيْءٍ وما مِن حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهم فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٢] ﴿وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا ألَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]) (p-١٥٤)وقالَ تَعالى (﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١]) . فَلِأجْلِ كَوْنِ المُشْرِكِينَ كانُوا يَقِيسُونَ هَذا القِياسَ الفاسِدَ ويُغالِطُونَ بِهِ جُعِلَ قَوْلُهم بِهِ مُعَلَّقًا بِزَمانِ تِلاوَةِ آياتِ القُرْآنِ عَلَيْهِمْ. فالمُرادُ بِالآياتِ البَيِّناتِ: آياتُ القُرْآنِ، ومَعْنى كَوْنِها بَيِّناتٍ: أنَّها واضِحاتُ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ومُفْعَمَةٌ بِالأدِلَّةِ المُقْنِعَةِ. واللّامُ في قَوْلِهِ (﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾) يَجُوزُ كَوْنُها لِلتَّعْلِيلِ، أيْ قالُوا لِأجْلِ الَّذِينَ آمَنُوا، أيْ مِن أجْلِ شَأْنِهِمْ، فَيَكُونُ هَذا قَوْلُ المُشْرِكِينَ فِيما بَيْنَهم. ويَجُوزُ كَوْنُها مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ قالَ لِتَعْدِيَتِهِ إلى مُتَعَلِّقَهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهمْ خِطابًا مِنهم لِلْمُؤْمِنِينَ. والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِمْ (﴿أيُّ الفَرِيقَيْنِ﴾) تَقْرِيرِيٌّ.
وقَرَأ مَن عَدا ابْنِ كَثِيرٍ مَقامًا بِفَتْحِ المِيمِ عَلى أنَّهُ اسْمُ مَكانٍ مِن قامَ، أُطْلِقَ مَجازًا عَلى الحَظِّ والرِّفْعَةِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى (﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦])، فَهو مَأْخُوذٌ مِنَ القِيامِ المُسْتَعْمَلِ مَجازًا في الظُّهُورِ والمَقْدِرَةِ.
وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِضَمِّ المِيمِ مِن أقامَ بِالمَكانِ، وهو مُسْتَعْمَلٌ في الكَوْنِ في الدُّنْيا. والمَعْنى: خَيْرٌ حَياةً. وجُمْلَةُ (﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ﴾ [مريم: ٩٨]) خِطابٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ. وقَدْ أهْلَكَ اللَّهُ أهْلَ قُرُونٍ كَثِيرَةٍ كانُوا أرْفَهَ مِن مُشْرِكِي العَرَبِ مَتاعًا وأجْمَلَ مِنهم مَنظَرًا. فَهَذِهِ الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ حِكايَةِ قَوْلِهِمْ وبَيْنَ تَلْقِينِ النَّبِيءِ ﷺ ما يُجِيبُهم بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ. ومَوْقِعُها التَّهْدِيدُ وما بَعْدَها هو الجَوابُ.
والأثاثُ: مَتاعُ البُيُوتِ الَّذِي يُتَزَيَّنُ بِهِ، ورِئْيًا قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الرّاءِ وبَعْدَ الهَمْزَةِ ياءٌ عَلى وزْنِ فِعْلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ كَذِبْحٍ مِنَ الرُّؤْيَةِ، أيْ أحْسَنُ مَرْئِيًّا، أيْ مَنظَرًا وهَيْئَةً. (p-١٥٥)وقَرَأهُ قالُونُ عَنْ نافِعٍ وابْنِ ذَكْوانَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ (رِيًّا) بِتَشْدِيدِ الياءِ بِلا هَمْزٍ إمّا عَلى أنَّهُ مِن قَلْبِ الهَمْزَةِ ياءً وإدْغامِها في الياءِ الأُخْرى، وإمّا عَلى أنَّهُ مِنَ الرَّيِّ الَّذِي هو النِّعْمَةُ والتَّرَفُهُ، مِن قَوْلِهِمْ: رَيّانٌ مِنَ النَّعِيمِ، وأصْلُهُ مِنَ الرَّيِّ ضِدُّ العَطَشِ، لِأنَّ الرَّيَّ يُسْتَعارُ لِلتَّنَعُّمِ كَما يُسْتَعارُ التَّلَهُّفُ لِلتَّألُّمِ.
{"ayahs_start":73,"ayahs":["وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا بَیِّنَـٰتࣲ قَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَیُّ ٱلۡفَرِیقَیۡنِ خَیۡرࣱ مَّقَامࣰا وَأَحۡسَنُ نَدِیࣰّا","وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَـٰثࣰا وَرِءۡیࣰا"],"ayah":"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا بَیِّنَـٰتࣲ قَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَیُّ ٱلۡفَرِیقَیۡنِ خَیۡرࣱ مَّقَامࣰا وَأَحۡسَنُ نَدِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق