الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلُ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ سُبْحانَهُ إذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ .
اعْتِراضٌ بَيْنَ الجُمَلِ المَقُولَةِ في قَوْلِهِ ﴿قالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [مريم: ٣٠] مَعَ قَوْلِهِ ﴿وأنَّ اللَّهَ رَبِّي ورَبُّكُمْ﴾ [مريم: ٣٦]، أيْ ذَلِكَ المَذْكُورُ هو عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ لا كَما تَزْعُمُ النَّصارى واليَهُودُ.
والإشارَةُ لِتَمْيِيزِ المَذْكُورِ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ تَعْرِيضًا بِالرَّدِّ عَلى اليَهُودِ والنَّصارى جَمِيعًا، إذْ أنْزَلَهُ اليَهُودُ إلى حَضِيضِ الجُناةِ، ورَفَعَهُ النَّصارى إلى مَقامِ الإلَهِيَّةِ، وكِلاهُما مُخْطِئٌ مُبْطِلٌ، أيْ ذَلِكَ هو عِيسى بِالحَقِّ، (p-١٠٢)وأمّا مَن تَصِفُونَهُ فَلَيْسَ هو عِيسى لِأنَّ اسْتِحْضارَ الشَّخْصِ بِصِفاتٍ غَيْرِ صِفاتِهِ تَبْدِيلٌ لِشَخْصِيَّتِهِ، فَلَمّا وصَفُوهُ بِغَيْرِ ما هو صِفَتُهُ جُعِلُوا بِمَنزِلَةِ مَن لا يَعْرِفُونَ فاجْتُلِبَ اسْمُ الإشارَةِ لِيَتَمَيَّزَ المَوْصُوفُ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ عِنْدَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَعْرِفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ. والمَقْصُودُ بِالتَّمْيِيزِ تَمْيِيزُ صِفاتِهِ الحَقِيقِيَّةِ عَنِ الصِّفاتِ الباطِلَةِ الَّتِي ألْصَقُوها بِهِ لا تَمْيِيزَ ذاتِهِ عَنِ الذَّواتِ إذْ لَيْسَتْ ذاتُهُ بِحاضِرَةٍ وقْتَ نُزُولِ الآيَةِ، أيْ تِلْكَ حَقِيقَةُ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وصِفَتُهُ.
و(قَوْلُ الحَقِّ) قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، ويَعْقُوبُ بِالنَّصْبِ؛ فَأمّا الرَّفْعُ فَهو خَبَرٌ ثانٍ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ أوْ وصْفٌ لِعِيسى أوْ بَدَلٌ مِنهُ، وأمّا النَّصْبُ فَهو حالٌ مِنِ اسْمِ الإشارَةِ أوْ مِن عِيسى.
ومَعْنى (قَوْلُ الحَقِّ) أنَّ تِلْكَ الصِّفاتِ الَّتِي سَمِعْتُمْ هي قَوْلُ الحَقِّ، أيْ مَقُولٌ هو الحَقُّ وما خالَفَها باطِلٌ، أوْ أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - هو قَوْلُ الحَقِّ، أيْ مَقُولُ الحَقِّ، أيِ المُكَوَّنُ مِن قَوْلِ كُنْ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ كالخَلْقِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿هَذا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ١١] .
وجَوَّزَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ أنْ يَكُونَ نَصْبُ (قَوْلُ الحَقِّ) بِتَقْدِيرِ: أُحِقُّ قَوْلَ الحَقِّ، أيْ هو مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ قَبْلَهُ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا، تَقْدِيرُهُ: أُحِقُّ قَوْلَ الحَقِّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿قَوْلَ الحَقِّ﴾ مَصْدَرًا نائِبًا عَنْ فِعْلِهِ، أيْ أقُولُ قَوْلَ الحَقِّ. وعَلى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ يَكُونُ اعْتِراضًا.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُ مَصْدَرًا بِمَعْنى الفاعِلِ صِفَةً لِـ عِيسى أوْ حالًا مِنهُ، أيْ قائِلُ الحَقِّ إذْ قالَ ﴿إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ﴾ [مريم: ٣٠] إلى قَوْلِهِ ﴿أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣٣] .
و﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ صِفَةٌ ثانِيَةٌ أوْ حالٌ ثانِيَةٌ أوْ خَبَرٌ ثانٍ عَنْ (﴿عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ﴾) عَلى ما يُناسِبُ الوُجُوهَ المُتَقَدِّمَةَ.
(p-١٠٣)والِامْتِراءُ: الشَّكُّ، أيِ الَّذِي فِيهِ يَشُكُّونَ، أيْ يَعْتَقِدُونَ اعْتِقادًا مَبْناهُ الشَّكُّ والخَطَأُ، فَإنْ عادَ المَوْصُولُ إلى القَوْلِ فالِامْتِراءُ فِيهِ هو الِامْتِراءُ في صِدْقِهِ، وإنْ عادَ إلى عِيسى فالِامْتِراءُ فِيهِ هو الِامْتِراءُ في صِفاتِهِ بَيْنَ رافِعٍ وخافِضٍ.
وجُمْلَةُ ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ﴾ تَقْرِيرٌ لِمَعْنى العُبُودِيَّةِ، أوْ تَفْصِيلٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ فَتَكُونُ بِمَنزِلَةِ بَدَلِ البَعْضِ أوِ الِاشْتِمالِ مِنها، اكْتِفاءً بِإبْطالِ قَوْلِ النَّصارى بِأنَّ عِيسى ابْنُ اللَّهِ، لِأنَّهُ أهَمُّ بِالإبْطالِ، إذْ هو تَقْرِيرٌ لِعُبُودِيَّةِ عِيسى وتَنْزِيهٌ لِلَّهِ تَعالى عَمّا لا يَلِيقُ بِجَلالِ الأُلُوهِيَّةِ مِنِ اتِّخاذِ الوَلَدِ ومِن شائِبَةِ الشِّرْكِ، ولِأنَّهُ القَوْلُ النّاشِئُ عَنِ الغُلُوِّ في التَّقْدِيسِ، فَكانَ فِيما ذُكِرَ مِن صِفاتِ المَدْحِ لِعِيسى ما قَدْ يُقَوِّي شُبْهَتَهم فِيهِ بِخِلافِ قَوْلِ اليَهُودِ فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلانُهُ بِما عُدِّدَ لِعِيسى مِن صِفاتِ الخَيْرِ.
وصِيغَةُ ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ﴾ تُفِيدُ انْتِفاءَ الوَلَدِ عَنْهُ تَعالى بِأبْلَغِ وجْهٍ لِأنَّ لامَ الجُحُودِ تُفِيدُ مُبالَغَةَ النَّفْيِ، وأنَّهُ مِمّا لا يُلاقِي وُجُودَ المَنفِيِّ عَنْهُ، ولِأنَّ في قَوْلِهِ أنْ يَتَّخِذَ إشارَةً إلى أنَّهُ لَوْ كانَ لَهُ ولَدٌ لَكانَ هو خَلَقَهُ، واتَّخَذَهُ فَلَمْ يَعْدُ أنْ يَكُونَ مِن جُمْلَةِ مَخْلُوقاتِهِ، فَإثْباتُ البُنُوَّةِ لَهُ خُلْفٌ مِنَ القَوْلِ.
وجُمْلَةُ ﴿إذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ﴾، لِإبْطالِ شُبْهَةِ النَّصارى إذْ جَعَلُوا تَكْوِينَ إنْسانٍ بِأمْرِ التَّكْوِينِ عَنْ غَيْرِ سَبَبٍ مُعْتادٍ دَلِيلًا عَلى أنَّ المُكَوَّنَ ابْنٌ لِلَّهِ تَعالى، فَأشارَتِ الآيَةُ إلى أنَّ هَذا يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ أُصُولُ المَوْجُوداتِ أبْناءً لِلَّهِ وإنْ كانَ ما يَقْتَضِيهِ لا يَخْرُجُ عَنِ الخُضُوعِ إلى أمْرِ التَّكْوِينِ.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِی فِیهِ یَمۡتَرُونَ","مَا كَانَ لِلَّهِ أَن یَتَّخِذَ مِن وَلَدࣲۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"],"ayah":"مَا كَانَ لِلَّهِ أَن یَتَّخِذَ مِن وَلَدࣲۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق