الباحث القرآني
﴿فَوَرَبِّكَ لِنَحْشُرُنَّهم والشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهم حَوْلَ جَهَنَّمَ جُثِيًّا﴾ ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أيُّهم أشَدُّ عَلى الرَّحْمَنِ عُتِيًّا﴾ ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أعْلَمُ بِالَّذِينِ هم أوْلى بِها صُلِيًّا﴾ .
الفاءُ تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ﴾ [مريم: ٦٧])، بِاعْتِبارِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّهْدِيدِ. وواوُ القَسَمِ لِتَحْقِيقِ الوَعِيدِ. والقَسَمُ بِالرَّبِّ مُضافًا إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِ وهو النَّبِيءُ ﷺ إدْماجٌ لِتَشْرِيفِ قَدْرِهِ. وضَمِيرُ لَنَحْشُرَنَّهم عائِدٌ إلى الإنْسانِ المُرادِ بِهِ الجِنْسُ المُفِيدُ لِلِاسْتِغْراقِ العُرْفِيِّ كَما تَقَدَّمَ، أيْ لَنَحْشُرَنَّ المُشْرِكِينَ. (p-١٤٧)وعَطْفُ الشَّياطِينَ عَلى ضَمِيرِ المُشْرِكِينَ لِقَصْدِ تَحْقِيرِهِمْ بِأنَّهم يُحْشَرُونَ مَعَ أحْقَرِ جِنْسٍ وأفْسَدِهِ، ولِلْإشارَةِ إلى أنَّ الشَّياطِينَ هم سَبَبُ ضَلالِهِمُ المُوجِبُ لَهم هَذِهِ الحالَةَ، فَحَشَرَهم مَعَ الشَّياطِينَ إنْذارًا لَهم بِأنَّ مَصِيرَهم هو مَصِيرُ الشَّياطِينَ وهو مُحَقَّقٌ عِنْدَ النّاسِ كُلِّهِمْ. فَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ (﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهم حَوْلَ جَهَنَّمَ جُثِيًّا﴾)، والضَّمِيرُ لِلْجَمِيعِ. وهَذا إعْدادٌ آخَرُ لِلتَّقَرُّبِ مِنَ العَذابِ فَهو إنْذارٌ عَلى إنْذارٍ وتَدَرُّجٌ في إلْقاءِ الرُّعْبِ في قُلُوبِهِمْ. فَحَرْفُ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ لا لِلْمُهْلَةِ إذْ لَيْسَتِ المُهْلَةُ مَقْصُودَةٌ وإنَّما المَقْصُودُ أنَّهم يُنْقَلُونَ مِن حالَةِ عَذابٍ إلى أشَدَّ.
وجُثِيًّا حالٌ مِن ضَمِيرِ لَنُحْضِرَنَّهم، والجُثِيُّ: جَمْعُ جاثٍ. ووَزْنُهُ فُعُولٌ مِثْلُ: قاعِدٍ وقُعُودٍ وجالِسٍ وجُلُوسٍ، وهو وزْنٌ سَماعِيٌّ في جَمْعِ فاعِلٍ. وتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ (﴿خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨])، فَأصْلُ جُثِيٍّ جُثُووٌ بِواوَيْنِ لِأنَّ فِعْلَهُ واوِيٌّ، يُقالُ: جَثا يَجْثُو إذا بَرَكَ عَلى رُكْبَتَيهِ وهي هَيْئَةُ الخاضِعِ الذَّلِيلِ، فَلَمّا اجْتَمَعَ في جُثُووٍ واوانِ اسْتُثْقِلا بَعْدَ ضَمَّةِ الثّاءَ فَصِيرَ إلى تَخْفِيفِهِ بِإزالَةِ سَبَبِ الثِّقَلِ السّابِقِ وهو الضَّمَّةُ فَعُوِّضَتْ بِكَسْرِ الثّاءِ، فَلَمّا كُسِرْتِ الثّاءُ تَعَيَنَ قَلْبُ الواوِ المُوالِيَةِ لَها ياءً لِلْمُناسَبَةِ فاجْتَمَعَ الواوُ والياءُ وسُبِقَ أحَدُهُما بِالسُّكُونِ فَقُلِبَ الواوُ الأُخْرى ياءً وأُدْغِمَتا فَصارَ جُثِيٌّ. وهَذا الجُثُوُّ هو غَيْرُ جُثُوِّ النّاسِ في الحَشْرِ المَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ تَعالى (﴿وتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً. كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها﴾ [الجاثية: ٢٨]) إنَّ ذَلِكَ جُثُوُّ خُضُوعٍ لِلَّهِ، وهَذا الجُثُوُّ حَوْلَ جَهَنَّمَ جُثُوُّ مَذَلَّةٍ.
والقَوْلُ في عَطْفِ جُمْلَةِ (﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ﴾) كالقَوْلِ في جُمْلَةِ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهم وهَذِهِ حالَةٌ أُخْرى مِنَ الرُّعْبِ أشَدُّ مِنَ (p-١٤٨)اللَّتَيْنِ قَبْلَها وهي حالَةٌ تَمَيِّزُهم لِلْإلْقاءِ في دِرْكاتِ الجَحِيمِ عَلى حَسْبِ مَراتِبِ غُلُوِّهِمْ في الكُفْرِ.
والنَّزْعُ: إخْراجُ شَيْءٍ مِن غَيْرِهِ، ومِنهُ نَزْعُ الماءِ مِنَ البِئْرِ.
والشِّيعَةُ: الطّائِفَةُ الَّتِي شايَعَتْ أحَدًا، أيِ اتَّبَعَتْهُ، فَهي عَلى رَأْيٍ واحِدٍ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى (﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في شِيَعِ الأوَّلِينَ﴾ [الحجر: ١٠]) في سُورَةِ الحِجْرِ. والمُرادُ هُنا شِيَعُ أهْلِ الكُفْرِ، أيْ مِن كُلِّ شِيعَةٍ مِنهم، أيْ مِمَّنْ أحْضَرْناهم حَوْلَ جَهَنَّمَ.
والعُتِيُّ: العِصْيانُ والتَّجَبُّرُ، فَهو مَصْدَرٌ بِوَزْنِ فُعُولٍ مِثْلُ: خُرُوجٍ وجُلُوسٍ، فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً. وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ، وخَلَفٌ بِكَسْرِ العَيْنِ إتْباعًا لِحَرَكَةِ التّاءِ كَما تَقَدَّمَ في جُثِيًّا.
والمَعْنى: لِنُمَيِّزَنَّ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ تَجْمَعُها مَحَلَّةٌ خاصَّةً مِن دِينِ الضَّلالِ مَن هو مِن تِلْكَ الشِّيعَةِ أشَدُّ عِصْيانًا لِلَّهِ وتَجَبُّرًا عَلَيْهِ، وهَذا تَهْدِيدٌ لِعُظَماءِ المُشْرِكِينَ مِثْلِ أبِي جَهْلٍ وأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ونُظَرائِهِمْ.
وأيُّ اسْمٌ مَوْصُولٌ بِمَعْنى ما ومِن. والغالِبُ أنْ يُحْذَفَ صَدْرُ صِلَتِها فَتُبْنى عَلى الضَّمِ. وأصْلُ التَّرْكِيبِ: أيُّهم هو أشَدُّ عُتِيًّا عَلى الرَّحْمَنِ. وذِكْرُ صِفَةِ الرَّحْمَنِ هُنا لِتَفْظِيعِ عُتُوِّهِمْ، لِأنَّ شَدِيدَ الرَّحْمَةِ بِـ الخَلْقِ حَقِيقٌ بِالشُّكْرِ لَهُ والإحْسانِ لا بِالكُفْرِ بِهِ والطُّغْيانِ.
ولَمّا كانَ هَذا النَّزْعُ والتَّمْيِيزُ مُجْمَلًا، فَقَدْ يَزْعُمُ كُلُّ فَرِيقٍ أنَّ غَيْرَهُ أشَدُّ عِصْيانًا، أعْلَمَ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ يَعْلَمُ مَن هو أوْلى مِنهم بِمِقْدارِ صُلِيِّ النّارِ فَإنَّها دَرَكاتٌ مُتَفاوِتَةٌ. والصُّلِيُّ: مَصْدَرُ صَلِيَ النّارَ كَرَضِيَ، وهو مَصْدَرٌ سَماعِيٌّ بِوَزْنِ فُعُولٍ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ، وخَلَفُ بِكْسِرِ الصّادِ إتْباعًا لِحَرَكَةِ اللّامِ، كَما تَقَدَّمَ في جُثِيًّا. (p-١٤٩)وحَرْفا الجَرِّ يَتَعَلَّقانِ بِأفْعَلَيِ التَّفْضِيلِ.
{"ayahs_start":68,"ayahs":["فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّیَـٰطِینَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِیࣰّا","ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِیعَةٍ أَیُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَـٰنِ عِتِیࣰّا","ثُمَّ لَنَحۡنُ أَعۡلَمُ بِٱلَّذِینَ هُمۡ أَوۡلَىٰ بِهَا صِلِیࣰّا"],"ayah":"ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِیعَةٍ أَیُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَـٰنِ عِتِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق