الباحث القرآني
﴿فَأتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ ﴿يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ دَلَّتِ الفاءُ عَلى أنَّ مَرْيَمَ جاءَتْ أهْلَها عَقِبَ انْتِهاءِ الكَلامِ الَّذِي كَلَّمَها ابْنُها.
وفِي إنْجِيلِ لُوقا: أنَّها بَقِيَتْ في بَيْتِ لَحْمٍ إلى انْتِهاءِ واحِدٍ وأرْبَعِينَ يَوْمًا، وهي أيّامُ التَّطْهِيرِ مِن دَمِ النِّفاسِ، فَعَلى هَذا يَكُونُ التَّعْقِيبُ المُسْتَفادُ مِنَ الفاءِ تَعْقِيبًا عُرْفِيًّا مِثْلَ: تَزَوَّجَ فَوُلِدَ لَهُ.
وقَوْمُها: أهْلُ مَحَلَّتِها.
وجُمْلَةُ تَحْمِلُهُ حالٌ مِن تاءِ أتَتْ. وهَذِهِ الحالُ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّها أتَتْ مُعْلِنَةً بِهِ غَيْرَ ساتِرَةٍ لِأنَّها قَدْ عَلِمَتْ أنَّ اللَّهَ سَيُبَرِّئُها مِمّا يُتَّهَمُ بِهِ مِثْلُ مَن جاءَ في حالَتِها.
(p-٩٥)وجُمْلَةُ ﴿قالُوا يا مَرْيَمُ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا. وقالَ قَوْمُها هَذِهِ المَقالَةَ تَوْبِيخًا لَها.
وفَرِيٌّ: فَعِيلٌ مِن فَرى مِن ذَواتِ الياءِ. ولِهَذا اللَّفْظِ عِدَّةُ إطْلاقاتٍ، وأظْهَرُ مَحامِلِهِ هُنا أنَّهُ الشَّنِيعُ في السُّوءِ، قالَهُ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ، وهو جاءَ مِن مادَّةِ افْتَرى إذا كُذِّبَ لِأنَّ المَرْأةَ تَنْسِبُ ولَدَها الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ مِن زِنًى إلى زَوْجِها كَذِبًا.
ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أيْدِيهِنَّ وأرْجُلِهِنَّ﴾ [الممتحنة: ١٢] .
ومِن أهْلِ اللُّغَةِ مَن قالَ: إنَّ الفَرِيَّ والفِرْيَةَ مُشْتَقّانِ مِنَ الإفْراءِ بِالهَمْزِ. وهو قَطْعُ الجَلْدِ لِإفْسادِهِ أوْ لِتَحْرِيقِهِ، تَفْرِقَةً بَيْنَ أفْرى وفَرى، وأنَّ فَرى المُجَرَّدَ لِلْإصْلاحِ.
والأُخْتُ: مُؤَنَّثُ الأخِ، اسْمٌ يُضافُ إلى اسْمٍ آخَرَ، فَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلى ابْنَةِ أبَوَيْ ما أُضِيفَتْ إلى اسْمِهِ أوِ ابْنَةِ أحَدِ أبَوَيْهِ. ويُطْلَقُ عَلى مَن تَكُونُ مِن أبْناءِ صاحِبِ الِاسْمِ الَّذِي تُضافُ إلَيْهِ إذا كانَ اسْمَ قَبِيلَةٍ كَقَوْلِهِمْ: يا أخا العَرَبِ. كَما في حَدِيثِ ضَيْفِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَوْلُهُ لِزَوْجِهِ يا أُخْتَ بَنِي فِراسٍ ما هَذا. فَإذا لَمْ يُذْكَرْ لَفْظُ بَنِي مُضافًا إلى اسْمِ جَدِّ القَبِيلَةِ كانَ مُقَدَّرًا. قالَ سَهْلُ بْنُ مالِكٍ الفَزارِيُّ:
؎يا أُخْتَ خَيْرِ البَدْوِ والحَضارَةْ كَيْفَ تَرَيْنَ في فَتى فَزارَةْ
يُرِيدُ يا أُخْتَ أفْضَلِ قَبائِلِ العَرَبِ مِن بَدْوِها وحَضَرِها.
فَقَوْلُهُ تَعالى ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلى حَقِيقَتِهِ. فَيَكُونَ لِمَرْيَمَ أخٌ اسْمُهُ هارُونُ كانَ صالِحًا في قَوْمِهِ، خاطَبُوها بِالإضافَةِ إلَيْهِ زِيادَةً في التَّوْبِيخِ، أيْ ما كانَ لِأُخْتِ مِثْلِهِ أنْ تَفْعَلَ فِعْلَتَكَ، وهَذا أظْهَرُ الوَجْهَيْنِ. فَفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ «عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ إلى أهْلِ نَجْرانَ فَقالُوا: أرَأيْتَ ما تَقْرَءُونَ ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ .
(p-٩٦)ومُوسى قَبْلَ عِيسى بِكَذا وكَذا ؟ قالَ المُغِيرَةُ: فَلَمْ أدْرِ ما أقُولُ. فَلَمّا قَدِمْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقالَ: ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّهم كانُوا يُسَمُّونَ بِأسْماءِ أنْبِيائِهِمْ والصّالِحِينَ قَبْلَهُمُ» اهـ. فَفي هَذا تَجْهِيلٌ لِأهْلِ نَجْرانَ أنْ طَعَنُوا في القُرْآنِ عَلى تَوَهُّمِ أنْ لَيْسَ في القَوْمِ مَنِ اسْمُهُ هارُونُ إلّا هارُونَ الرَّسُولَ أخا مُوسى.ويُحْتَمَلُ أنَّ مَعْنى أُخْتَ هارُونَ أنَّها إحْدى النِّساءِ مِن ذُرِّيَّةِ هارُونَ أخِي مُوسى، كَقَوْلَ أبِي بَكْرٍ: يا أُخْتَ بَنِي فِراسٍ.
وقَدْ كانَتْ مَرْيَمُ مِن ذُرِّيَّةِ هارُونَ أخِي مُوسى مِن سِبْطِ لاوِي. فَفي إنْجِيلِ لُوقا كانَ كاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيّاءُ مِن فِرْقَةِ أبِيّا وامْرَأتُهُ مِن بَناتِ هارُونَ واسْمُها إلْيَصاباتُ، وإلْيَصاباتُ زَوْجَةُ زَكَرِيّاءَ نَسِيبَةُ مَرْيَمَ، أيِ ابْنَةِ عَمِّها. وما وقَعَ لِلْمُفَسِّرِينَ في نَسَبِ مَرْيَمَ أنَّها مِن نَسْلِ سُلَيْمانَ بْنِ داوُدَ خَطَأٌ.
ولَعَلَّ قَوْمَها تَكَلَّمُوا بِاللَّفْظَيْنِ فَحَكاهُ القُرْآنُ بِما يَصْلُحُ لَهُما عَلى وجْهِ الإيجازِ. ولَيْسَ في هَذا الِاحْتِمالِ ما يُنافِي حَدِيثَ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
والسَّوْءُ بِفَتْحِ السِّينِ وسُكُونِ الواوِ: مَصْدَرُ ساءَهُ، إذا أضَرَّ بِهِ وأفْسَدَ بَعْضَ حالِهِ، فَإضافَةُ اسْمٍ إلَيْهِ تُفِيدُ أنَّهُ مِن شُئُونِهِ وأفْعالِهِ وأنَّهُ هو مَصْدَرٌ لَهُ. فَمَعْنى ﴿امْرَأ سَوْءٍ﴾ رَجُلَ عَمَلٍ مُفْسِدٍ.
ومَعْنى البَغِيِّ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وعَنَوْا بِهَذا الكَلامِ الكِنايَةَ عَنْ كَوْنِها أتَتْ بِأمْرٍ لَيْسَ مِن شَأْنِ أهْلِها، أيْ أتَتْ بِسَوْءٍ لَيْسَ مِن شَأْنِ أبِيها وبِغاءٍ لَيْسَ مِن شَأْنِ أُمِّها، وخالَفَتْ سِيرَةَ أبَوَيْها فَكانَتِ امْرَأةَ سَوْءٍ وكانَتْ بَغِيًّا؛ وما كانَ أبُوها امْرَأ سَوْءٍ ولا كانَتْ أُمُّها بَغِيًّا فَكانَتْ مُبْتَكِرَةً الفَواحِشَ في أهْلِها. وهم أرادُوا ذَمَّها فَأتَوْا بِكَلامٍ صَرِيحُهُ ثَناءٌ عَلى أبَوَيْها مُقْتَضٍ أنَّ شَأْنَها أنْ تَكُونَ مِثْلَ أبَوَيْها.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُوا۟ یَـٰمَرۡیَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَیۡـࣰٔا فَرِیࣰّا","یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءࣲ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیࣰّا"],"ayah":"یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءࣲ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق