الباحث القرآني
﴿قالَ أراغِبٌ أنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾
فُصِلَتْ جُمْلَةُ قالَ لِوُقُوعِها في المُحاوَرَةِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ. والِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ إنْكارٌ لِتَجافِي إبْراهِيمَ عَنْ عِبادَةِ أصْنامِهِمْ. وإضافَةُ الآلِهَةِ إلى ضَمِيرِ نَفْسِهِ إضافَةُ وِلايَةٍ وانْتِسابٍ إلى المُضافِ لِقَصْدِ تَشْرِيفِ المُضافِ إلَيْهِ. وقَدْ جاءَ في جَوابِهِ دَعْوَةُ ابْنِهِ بِمُنْتَهى الجَفاءِ والعُنْجُهِيَّةِ بِعَكْسِ ما في كَلامِ إبْراهِيمَ مِنَ اللِّينِ والرِّقَّةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ كانَ قاسِيَ القَلْبِ بَعِيدَ الفَهْمِ، شَدِيدَ التَّصَلُّبِ في الكُفْرِ. (p-١١٩)وجُمْلَةُ ﴿أراغِبٌ أنْتَ﴾ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِن مُبْتَدَأٍ وفاعِلٍ سَدَّ مَسَدَّ الخَبَرِ عَلى اصْطِلاحِ النُّحاةِ طَرْدًا لِقَواعِدِ التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ، ولَكِنَّهم لَمّا اعْتَبَرُوا الِاسْمَ الواقِعَ ثانِيًا بَعْدَ الوَصْفِ فاعِلًا سادًّا مَسَدَّ الخَبَرِ فَقَدْ أثْبَتُوا لِذَلِكَ الِاسْمِ حُكْمَ المُسْنَدِ إلَيْهِ وصارَ لِلْوَصْفِ المُبْتَدَأِ حُكْمُ المُسْنَدِ. فَمِن أجْلِ ذَلِكَ كانَ المَصِيرُ إلى مِثْلِ هَذا النَّظْمِ في نَظَرِ البُلَغاءِ هو مُقْتَضى كَوْنِ المَقامِ يَتَطَلَّبُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِلدَّلالَةِ عَلى ثَباتِ المُسْنَدِ إلَيْهِ، ويَتَطَلَّبُ الِاهْتِمامَ بِالوَصْفِ دُونَ الِاسْمِ لِغَرَضٍ يُوجِبُ الِاهْتِمامَ بِهِ، فَيَلْتَجِئُ البَلِيغُ إلى الإتْيانِ بِالوَصْفِ أوَّلًا والإتْيانِ بِالِاسْمِ ثانِيًا. ولَمّا بَلَغَ الوَصْفُ لَهُ عَمَلَ فِعْلِهِ تَعَيَّنَ عَلى النُّحاةِ اعْتِبارُ الوَصْفِ مُبْتَدَأً لِأنَّ لِلْمُبْتَدَأِ عَراقَةً في الأسْماءِ، واعْتِبارُهُ مَعَ ذَلِكَ مُتَطَلِّبًا فاعِلًا، وجَعَلُوا فاعِلَهُ سادًّا مَسَدَّ الخَبَرِ، فَصارَ لِلتَّرْكِيبِ شَبَهانِ. والتَّحْقِيقُ أنَّهُ في قُوَّةِ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ ومُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ. ولِهَذا نَظَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الكَشّافِ إلى هَذا المَقْصِدِ فَقالَ قُدِّمَ الخَبَرُ عَلى المُبْتَدَأِ في قَوْلِهِ ﴿أراغِبٌ أنْتَ عَنْ آلِهَتِي﴾ لِأنَّهُ كانَ أهَمَّ عِنْدَهَ وهو بِهِ أعْنى اهـ.
ولِلَّهِ دَرُّهُ، وإنْ ضاعَ بَيْنَ أكْثَرِ النّاظِرِينَ دُرُّهُ. فَدَلَّ النَّظْمُ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ أبا إبْراهِيمَ يُنْكِرُ عَلى إبْراهِيمَ تَمَكُّنَ الرَّغْبَةِ عَنْ آلِهَتِهِمْ مِن نَفْسِهِ، ويَهْتَمُّ بِأمْرِ الرَّغْبَةِ عَنِ الآلِهَةِ لِأنَّها مَوْضِعُ عَجَبٍ. والنِّداءُ في قَوْلِهِ يا إبْراهِيمُ تَكْمِلَةٌ لِجُمْلَةِ الإنْكارِ والتَّعَجُّبِ، لِأنَّ المُتَعَجَّبَ مِن فِعْلِهِ مَعَ حُضُورِهِ يُقْصَدُ بِنِدائِهِ تَنْبِيهَهُ عَلى سُوءِ فِعْلِهِ، كَأنَّهُ في غَيْبَةٍ عَنْ إدْراكِ فِعْلِهِ، فالمُتَكَلِّمُ يُنْزِلُهُ مَنزِلَةَ الغائِبِ فَيُنادِيهِ لِإرْجاعِ رُشْدِهِ إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ يا إبْراهِيمُ.
وجُمْلَةُ ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأرْجُمَنَّكَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ. واللّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ تَأْكِيدًا لِكَوْنِهِ راجِمَهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ كُفْرِهِ بِآلِهَتِهِمْ.
(p-١٢٠)والرَّجْمُ: الرَّمْيُ بِالحِجارَةِ، وهو كِنايَةٌ مَشْهُورَةٌ في مَعْنى القَتْلِ بِذَلِكَ الرَّمْيِ. وإسْنادُ أبِي إبْراهِيمَ ذَلِكَ إلى نَفْسِهِ يَحْتَمِلُ الحَقِيقَةَ، إمّا لِأنَّهُ كانَ مِن عادَتِهِمْ أنَّ الوالِدَ يَتَحَكَّمُ في عُقُوبَةِ ابْنِهِ، وإمّا لِأنَّهُ كانَ حاكِمًا في قَوْمِهِ. ويَحْتَمِلُ المَجازَ العَقْلِيَّ إذْ لَعَلَّهُ كانَ كَبِيرًا في دِينِهِمْ فَيَرْجُمُ قَوْمُهُ إبْراهِيمَ اسْتِنادًا لِحُكْمِهِ بِمُرُوقِهِ عَنْ دِينِهِمْ.
وجُمْلَةُ ﴿واهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأرْجُمَنَّكَ﴾، وذَلِكَ أنَّهُ هَدَّدَهُ بِعُقُوبَةٍ آجِلَةٍ إنْ لَمْ يُقْلِعْ عَنْ كُفْرِهِ بِآلِهَتِهِمْ، وبِعُقُوبَةٍ عاجِلَةٍ وهي طَرْدُهُ مِن مُعاشَرَتِهِ وقَطْعُ مُكالَمَتِهِ.
والهَجْرُ: قَطْعُ المُكالَمَةِ وقَطْعُ المُعاشَرَةِ، وإنَّما أمَرَ أبُو إبْراهِيمَ ابْنَهُ بِهِجْرانِهِ ولَمْ يُخْبِرْهُ بِأنَّهُ هو يَهْجُرُهُ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ هَذا الهِجْرانَ في مَعْنى الطَّرْدِ والخَلْعِ إشْعارًا بِتَحْقِيرِهِ.
ومَلِيًّا: طَوِيلًا، وهو فَعِيلٌ، ولا يُعْرَفُ لَهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ ولا مَصْدَرٌ. فَمَلِيٌّ مُشْتَقٌّ مِن مَصْدَرٍ مُماتٍ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ لِأنَّهُ يُقالُ: أمْلى لَهُ، إذا أطالَ لَهُ المُدَّةَ، فَيَأْتُونَ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ، فَمَلِيًّا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَنصُوبٍ عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ، أيْ هَجْرًا مَلِيًّا، ومِنَ المُلاوَةِ مِنَ الدَّهْرِ لِلْمُدَّةِ المَدِيدَةِ مِنَ الزَّمانِ، وهَذِهِ المادَّةُ تَدُلُّ عَلى كَثْرَةِ الشَّيْءِ. ويَجُوزُ أنْ يَنْتَصِبَ عَلى الصِّفَةِ لِظَرْفٍ مَحْذُوفٍ، أيْ زَمانًا طَوِيلًا، وبِناءً عَلى أنَّ المَلا - مَقْصُورًا - غالِبٌ في الزَّمانِ فَذِكْرُهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ مَوْصُوفِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ ألْواحٍ﴾ [القمر: ١٣]، أيْ سَفِينَةٍ ذاتِ ألْواحٍ.
{"ayah":"قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِی یَـٰۤإِبۡرَ ٰهِیمُۖ لَىِٕن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِی مَلِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق